أخبار عاجلةالرئيسيةدراسات ومقالات

منال رضوان تكتب المن.. تقويض البناء الأخلاقي للعطاء

من بين الظواهر الإنسانية التي تحمل التباسًا في معناها، ويجدر الوقوف عندها، أن يُحوَّل فعل الخير إلى أداة استدعاء متكرر للثناء والاعتراف، فالمحسن حين يربط عطاءه بالتذكير الدائم بما قدّم، إنما يفرغ الفعل من قيمته الأصلية؛ إذ يغدو الخير مشروطًا بالمديح لا نابعًا من الضمير أو مقتضيات العدالة الإنسانية!

الأصل أن يقوم الإنسان بما يمليه عليه وجدانه، سواء في صورة مساعدة (مادية – معنوية) أو تضحية أو موقف داعم، ثم ينتهي الأمر عند هذا الحد، فالشكر إن أتى فهو زيادة في الرضا، وإن غاب فالمعيار الأصيل يظل في نقاء الدافع، وبذل العناية لا تحقيق الغاية، وحين يتحول العطاء إلى وسيلة لاستدامة الامتنان تنقلب المعادلة، ويصبح المنّ أثقل من العوز نفسه؛ إذ يحمل الآخر عبء تذكّر لا ينقطع، وفي التصور الأخلاقي والروحي، الفعل الخيّر لا يستقيم إلا إذا بقي بعيدًا عن طلب الجزاء النفسي أو الاجتماعي، وقد ورد في النص القرآني نهي صريح عن إبطال الصدقات بالمنّ والأذى، وهو نهي يحمل دلالة عميقة؛ أن العطاء يفقد جوهره حين يعلَّق على شرط الاعتراف، ويرتهن بالتقاط صورة الكف المانحة.

فقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا
لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)
الآية ٢٦٤ من سورة البقرة ، وقيل : فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى فما يفي ثواب الصدقة* (للمزيد تفسير ابن كثير).

وعلى المستوى الكوني يمكن النظر إلى الأمر باعتباره مساسًا بميزان العدالة الرمزي؛ حيث يفترض أن تكون الأفعال الخيّرة جزءًا من النسيج الطبيعي للعلاقات الإنسانية لا عبئًا إضافيًا على من نالها، هنا تبرز المفارقة:
فالفعل الذي أريد له أن يكون باعثًا على الطمأنينة قد يتحول إلى قيد نفسي يذكّر بالفضل أكثر مما يحرّر بالخير، كما أنه لا يمثل الأساس السليم لبناء علاقات إنسانية قوامها
الرحمة والدعم.
#منال_رضوان
#المن_تقويض_البناء_الأخلاقي_للعطاء
١٩ من أغسطس ٢٠٢٥

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى