أخبار عاجلةأراء حرةالرئيسية

مجمد رضوان يكتب وهم القوة… حين يظن الإنسان أنه أكبر مما يحتمل

 

في زمن يمشي بسرعة أكبر من طاقة البشر، ظهر نوع جديد من القوة… قوة ظاهرية، صاخبة، يلبسها الناس كأنها درع يحميهم من الضعف، بينما هي في الحقيقة عبء لا يرحم. كثير من الأشخاص اليوم يعيشون داخل وهم كبير اسمه “القوة”: أن يظهروا بلا خوف، بلا انكسار، بلا حاجة لأحد، وكأن التماسك الكامل شرط للاحترام. ومع الوقت صار الناس يركضون خلف هذه الصورة حتى فقدوا أنفسهم في الطريق.

الحقيقة التي نخجل كثيرًا من الاعتراف بها هي أن معظم ما نعتبره قوة ليس إلا هروبًا. الهروب من مواجهة الحقيقة، من مواجهة احتياج الإنسان الطبيعي للدعم، من الاعتراف بأن الروح تضعف وأن القلب يتعب وأن العقل ينهار أحيانًا. هذه اللحظات لا تنتقص من الإنسان، بل تؤكد أنه إنسان. لكن المجتمع الذي يمجّد الشكل الخارجي دفع كثيرين إلى إخفاء آلامهم خلف ابتسامات مصطنعة، وإقناع أنفسهم أنهم أقوى مما يشعرون به.

وهم القوة يجعل صاحبه يعيش في صراع دائم: يريد أن ينهار لكنه يخاف أن يُرى، يريد أن يطلب المساعدة لكنه يرفض، يريد أن يتكلم لكنه يكتم كل شيء بحجة أنه “لازم يكون قوي”. ومع الوقت، يتحول هذا الصراع إلى ضغط ينهش الداخل بصمت. الإنسان لا يسقط بسبب مشكلة واحدة، بل بسبب تراكم مشاعر لم يُسمح لها بالخروج. التماسك المبالغ فيه يصبح عبئًا، ثم قيدًا، ثم عبوة موقوتة تنفجر في اللحظة الخاطئة.

نصيحتي لك… لا تجعل القوة قناعًا يخنقك. القوة ليست في أنك لا تقع، وإنما في أنك تقف بعد الوقوع. ليست في أنك لا تتألم، بل في أنك تفهم ألمك ولا تهرب منه. القوة الحقيقية أن تعترف لنفسك قبل الآخرين أنك تحتاج راحة، تحتاج دعم، تحتاج حضنًا يخفّف، أو صديقًا يسمع، أو حتى لحظة صمت مع نفسك. أن تكون صادقًا مع الداخل أهم بكثير من أن تبدو قويًا أمام الخارج.

الوهم يخلق صورة، لكن الحقيقة تبني إنسانًا. والإنسان الذي يعرف حدوده ويعترف بمشاعره، أقوى ألف مرة من شخص يبالغ في التماسك حتى يتكسر من الداخل. تذكّر دائمًا أن الضعف ليس وصمة، بل إنذار يخبرك أنك تحتاج إلى نفسك أكثر من أي وقت مضى. وأن الذين يختارون الصدق مع ذواتهم، يعيشون حياة أهدأ، أعمق، وأقرب لما يستحقونه.

في النهاية… لا تبحث عن القوة التي تُرهقك، بل عن القوة التي تُعيدك. لا تحتاج أن تكون جبلًا… يكفي أن تكون إنسانًا يعرف كيف يقف دون أن يخدع نفسه. فالقوة التي لا تُشبهك ليست قوة… إنها مجرد وهم جميل المظهر، ثقيل الثمن.

لو عايز أكتب المقال الثاني من السلسلة دلوقتي، اختار لي عنوانه… أو أقدّم لك اقتراحات جاهزة مبنية على نفس الروح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى