أسمهان الماجري تكتب: قراءة ارتجالية لرواية فاطمة التليلي “الطفلة التي خبأتني في عباءتها”

وصلتني رواية الكاتبة التونسية فاطمة التليلي “الطفلة التي خبأتني في عباءتها”، الصادرة مؤخرا عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع في القاهرة، وتتلخص حول قضايا العنف الأسري، في جملة افتتحت بها سطورها “المجروح من عائلته لا يشفى أبدا”.
رفيقة وحنان، هنا تكمن اللعبة السردية المعقدة،لهذه السيرة الذاتية المتخيلة لحنان والتي تركتها قبل موتها لصديقتها رفيقة لنشرها. ورفيقة ستقرأ لنا كل مرة قليلا من الدفتر الذي تركته حنان، ثم تعود لبعض السرد خارج هذا الدفتر لحياتها، لكن سرعان ما تعود للدفتر وهكذا دواليك.
الرواية تقع في 133 صفحة التهمتها في يوم واحد ببساطة، لأنني كلما تخلصت من وجع في صفحة من صفحاتها وجدت وجعا آخر أعمق في الصفحة التالية، وهو ما جعلني ألهث بكل فضول وراء الكلمات لأعرف بأسرع وقت ممكن كيف انتهت الحكاية، كيف انتهى هذا الكابوس الذي تعيشه المرأة خاصة في مجتمعاتنا.
هو كتاب أهدته المؤلفة إلى جميع النسوة الريفيات المحرومات اللاتي أتين إلى هذه الدنيا ويحاربن كل شيء بصمت، رواية مليئة بالسلطة الذكورية المهيمنة، والعقلية الذكورية التي تتبناها المرأة أيضا.
تقول نوال السعداوي “اضطهاد المرأة لا يرجع إلى الشرق أو الغرب أو الإسلام أو الأديان ولكنه يرجع أساسا إلى النظم الأبوية”. فهذه الأم ذاقت كل ألوان العذاب من زوجها من اغتصاب وإطفاء سجائر بجسدها، إضافة إلى إعمال “الكُلاب”في عضوها الأنثوي إرضاء لعقد مجتمع كامل مريض، ذكوري كامن داخله. اتهامات بالخيانة .. شتم.. إلخ،
لكن هذه الأم عندما تخلى عنها الزوج وتزوج إحدى عشيقاته وأنجب منها طفلة ثم مرض فطلقته عشيقته وعادت لزوجها، عادت أم البطلة لتعتني به هو وطفلته من المرأة الأولى، حتى أنها اعتنت بهذه الطفلة أكثر مما اعتنت بكل أولادها حسب وصف حنان، فكيف نُفسر ذلك؟ هل هو الحب؟ أم أنها عقلية جماعية متجذرة التي نسميها في الدارجة التونسية “بنت الأصل ما تلوحش راجلها”، حتى لو كان جلادا وخائنا، حتى لو تخلى عنها لأجل امرأة أخرى، فإنها ستحتويه مجددا ولو عاد إليها مقعدا..!! .
هل هو ظلم المجتمع الذي يصنع نساء بهذه الهندسة الاجتماعية؟
والغريب أن هذا الزوج عندما بدأ بالتعافي عاد إلى نفس تسلطه رغم كل تضحيات الزوجة !!
وحتى الأخ رُبي كي يكون نسخة من الأب حتى في إهانته لأمه.
الأخت التي ماتت مع سرها وظلت سرا يقف خنجرا في حلق أختها عن السبب الحقيقي لموتها.
التقسيم الجندري المهين حتى في الأكل وجودته داخل المنظومة الأبوية الذكورية، وأن الكذب من أجل سبب موتها أفضل من الفضيحة والعقوبة لفرد آخر من العائلة. عشت ألم الأسطر بكل شعوري كإنسانة.
الأم التي طردت ابنتها في يوم شتوي، فقط لأنها نطقت بالحقيقة التي كانت ستتسبب بفضيحة للأخ الذي تخونه زوجته، حيث تتغلب العادات والقيود على المحبة والأمومة.
ولعل أكثر جملة مستني وكأنها سيرة ذاتية لي ولكل القراء ربما “لم أكن يوما امرأة كاملة كنت دوما ظل طفلة”. فكم هو قاس أن تكبر الأنثى لكن تظل طفلة في شعورها، في ذكرياتها، في حياتها اليومية.
الكتاب افتتح بقصيد اغتراب ذات، وهو ما يذكرنا بأن الكاتبة عرفت كشاعرة أولا لكن أول إصداراتها كان هذا السرد الجميل.
اقتباسات من الرواية:
” إلى الذّين أصروا بأن أكون على درب فشلهم: أنا خارج سربكم أغرد”.
“أختي التي لا تبكي ولا أعرف أين تخزن دموعها ولا كيف تكون قوية رغم صغر سنّها ولا تشتكي حقد أخي ولا سطوة أبي لا تجالس أيّ فرد من العائلة غير أنها كانت تستمتع بالبقاء مع جدّي وقد شاهدتها مرّة تقهقه وكانت تلك هي المرة الوحيدة واستغربت حتّى أنني سألت جدّي عمّا أخبرها لتقهقه بهذه الطريقة الجميلة، فلم يجبني”.
” الحياة صعبة جدا، مؤلم حد الموت أن تعيش حقائق لكنك لا تستطيع إثباتها، عندما كان أبي يضرب أمي أو يشتمها كنت أخبئ رأسي تحت الغطاء الصوفي المثقوب فقط لأن أمّي فرضت علينا احترامه مهما فعل”.
” قالوا إن العائلة وطن..لكن ماذا لو كان الوطن هو أول من نفانا؟”.