أخبار عاجلةالرئيسيةساحة الإبداع

محمد فتحي السباعي يكتب سنابل الوداع

قصة قصيرة

 

كانت الشمس تغرب على أطراف القرية، تلون سنابل القمح بلون الذهب المائل إلى الحنين.
وقف محمد في الغيط، يلمس السنابل بيده كأنها آخر ما تبقى له من وطنه.
وراءه كان صوته المبحوح يقول:

“يا ياماي دلو كيت مبيديش… دموعك بتأثر فيا فمتبكيش…”

اقتربت هالة، بنت الجيران، تحمل جرة ماء فوق رأسها، ووجهها يغني بالبِشر رغم الفقر.
نظرت إليه وهمست بخوفٍ خفيف:
– أنت ناوى تسيب البلد يا محمد؟
أجابها بعينين تائهتين:
– مضطر يا هالة… الجرار مشى خلاص… والبلد مبترحمنيش.

سكتت لحظة، ثم قالت وهي تمسح العرق عن جبينها:
– والغيط؟ والسنابل اللي بنيناها مع بعض؟ والضحكة؟

ابتسم بحزنٍ عميق:
– هىّ دى اللى بتوجع يا هالة… حلمى كان هنا… بس الرغيف بقى بعيد.

من بعيد، ظهرت أمه “أم محمد” تتوكأ على عصاها، تصرخ من حافة الغيط:

“يا وليدى بلدنا ملناش غيرها… طب أنا ما شوفتش خيرها!”

جرى نحوها، احتضن يدها المليئة بالشقاء وقال:
– سامحينى يا ياماي… مسافر لجل أخواتى البنات… عايزهم يتعلموا.

دمعت عيناها، ورددت بصوتٍ مرتجف:

“رب هنا… ورب هناك… الواحد هو بس الرازق يا ضنايا…”

وقفت “هالة” تراقب المشهد، تبلع دموعها.
كانت تعرف أنه لن يعود، لكن قلبها ظل مزروعًا بين السنابل، ينتظر وعدًا لم يُكتب له الفجر.

ليلٌ ثقيل نزل على القرية، وصوت الأذان يتداخل مع أنين الريح.
وفي فجر اليوم التالي، مرّت “هالة” بالغيط، فوجدت فوق الأرض سنبلةً مقطوفة مربوطة بخيطٍ أحمر صغير، وورقة كتب عليها بخط محمد المرتجف:

“يا هالة،
لو مت في البحر، قولي لأمي
إن الغيط كان آخر وطن ليا.”

وفي المساء، كانت الأم تسقي التراب بدموعها، وتهمس للسنبلة:

“شمسى مش هتغيب… محمد فى حضن رب كريم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى