“قلب العنكبوت” لمعن العداسي.. رواية الدراما والسياسة

عمّان – متابعة أوبرا مصر
تأتي رواية «قلب العنكبوت» للكاتب معن عبد الرحمن العداسي كعملٍ دراميٍّ سياسيٍّ يجمع بين الواقعية والخيال، وفق ما يؤكده المؤلف في التنويه الذي يسبق فصول الرواية، حيث يصرّ على أنها من وحي الخيال، وأن أي تشابه في الأسماء أو الأماكن أو الأحداث هو من باب المصادفة.
ومع ذلك، يشعر القارئ، منذ الصفحات الأولى، أن الشخصيات والأحداث تنبض بواقعيةٍ قريبة من الحياة اليومية، وكأنها مستلهمة من المشهد الاجتماعي والسياسي المعاصر.
صدر الكتاب حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن، وجاء في 530 صفحة من القطع المتوسط.
اختار العداسي قالبًا دراميًا مقسمًا إلى مشاهد سينمائية، كأن الرواية معدّة لسكريبت عمل تلفزيوني، فكل مشهد مستقل في بنائه لكنه متصل بالحبكة الكلية.
يُمهِّد الكاتب لمشاهد روايته بمقدمة يشرح فيها اختياره المتعمَّد لـ”اللهجة” المصرية، واعتماده أسلوب اللقطة السينمائية، لأن العمل «حركيٌّ بالمقام الأول، ولا تنفصل الصورة فيه عن السرد الذي يعبر عن تنامي الأحداث».
يقول العداسي في المقدمة:
«الرواية تدور في عالم واقعي جدًا: عالم المال، والدوا، والسياسات، والعصابات، والانتهازية المقنَّعة بثوب النجاح والتحالفات، وما يجري خلف الكواليس».
ثم يقدم لنا ملامح بطله قائلًا:
«ليس ملاكًا ولا شيطانًا، بل صورة مركّبة لرجلٍ يعيش في زمنٍ مربك، بذكاء… وأحيانًا بقسوة».
تبدأ الرواية بمشهدها الأول في السودان (نهار داخلي) داخل قاعة اجتماعات بسيطة، حيث يرسم الكاتب عبقرية بطله في التفاوض، إذ ينجح في إتمام صفقة بملايين الدولارات بفضل مهاراته الشخصية، ليضع العداسي من البداية السمات الجوهرية لشخصية البطل ويكسبه تعاطف القارئ.
وفي المشهد الثاني عشر، يظهر سامي بصورة أكثر وضوحًا، بوصفه رجلًا طموحًا يفكر في مستقبله المهني والاجتماعي:
«المكتب أنيق ومنظَّم. على الرف صور ولاده ومراته، وتحف صغيرة من إفريقيا ولبنان… سامي قاعد على مكتبه، فاتح اللابتوب وبيراجع إيميلات… يغمغم لوحده: كالعادة… جدول اليوم زي الفل، والاجتماعات ولا كأني رئيس وزرا!»
يتبيّن هنا حلم سامي بأن يكون شخصية مهمة في دائرة الضوء، تجمع بين المال والمكانة، لا المال وحده.
تأتي نقطة التحوّل في حياة سامي حين يصطحبه صديقه عمر إلى اجتماعٍ يضم رئيس الوزراء نفسه.
يُبهر سامي الجميع بتعليقه الذكي حول العدالة الاجتماعية قائلاً:
«العدالة بتقول إن الدعم لازم يتوجه للفقرا… رخص سعر العيش بيشجع الأغنيا على الهدر، وده بيزود الخسائر، دي حقيقة مطلقة».
يُعجب رئيس الوزراء بحديثه، ويطلب تسجيل بياناته للتواصل معه لاحقًا.
ومن هنا يبدأ التحوّل الحقيقي في مسار سامي، حيث يدخل إلى عالم جديد تتشابك فيه السياسة بالبيزنس، وتتداخل المصالح مع المبادئ.
على مدار 150 مشهدًا، تتوالى الأحداث، كاشفةً شبكة معقدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية، تضع سامي في مواجهة ذاته ومحيطه، حتى يصل العمل إلى مشهده الأخير، الذي يقدّم فيه الكاتب قراءةً نفسية عميقة لشخصيته:
«تتشابك الخيوط بين السياسة، والبيزنس، والعصابات في لعبة سرّية تحكم مصائر الجميع… يقف سامي عبد الحميد، رجل أعمال بارع وبراغماتي، يرى العالم سلسلة صفقات… يحمل في داخله إرثًا من الغضب، إذ خسر والده كل شيء في عصر التأميم، فصار يؤمن أن قوانين العدالة الاجتماعية لا تحمي الناجحين بل تعاقبهم».
هكذا يرسم العداسي شخصية مركّبة تعيش صراعًا بين التفوق المهني والانحراف الأخلاقي؛ رجلًا يبرع في هندسة الصفقات المعقدة، لكنه لا يتورع عن استخدام أدواتٍ قانونية الشكل مشبوهة الجوهر.
«قلب العنكبوت» إذًا، شبكة معقدة من العلاقات المتشابكة- السياسية، الاقتصادية، الأخلاقية- التي يحاول معن العداسي اقتحامها وكشف منطقها الداخلي.
تبتعد الرواية عن التبسيط الأخلاقي، فلا تقدم أبطالًا أنقياء ولا أشرارًا مطلقين، بل شخصيات تعيش في المساحة الرمادية بين المبدأ والمنفعة، بين الضمير والنجاح.
في النهاية، يقدّم معن عبد الرحمن العداسي عملًا معاصرًا وجريئًا يفتح بابًا نادرًا في الرواية العربية الحديثة، إذ ينسج الصراع بين الرأسمالية السياسية وضمائر الأفراد داخل مؤسساتٍ ذات امتدادات دولية، في عملٍ يجمع بين الواقعية الحادة والتأمل الفلسفي في طبيعة الإنسان الحديث.





