إبراهيم الناصر جميع شخصيات ظلال على شرفة المجهول تعاني صراعاتها الذاتية .
حاوره غصون غانم

في هذه النصوص الغنيه تأتي هذه البُنى السردية واضعة القارئ في صلب التجربه الإنسانيه وتعقيداتها بإسلوب أدبي متوازن يمزج بين العمق التحليلي واللغة التعبيرية، وإبراز الترابط الديناميكي بين الإغتراب والهويه والإنتماء كعناصر مركزية تحرك صراعات شخصيات الرواية وتأثير ذلك على تشكيل هذه الشخصيات من النواحي النفسيه والاجتماعيه بما يضعنا داخل تعقيدات هذه المفاهيم والتأثيرات النفسية للإغتراب على الفرد وكيف تؤثر الهوية والانتماء في بناء الذات والثقافة لتعكس لنا أهمية الانتماء وكيف يؤثر فقدانه أو تحققه على توازن الأفراد وعلاقاتهم بالمجتمع، وإبراز الصراعات الداخلية التي تعانيها الشخصيات في البحث عن هويتهم وسط تقلبات المجتمع والثقافة من خلال استخدام صوراً سردية وأدماج رموزاً أو إشارات ثقافية تعكس الخلفيات الاجتماعية والثقافية للشخصيات. عبّر عن صراعات الهوية الشخصية أو الجماعية من خلال لغة سردية تحكي عن التناقضات أو البحث عن الذات، ظاهرة الاغتراب وكيف يتم تجسيد شعور الاغتراب من خلال السرد، وتأثيره على الانفصال عن المجتمع أو الذات .
حاوره غصون غانم
١__ كيف تعكس شخصية “صابر” الصراعات الداخلية المتعلقة بالهوية والانتماء، وما هي الرموز التي يستخدمها الكاتب لتجسيد هذه الصراعات ؟
هوية قلقه متشظيه تنعكس على إحساسه بلإنتماء . . اما الرموز بمحمولات تاريخيه وحضاريه تحملها الشخصيه في منفاها وفي صراعاتها الداخليه . .
شخصية صابر وصيرورتها كما جاءت في الرواية. فولادته ونشأته في القرية. طلاق والدته، وعلاقته بأبيه، كلها تركمات في ذاكرة الطفل الذي هجره أبوه وعامله ووالدته بقسوة، بالتأكيد كان لها الأثرالأكبر في خلق احساسا لديه ولدى والدته بالاغتراب فرغم انهما يعيشان في قريتهما. ومن ثم انتقاله في كنف والدته الى مكان جديد وغريب عنه أحدث في نفسه تغيرات عميقة وصراعات لا عهد له بها، اضيف الى احساسه بالاغتراب احساسا بالغربة والمنفى في عالم غريب عنه يخلو من الذكريات. مما أثر على تشكل هويته الذاتية واحساسه بالانتماء الى المكان الجديد وأثار لديه نزعات وتساؤلات حول مفهوم الأنا، الانتماء،الاغتراب، الغربة والمنفى، في اطار تشكيله لهويته الجديدة، وما لهذه الأحداث من أثر في تشكيل هذه الهوية، التي لا شك في انها ستكون هوية قلقة متشظية تنعكس على احساسه بالانتماء.
أما فيما يتعلق بالرموز المستخدمة لتجسيد هذه الصراعات. مثل البيت الكبير، الولي، عرس الدم، بعض النصوص الدينية والأسطورية، وغير ذلك. هذه الرموز هي محمولات حضارية تاريخية موروثة منذ زمن طويل، كارث جمعي يورث جيلا بعدجيل. ولا زال يحمله الأفراد في حيواتهم. حمله “صابر” معه في منفاه وفي صراعاته الذاتية.
٢__ ما الدور الذي تلعبه الذاكرة والحنين في تشكيل مسار حياة الشخصيات، وكيف يؤثر ذلك على قراراتهم في الحاضر؟
الذاكرة في خطوة دفاعية لا ارادية عن الذات وتستثير الاحساس بالحنين حفاظاً على التوازن النفسي للفرد وتحفيزه للمضي قدما مستندا الى مصادر قوة داخلية في ماضيه وذكرياته.
” ما الانسان الا حصيلة ذكرياته”
بدأت تتشكل هويات شخصيات الرواية في المنفى، وفي مراحل تشكله خاضت صراعات كبيرة. في خضم هذه الصراعات تكون الذاكرة والحنين محمولات منذ نشأتها، يحملها الفرد، وتظل تشده نحو ماضيه. وهذا له التأثير الكبير على صيرورة حياة الأفراد واختياراتهم وقراراتهم المستقبلية. وبلا شك الغربة والاغتراب بيئة ومجال حيوي لأثارة نزعات الحنين والشوق لماض يشعر الفرد أنه طار من يديه وأصبح بعيدا ومفقودا. وهنا تأتي الذاكرة في خطوة دفاعية لا ارادية عن الذات، تستثير الاحساس بالحنين ربما للحفاظ على التوازن النفسي للفرد، وتحفيزه للمضي قدما مستندا الى مصدر قوة داخلية فيه. ماضيه وذكرياته.
٣__ كيف يمكن تفسير عنوان الرواية “ظلال على شرفة المجهول” من حيث دلالاته الرمزية، وما هي العلاقة بين الظلال الشرفة، والمجهول في سياق الرواية؟
الظلال تعبير عن ماهية الشخصيات، والشرفة تعبيرا عن المكان والحالة التي تعيشها هذه الظلال “الغربة” في بحثها عن ذواتها الحقيقية غير الواضحة في منفاها “المجهول” .
نمو الشخصيات في الرواية لم يكتمل في بيئتها، اما لصغر سنها أو لقلة خبراتها ومحدودية تجاربها في بيئة محدودة وشبه مغلقة في القرية. حيث كانت القرية تمثل عالم الشخصيات لكن حصل إنحراف في هذا النمو بسبب التهجير أو الهجرة الى أرض غريبة، مما شكل عالما جديدا مليء بالصراعات الذاتية والتحديات الخارجية، لم تنسجم معه الشخصيات. فعاشت احساسا بالغربة يشبه ظلالا على شرفة تبحث عن ذواتها الحقيقية في أماكن لا أبواب لها. فأطلت على المجهول، وفي سياق الرواية لم تجد هذه الشخصيات ذواتها، لأنها بقيت عالقة في عالم ذكرياتها، ومشدودة الى أماكن وأشخاص وحيثيات حياتية الماضية، فالظلال هنا هو تعبير عن ماهية الشخصيات، والشرفة تعبيرا عن المكان والحالة التي تعيشها هذه الظلال “الغربة” في بحثها عن ذواتها الحقيقية غير الواضحة في منفاها “المجهول” فالعنوان في مجمله تعبير عن حالة التشظي التي تعيشها الشخصيات.
٤__ ما هي الآثار النفسية والاجتماعية التي تترتب على تجربة الاغتراب التي تعيشها الشخصيات، وكيف تتناول الرواية هذه التجربة بشكل نقدي؟
اذا ما تلازم الشعور بالاغتراب بالغربة والمنفى، يصاب الأفراد بالتشظي، والذي لا شك ينعكس سلبا على الحالة النفسية والاجتماعية لهم.
من طبيعة الانسان قدرته على التأقلم والتكيف مع البيئات والمجتمعات البشرية التي يعيش فيها. وحتى يتمكن من ذلك لا بد أن توفر له هذه البيئة عوامل الأمان، وسبل العيش الكريم من أساسياته الحياتيه المادية. كذلك في اطار تشكل وتشكيل هويته يحتاج الى توفير أمور معنوية تعزز اعتزازه بذاته وانتمائه للمكان والمجتمع. لكن في حال عدم الانسجام مع هذا العالم يبرز ويعزز الشعور بالاغتراب، واذا ما تلازم الشعور بالاغتراب بالغربة والمنفى، يصاب الأفراد بالتشظي، والذي لا شك ينعكس سلبا على الحالة النفسية والاجتماعية لهم. وهذا كان واضحا في صيرورة نمو الشخصيات. تناولت الرواية هذه التجربة من خلال صيرورة نمو الشخصيات وتفاعلها مع حالة الغربة والمنفى.
٥__ كيف يتناول الكاتب موضوع السلطة الأبوية في الرواية وما هي تأثيراتها على العلاقات الأسرية بين الشخصيات خاصة بين “صابر” ووالده “محمد”؟
تتمركز السلطة في فرد رمز للسلطة الأبوية في الأسرة مستمد من السلطة الاجتماعية والسلطة الدينية والاستبداد السياسي العام.
الرواية تتناول شريحة اجتماعية في المجتمع الفلسطيني، تتشابه في حيثياتها مع كافة المجتمعات الفلسطينية، وربما العربية. حيث تتمركز السلطة في فرد، رمز. بالنسبة للسلطة الأبوية في الأسرة، مستمد من السلطة الاجتماعية والسلطة الدينية والاستبداد السياسي العام، جاءت في السياق الروائي من خلال استخدام “البيت الكبير” كشخصية رئيسة ترمز الى السلطة بشكل عام. كما تظهر السلطة الأبوية في الرواية من خلال علاقة صابر بأبيه، والمتأثرة قطعا بالستبداد السلطوي بكافة أشكاله.
٦__ ما هو الدور الذي يلعبه الزمن والذاكرة في تشكيل الوعي الذاتي لدى الشخصيات؟
شخصيات الرواية هي ضحايا هذا الزمن وهذه الذاكرة المثقلة بمحمولاتها الاجتماعية والفكرية الثقافية التي تلعب دورا كبيرا في تشكل وعيها.
شخصيات الرواية هي ضحايا هذا الزمن وهذه الذاكرة المثقلة بمحمولاتها الاجتماعية والفكرية/ الثقافية، التي تلعب دورا كبيرا في تشكل وعيها. فنشأة الشخصيات وصيرورة نموها وتشكل وعيها بداية في القرية وما رافقها من أحداث أدت الى هجرتها أو تهجيرها وعدم انسجامها مع عالمها الجديد وحالة التشظي التي عاشتها في الغربة ومع مرور الوقت دون أن تجد ذواتها لا شك حفز الذاكرة للاستمرار في بث الحياة في عصب الذاكرة لاستحضار الماضي في عملية تشكل وعيها الذاتي في الغربة.

٧__ كيف يعكس الصراع الداخلي لبطل الرواية الصراعات الاجتماعية في المجتمع الذي يعيش فيه الشخصية؟
لا يوجد بطل منفرد جميع الشخصيات الرئيسة والثانوية تعاني صراعاتها الذاتية .
لا يوجد بطل منفرد في الرواية، وجميع شخصيات الرواية الرئيسة والثانوية تعاني صراعاتها الذاتية على امتداد الرواية بما تمثل شريحة اجتماعية في الفضاء الاجتماعي السائد في مجتمعاتنا.