أخبار عاجلةالرئيسيةدراسات ومقالات

علاء العلاف يكتب تأملات في معدن البشر وكتابة السيناريو

عن الناس والمعادن الخفيّة

الناس أجناس، لا يشبه بعضهم بعضًا، لا في الوفاء ولا في ردّ الجميل ولا في حفظ العهد، منهم من يعرف للمعروف قدره ويصون الودّ كأنه أمانة لا تضيع، ويحتفظ في قلبه بجميل من أحسن إليه، لا ينساه مهما تقلّبت الأيام، ومنهم من تراه غريبًا عن كل معاني الوفاء، كأنما الجميل عنده واجب، وكأن ما يُقدّم إليه يذهب في مهبّ الريح، وهناك من يتصنّع الطيبة، ويخفي خلف تصرّفاته نوايا لا تُفهم إلاّ بعد حين، يظن أنك لا تقرأ ما بين السطور، ولا ترى ما وراء الوجوه، وهو لا يعلم أنك تدرك الحقيقة قبل أن تُقال، مؤلم أن تُفاجَأ بأصدقاء لا يعرفون للجميل وزنًا، لكننا لم نعد نندهش؛ فقد تعلّمنا أن هذه الطباع لا تُكتسب، بل تُولد مع أصحابها، قد يظهرون في هيئة النُّبل والرُّقيّ، ولكن ما إن تسقط الأقنعة، حتى تتجلى الوجوه على حقيقتها، والحمد لله دائمًا، الذي كشف لنا معادن البشر دون أن نُضطر إلى البحث الطويل، ثمّة من وضعت نفسك على كفّ الحياة لأجله، تجاوزت وتنازلت وضحّيت، فقط لتراه بخير، وحين استقامت أموره، تغيّر واعتقد أنه لم يحتج إليك يومًا، ونسي من كان له السند حين لم يكن له أحد، ومع ذلك فنحن لا نُجاريهم، لأن أخلاقنا أعلى من الغدر وقلوبنا أصفى من أن تعرف النكران، نحن لا نتلوّن ولا نتغيّر بتقلّب المواقف، فالأصل فينا ثابت، لا يهزّه الزمان، ولعلّ أقسى المواقف تلك التي تبذل فيها من روحك ووقتك ومالك، تمدّ يدك لمن كان في العدم، تفتح له أبواب العلم والعمل، ثم تراه يمضي كأن شيئًا لم يكن، لا سؤال، لا تواصل، ولا حتى كلمة شكر على أيام لم يكن فيها أحد سواك. أي زمن هذا؟ يُقابَل فيه الصّفاء بالجحود والوفاء بالنكران؟ زمن اختلطت فيه القيم، حتى بتنا لا ندري: من يُشكَر؟ ومن يُحذر؟ أنا لا أعاتب، ولا أرجو امتنانًا، لكن يؤسفني أن بعض القلوب لا تفرّق بين الأصل والتّصنّع، ولا تُقدّر من احتواها كأنها قطعة منه، هم ليسوا سوى دروس مريرة، نتعلم منها، ولا ننساها…
عن السيناريو وما لا يُقال
في خضمّ هذه التأملات، جاء حديث صديقي عن كتابة السيناريو، فأدركت أنني قرأت كثيرًا عن هذا الفن العميق، السيناريو ليس مجرّد نصّ يُكتب، بل مشروع متكامل يمرّ بمراحلَ طويلة، تتفاوت في صعوبتها لكنّها تتكامل لتصنع عملاً ناجحًا، في البداية، قد تأتي الفكرة لمحةً، ثم تتحوّل إلى مشهد، ثم تبدأ الرحلة: من المسودة الأولى، إلى إعادة الكتابة والتعديلات والبناء الدرامي الكامل،يظنّ البعض أن كتابة السيناريو أمر سهل، مجرد قلم وورقة وحكاية لكن الحقيقة غير ذلك، السيناريو الحقيقي يُولد من المحاولة والخطأ، من التكرار والصّقل، تمامًا كما تُصنع الشّخصيات وتُبنى المواقف ويُعاد ترتيب الأحداث لتخدم الفكرة، المسودة الأولى ليست نهائية، بل هي البداية فقط، ثم تأتي مرحلة التنقيح وإعادة النظر واختصار الزائد وتوضيح الغامض، حتى تخرج القصة بِلُغَةٍ بصريّة واضحة وشخصيات ذات عمق ومواقف تُحرّك المشاهد وتلامس مشاعره، كتابة السيناريو فنّ، لكنه أيضًا علم وخبرة وتجريب، وأهمّ ما فيه: الصبر على الكتابة والصدق مع الذات، فكل مشهد يجب أن يخدم القصة وكل شخصية يجب أن تكون حقيقية في دوافعها، لا مجرّد حبر على ورق…
التفاصيل
ربما في الناس كما في السيناريو، من لا نراه على حقيقته إلا بعد أن نعيد “كتابة الأحداث” مرات ومرات،لكننا، في كل الأحوال، نظلّ أوفياء لأنفسنا ولا نندم على خير بذلناه ولا جميل قدّمناه، فالنيّة الطيبة لا تضيع، ولو أنكرها الناس، والكتابة الصادقة، كالحياة، لا تُكافَأ دائمًا، لكنها تبقى أثرًا لا يُنسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى