أخبار عاجلةأراء حرةالرئيسية

بين الممرات البيضاء والرمزية الوجودية “مَمَرَّاتٌ بَيْضَاءُ لغَزَالَةٍ وَحِيدَةٍ” للكاتب كرم الصباغ

بقلم / حسن غريب أحمد

استكشاف الأبعاد الوجودية :
تُعدُّ المجموعة القصصية “مَمَرَّاتٌ بَيْضَاءُ لغَزَالَةٍ وَحِيدَةٍ” للقاص المصري كرم الصباغ من الأعمال الأدبية التي تتجاوز حدود السرد التقليدي، لتغوص في أعماق النفس البشرية، مستكشفةً أبعادها الوجودية والرمزية. تتميز هذه المجموعة بأسلوبها الشعري المكثف، وبنيتها الهندسية المحكمة، ورمزيتها العميقة التي تفتح أمام القارئ آفاقًا واسعة للتأويل.
البنية الرمزية والعنوان:
يُعدُّ العنوان “مَمَرَّاتٌ بَيْضَاءُ لغَزَالَةٍ وَحِيدَةٍ” مدخلًا دلاليًا غنيًا، حيث يتألف من جزئين: الأول “ممرات بيضاء” الذي يوحي بالضياع والبحث عن الذات، والثاني “غزالة وحيدة” الذي يرمز إلى الكائن الهش والضعيف في مواجهة قسوة الحياة. كما يشير الناقد د. أحمد صالح هاشم في دراسته النقدية إلى أن “الممر ليس طريقًا صريحًا، وإنما مسار ضيق محفوف بالاحتمالات، إنه مجاز عن مصائر البشر، وخياراتهم المنكفئة” .
اللغة والأسلوب السردي:
تتميز لغة الصباغ بالثراء الشعري، حيث يستخدم الاستعارات والتشابيه لخلق صور بصرية تنبض بالحياة. تتسم جملته بالانسيابية والقدرة على نقل الأحاسيس والمشاعر الداخلية للشخصيات. يقول الناقد د. أحمد صالح هاشم: “اللغة في ‘مَمَرَّاتٌ بَيْضَاءُ لغَزَالَةٍ وَحِيدَةٍ’ تفجّر قواعد القص، وتكسر أفق التلقي، وتكتب من أفق اللامتٍّم” .
الرمزية والخيال:
تتسم المجموعة بالرمزية العالية، حيث تتحول العناصر اليومية إلى رموز دالة على معانٍ أعمق. تستخدم الغزالة كرمز للبراءة والضعف، والممرات البيضاء كرمز للضياع والبحث عن الذات. كما أن استخدام الخيال في تصوير الشخصيات والأحداث يضيف بعدًا صوفيًا للنصوص، مما يجعلها تنفتح على تأويلات متعددة.
البنية الهندسية والتكرار:
تتميز المجموعة ببنية هندسية محكمة، حيث تتكون من خمس مجموعات، كل مجموعة تحتوي على خمس قصص، مما يخلق توازنًا عدديًا يضفي على العمل طابعًا موسيقيًا متناغمًا. يشير الناقد د. أحمد صالح هاشم إلى أن “المجموعة تبنى على تصميم يشبه المعادلة الهندسية لا الفوضى الإبداعية” .

الاغتراب والوجودية:

تتناول المجموعة موضوعات الاغتراب والوجودية، حيث تعيش الشخصيات في حالة من العزلة النفسية والجسدية، وتبحث عن معنى لوجودها في عالم مليء بالضبابية والقلق. يقول الناقد د. أحمد صالح هاشم: “الاغتراب في هذه المجموعة ميتافيزيقي أكثر منه اجتماعي، إنه اغتراب الكائن عن موطنه الأصلي” .

قبل النهاية أقول:
تُعدُّ “مَمَرَّاتٌ بَيْضَاءُ لغَزَالَةٍ وَحِيدَةٍ” إضافة نوعية للمكتبة القصصية العربية، حيث تقدم تجربة سردية فريدة تجمع بين الشعر والنثر، وبين الواقع والرمز. إنها دعوة للتأمل في أعماق النفس البشرية، وفي معاني الوجود والاغتراب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى