علاء العلاف يكتب كلّنا نعشق البحر،

كلّنا نعشق البحر، أتعرف لماذا؟ لأنّه يُغري بالمزيد من البوح، ويستدرج فينا صمت التأمّل، فهو مرآة الوجود الكبرى، تتقاطع فيها طبائع الأشياء وتنعكس عليها أحوال النفس، إنّ المزاولة تعني التجربة والتعبير هو الكيفيّة التي نصوغ بها تلك التجربة ولا كتابة دون صنعة، فالصنعة هي فنّ التعبير، بها يتجلّى الفكر في أصفى صورة، ويتحوّل الإحساس إلى معنى نابض بالحياة، الذاكرة بيتُ الطبيعة؛ فيها يتعانق البحر والجبل وتستقرّ عناصر الوجود في انسجامٍ خفيّ، أمّا الإنسان، فهو أصلُ التّضاد والتّشابه معًا، إن شاء، رأى العالمَ فسيفساءَ تناقضاتٍ: جفافَ صخرٍ وسيولةَ بحرٍ، وإن شاء، أبصره تزاوجَ مؤتلفاتٍ:
عناقَ البحر والجبل، تتجلّى مشيئةُ الإنسان في سعيه؛ فقد يسعى سعيًا انحداريًا، يمزّق فيه وشائج الطبيعة المتّحدة، فيمزّق بذلك سكينةَ نفسه، وقد يسعى سعيًا صعوديًا يرتقي فيه فوق الحواجز، فيدرك وحدة التنوع ويبلغ سعادة التوحّد كانت أيّامًا صعبة ومريرة حقًّا، لم أكن أتصوّر أن الغربة بهذا القدر من القسوة، حتى اختبرتها، فعرفت كم تُرهق النفس وتستنزف الروح، فالغربة ليست مجرّد ابتعادٍ عن الوطن، بل هي معركةٌ طويلة مع المجهول تجبرك على مواجهة نفسك والآخرين في آنٍ ، خارج بلدي، تعرّضتُ للسرقة، ثم لمحاولاتِ قتل، وجدت نفسي أمام خيارين لا ثالث لهما:
إمّا أن تُسلب وتتنازل عن كلّ ما تملك، وإمّا أن تدافع عن نفسك وتخاطر بحياتك كنت حذرًا في تلك اللحظات العصيبة خاصةً أن بعض المجرمين ينشطون ليلًا، في مواسم البرد، بعيدًا عن أعين الرقيب وسلطة الدولة،دافعتُ عن نفسي قدر المستطاع، وإلا لكنت اليوم في خبر كان، بعد تلك التجارب القاسية، عدتُ إلى بلدي مكرّمًا ومعزّزًا، أما عن تونس، فهي بلدٌ طيّب وشعبُها ودود ومسالم، غير أن بعض المنحرفين يستغلّون ظلمة الليل ليفتكوا بالناس بعيدًا عن الأنظار يراقبونك في صمتٍ ماكر، كأنهم ينتظرون سقوط الضوء ليكشفوا ظلامهم، الغربة امتحانٌ حقيقيّ للنفس قبل أن تكون تجربة للعقل
هي معركةٌ لا تهدأ، تُسلب فيها الطمأنينة ويُختبر فيها الصبر والمعنى، تغدو الروحُ فيها كبحّارٍ أرهقه التيه، لا يبحث عن شاطئٍ بقدر ما يطلب سلامًا.





