أراء حرة

قراءة في كتاب هوامش على دفتر أحوال مصر لمحمد فتحي عبد العال

قراءة في كتاب هوامش على دفتر أحوال مصر لمحمد فتحي عبد العال
الكتاب ممتاز وهو عمل توثيقي تاريخي بامتياز، يعتمد على أرشيف الصحافة المصرية في تتبع قضايا وأحداث اجتماعية، جنائية، سياسية، وقانونية
“هوامش على دفتر أحوال مصر” ليس مجرد كتاب في التاريخ، بل هو دفتر اجتماعي وأخلاقي وثقافي يمسك بتلابيب الماضي من خلال الصحافة، ويوثّق من خلال قضايا الناس العاديين كيف كان شكل المجتمع، وكيف تعاملت الصحافة والدولة مع القضايا الإنسانية الكبرى.

رغم بعض المآخذ النقدية على غياب الإطار التحليلي، فإنه يبقى مرجعًا غنيًا ومثيرًا، يصلح لبناء دراسات أعمق في المستقبل.

وفيما يلى نقد منهجي وأدبي للكتاب:

أولًا: النقد الموضوعي
1. أهمية الموضوع وتفرّده
يعالج الكتاب زاوية مهملة من التاريخ المصري وهي الصحافة كمرآة للمجتمع، ويوظفها لتوثيق وتحليل الأحداث التي قد لا تظهر في كتب التاريخ التقليدية.
تفوّق في عرض الوجه غير الرسمي للتاريخ، كقضايا المحاكم، أخبار الحوادث، الفقر، البغاء، الانتحار، والرقيق الأبيض… مما يعطي الكتاب طابعًا واقعيًا وإنسانيًا.
2. المنهجية التاريخية
المنهج يعتمد على التوثيق من مصادر أولية (الصحف والمجلات القديمة مثل المصور، الدنيا المصورة، آخر ساعة، وغيرها).
ولكن في بعض المواضع يغيب التحليل النقدي المتعمق للأحداث ويُترك الأمر للقارئ لاستخلاص المغزى، مما قد يُضعف الجانب التحليلي الأكاديمي.
3. التركيز على القضايا الجنائية
يغلب على الكتاب الطابع البوليسي في عرض القضايا، وهذا يجعله ممتعًا وجذابًا للقارئ العام، لكنه في الوقت نفسه قد يُبعده عن التحليل الاجتماعي والسياسي الأوسع لتلك الوقائع.
4. غياب الإطار النظري
يفتقر الكتاب إلى إطار نظري واضح من علم الاجتماع أو علم النفس الجنائي أو التاريخ الاجتماعي، رغم أنه يقدم مادة غنية لهذه الفروع.

ثانيًا: النقد الأسلوبي
1. اللغة والأسلوب
اللغة صحفية، سلسة وسردية، تشدّ القارئ بسهولة، ولكنها في بعض المواضع تميل إلى الدرامية المفرطة أو التوصيف البلاغي (مثل وصف الجريمة أو المجرم)، وهو ما يقلل من موضوعية الطرح.
2. التوثيق
يوثق الكاتب القضايا بدقة من الصحف والمجلات مع ذكر الأعداد والتواريخ، وهو جهد أرشيفي محترم.
لكن الاقتباسات المطولة من الصحافة في بعض المواضع تطغى على صوت الكاتب الخاص، وكان من الأفضل أن تُكثّف أو تُختصر مع التعليق الشخصي التحليلي.
3. الترتيب والتنظيم
الكتاب منظم حسب نوعية القضايا (جرائم قتل، فساد، خيانة زوجية، اختفاء، فقر…)، لكن كان من الممكن ترتيبها زمنيًا أو تحليلها ضمن محاور اجتماعية مثل: “موقف الدولة من المرأة”، “التحولات الاجتماعية في مصر”، “الخطاب الإعلامي ودوره”، إلخ.

ثالثًا: نقد المضمون والمعالجة
1. نقل مأساة الإنسان المصري البسيط
من أبرز نجاحات الكتاب هو تسليط الضوء على الضحايا المهمشين: فقراء، نساء، أطفال، مغتربين، خدم… وهذه فئة عادة ما يتم تجاهلها في السرد التاريخي الرسمي.
2. نقد المؤسسة الصحفية نفسها
ينتقد المؤلف أحيانًا الصحف نفسها بسبب الضعف المهني أو التغطية غير الدقيقة أو الأسلوب العاطفي، وهذا نقد جريء ومطلوب.
3. محدودية التحليل القانوني أو المقارن
لا نجد تحليلات قانونية لأحكام القضايا ولا مقارنات مع واقع اليوم، رغم أن مثل هذا التوسع كان سيضيف قيمة مضاعفة.

رابعًا: إيجابيات الكتاب
توثيق نادر ومهم لأحداث مهملة.
جهد أرشيفي ضخم جدًا.
أسلوب سردي ممتع وجذاب.
يعيد إحياء الذاكرة الجمعية للشعب المصري.
مفيد للباحثين في علم الاجتماع، الجريمة، الدراسات النسوية، وتحليل الخطاب الإعلامي.

خامسًا: سلبيات وملاحظات نقدية

غياب التحليل العميق
رغم وفرة المادة، غاب التأطير النظري والاجتماعي
طغيان السرد
التركيز على الحدث دون ربطه بسياقه الأوسع
افتقار إلى خاتمة عامة
لا يوجد تلخيص جامع أو استنتاجات ختامية
تركيز على القضايا المثيرة
يغلب عليها طابع الإثارة أحيانًا دون الربط بظواهر اجتماعية كبرى
عدم وجود فهرس موضوعي
يصعب الرجوع السريع إلى القضايا أو المواضيع
…ويبقى كتاب “هوامش على دفتر أحوال مصر” مرجعاً غنياً لتاريخ مصر الحديث،

 


د. نادية هاشم
الصحفية والباحثة في التاريخ الإسلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى