أنا وبلاتيرو” لخوان رامون خيمينيز… تأريخ بديع ليوميات كائن “لعوب”

عمّان – متابعة أوبرا مصر
صدر حديثًا، عن “الآن ناشرون وموزعون”، في الأردن، رواية “أنا وبلاتيرو”، للكاتب الإسباني خوان رامون خيمينيز، الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1956، بترجمة من الكاتب والشاعر السوري محمد نزير الحمصي، في 257 صفحة من القطع المتوسط.
في تمهيده للترجمة، يلفت المترجم النظر إلى أن البطولة في كتاب «أنا وبلاتيرو» ليست لـ«بلاتيرو الحمار»، ولا لـ«خوان رامون الشاعر»، وإنّما هي لقرية موغير، “باعتبارها كائنًا حيًّا له شخصيته المتغيّرة في كلّ وقت وفي كلّ فصل وفي كلّ موقف، فالكائنات والأشياء في القرية كلّها حوادث تنبعث في نفس شاعر حزين يغمره الشوق والحنين، لذلك هو يرثي الطفل الأبله والكلب الأجرب والحصان الجامح، من خلال تأريخ يوميات حمار لعوب يُسخّره القاصّ بحنكة رائعة ليعرج على قصّة الغصن الجافّ والرماد المتناثر والريشة الساقطة”.
في حين جاءت مقدمة الرواية التي حملت توقيع مؤلفها على النحو الآتي: “في ذكرى المرأة المسكينة المجنونة «آغيديلا»، في شارع إلـسول، التي كانت ترسل إليّ التوت والقرنفل.
غالبًا ما يُعتقد أني كتبت «أنا وبلاتيرو» للأطفال، وأنه كتاب لهم.
لا، فالذي يعرف من خلال «القراءة» أنني أؤلف هذا الكتاب، يطلب مني أن أقدّم مجموعة من صفحاته الأكثر مثالية لـمكتبته الخاصة بالشباب، وبالتالي قمت بتغيير الفكرة اللحظية وكتبت هذه المقدمة.
بيان للكبار الذين يقرؤون هذا الكتاب للأطفال: لأن الفرح والحزن توأمان، كأذني بلاتيرو، فإن هذا الكتاب الموجز كُتب من أجل..، لا أعرف لمن! لمن نكتب نحن الشعراء الغنائيين؟.. يا للروعة! إنه الآن يتجه إلى الأطفال، دون أن أضيف عليه أو أحذف منه أي فاصلة. «يقول نوفاليس: أينما يوجد أطفال، هناك عصر ذهبي»، بسبب هذا العصر الذهبي الذي يشبه جزيرة روحانية تسقط من السماء، يسير قلب الشاعر فيشعر هناك بارتياح شديد، ويغدو عدم اضطراره لهجرها أفضل أمنياته على الإطلاق.
جزيرة النعمة والانتعاش والفرح، العصر الذهبي للأطفال، لطالما وجدتك في حياتي يا بحر الألم، لقد منحتْني نسمتك التي كانت أحيانًا بلا معنى، قيثارتها العالية، كصوت قبّرة في شمس الشروق البيضاء.
أنا لم أكتب مطلقًا أيّ شيء للأطفال ولن أكتب لهم، لأنني أعتقد أن الطفل يمكنه قراءة الكتب التي يقرؤها الكبير، مع بعض الاستثناءات التي تحدث للجميع، سيكون هناك استثناءات أيضًا للرجال والنساء، إلخ..”.
تناولت الرواية في مضمونها الحديث عن الرحلات، كان يقوم بها الراوي وهو يعتلي على الحمار الذي يمتلكه، وقد قام الكاتب باستخدام ذلك الكائن دون سواه داخل الرواية باعتباره الرفيق الذي كان يعتمد عليه في السابق للغالبية العظمى من الناس، حيث تناول الحديث عن الأحداث المرورية للمستقبل، ففي بعض الأحيان كان يستخدمه الراوي ومخاطبته بأسلوب النداء (يا)، وفي أحيان أخرى يشير إليه باستخدام الضمير (هو)، وكانت هذه التقنية التي استخدمها الكاتب من أجل التوجه بها للحديث مع الحمار، كما من أجل أن يقوم بنقل تجاربه في الحياة مع الحمار ويوصل بها إلى القارئ، وبهذا الشكل تبدو الأحداث وكأنها سلسة بسيطة وشيقة.
تناولت الرواية، في مضمونها، الحديث عن أحد الأشخاص الذي يقوم برواية القصة، بينما كان يقوم بإحدى الرحلات في إحدى القرى التي هي مسقط رأسه وهو يركب حماراً، حيث أنه في ذلك الوقت كان يتمعن في إبداع وجمال الطبيعة من حوله وينظر إلى الأشجار والحيوانات، كما كان يفكر في كيفية تعاقب فصول السنة، كما كان هو وحماره يراقبان الأشخاص المارين من حولهم، بالإضافة إلى كل شيء كان يسير من حولهم أثناء رحلتهم.
«خوان رامون خيمينيز» كان كرَّس نفسه تمامًا للعيش وفقًا لمبادئ أخلاقية وجمالية صارمة، وبرز باعتباره واحدًا من أفضل شعراء الحداثة الطليعية وما بعد الحداثة في العالم الغربي، وترك شعرًا يتسم بالكثير من الروحانية والراحة لعالم تحيط به الماديات من كل جانب. ولد في 23 كانون الأول عام 1881 في «موغير» وهي بلدة صغيرة في مقاطعة ويلبا الأندلسية، في سن الخامسة عشرة بدأ كتابة القصائد، وتخلى عن دراسة القانون من أجل التفرغ للكتابة، فالتقى مع الكتّاب الأكثر تأثيرا في عصره مثل «روبين داريو»، «فالي-إنكلان»، «أونامونو»، «مانويل وأنتونيو ماتشادو»، «خوسيه أورتيغا وغاسيت»، «بيو باروخا»، «آثورين».. وغيرهم من أتباع مذهب «الكراوسيسمو» الذي لاقى رواجًا بين مثقفي ذلك الوقت، وهو مذهب يتعارض مع «الدوغاتيسمو». في السنوات الست التي قضاها في «موغير» بين عاميّ 1905 و1911، ألّف العديد من الكتب والنصوص الأدبية، وربما يكون كتاب «أنا وبلاتيرو» هو النص الذي حصل على شهرة فورية، إذ سرعان ما تُرجم إلى ثلاثين لغة. هذا الكتاب تضمن وصفًا للأشياء الجميلة التي تتميز بها بيئة «موغير»، كذلك وصف الظلم والفقر وجهل الناس الذي تغير نوعًا ما بفضل كتاباته في لحظات مثالية.
المترجم محمد نزير الحمصي: ولد في دمشق عام 1958. درس الفنون الجميلة في الكلية الرسميّة للفنون الجميلة في مدريد وتخرج منها عام 1982، وعمل في بعض القنوات التلفزيونيّة العربيّة والأجنبيّة. يعمل حاليّاً في مجال التأليف والترجمة من اللغة الإسبّانية وإليها وفي كتابة الشعر. لديه العديد من الأعمال الشعريّة والمؤلّفات الخاصّة به، وكذلك تراجم إلى اللغة الإسبانيّة لعدد كبير من مؤلّفات الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، إضافة إلى الترجمات الشعريّة والأدبيّة لكتّاب إسبان وكتّاب من الدول الناطقة بالإسبانيّة.



