أخبار عاجلةأراء حرةالرئيسية

*لمحات تأملية في قراءة رواية حُشَيْفَة للكاتب حامد أحمد الشريف**

مرفت حسين

لمحات تأملية في قراءة رواية حُشَيْفَة للكاتب حامد أحمد الشريف

أطل علينا الكاتب السعودي حامد أحمد الشريف بعمل عميق الغاية يحمل اسم في طياته الكثير من معانى الذل و الهوان و ما كان يعانيه بطل روايته في حياته ، فكان( حُشيفة ) هو المعنى الأقرب للصورة التي يقصدها .
فهي رحلة نفس أرادت لروحها الخلاص من براثن المجتمع و رسم خارطة حياة جديدة تشكل وعيها من خلال خبراتها الخاصة دون توجيهات و قيود مَن أحاطتها بحنانها القاتل.
استهل الكاتب حديثه بوصف شدة فرح بطل روايته “حُشيفة” و تمكنه من كسر أول قيد له حيث سافر بمفرده للمرة الأولى، و هنا ثمة حقيقة تمتزج بالخيال حين قال: (انتقلت إلى دولة أخرى شقيقة تجاورني، أقصد تجاور موطني الأم) فهنا قد تختلط الأوراق و المشاعر أيضا لإمتزاجه بالوطن و كأنه هو في قوله تجاورني .

من خلال قراءتي لسبر المشاهد المتواترة التي رتبها الكاتب البارع بتصاعد الأحداث استخدامه لتشبيهات قوية من النزاعات الواقعة بالمنطقة العربية الملتهبة، و للمرة الثانية أضع يدي على امتزاج يتقنه حامد أحمد الشريف يفسر من خلاله عيوب الشخصية العربية بصفة عامة و إحجامها عن أصل القضية، و يتضح ذلك في وصف ردود أفعال البطل بكلمة( آنية ) أي تزول بانقضاء الحدث ،
كما ينتقل لأحد العيوب الخطيرة في واقعنا العربي و هو انعدام التخطيط المسبق لأي عمل يتوجب القيام به ،
ثم يتبع بعيب آخر نعاني منه جميعا في مشهد الحلاق و هو المحسوبية و الخوف من بطش صاحب النفوذ الأكثر سيطا، حقيقة ندركها و نتجنبها حرصا على السلامة المزعومة.
ثم ينفذ سهم الكاتب باستخدام بعض الألفاظ القبيحة مثل (الأوباش-الرعاع- القاذورات) في مشهد المطعم و هو ينتظر وجبة طعامه ليصف بها أحوال بعض الشعوب التي هيأتهم حكوماتهم على المهانة ، ما أفصح عن عيب آخر تابع لما سبق.
و بعيدا عن أن الرواية رمزية فكل رمز ما هو إلا حقيقة أو العكس صحيح.

رأيت في إشارة الكاتب لقناعات الأم
و حِكمها المُلازمة لبطل الرواية على الدوام من خلال الحوار الدائر برأسه
و كأنها قيود من حديد توغله في أرضها كي لا يمكنه الحراك دون الرجوع إليها و كأنها نهر من الغثيان يتقيأ عليه أينما حل .

-الرواية عبارة عن مشاهد متتابعة و كأنني أشاهد عمل درامي لم أمل منه على الإطلاق بل على العكس أحببت الفكرة.
كما راق لي انقطاع المشهد مذيل بجملة تشويقية و الرجوع إليه مرة أخرى بعد الانتقال لمشهد في كادر سابق ،
و تفقد لي أن الكاتب أراد للقارئ تنشيط ذهنه و كأنه يقول هيا يا رفيق تعلم كيف تُعمل عقلك لا تتلقى و فقط
و هنا يكمن ذكاء كاتب أراد لقارئه الخلاص.
هكذا يتضح لنا أن الرواية تحمل في طياتها الكثير من القناعات الفلسفية التي يسوقها لنا الكاتب من خلال عمل متكامل البنية.
هناك الكثير من الدلالات التي ترجمها الكاتب في بعض الشخصيات مثل الأم و هي ترمز للأرض و في باطنها تكمن الحكاية ،
أما عودة و هو اسم رفيق حُشيفة بالرحلة، و هنا للاسم دلالة يقصد به أن سيكون هناك عودة و لكن بعد أن أتحرر مسبقا .
كما نجد في تكرار عبارة (الزجاج المتسخ ) سواء عند الحلاق أو المطعم تلميح بأنه علينا إدراك عيوبنا لتلاشيها فيما بعد لرؤية أوضح .

-ننتقل لنقطة أخرى أكثر أهمية اختلاف الأديان و الطوائف ماهي إلا قناعات ترسخت بداخلنا جميعا،
و هنا يفجر الكاتب الحقيقة بأنه للنجاة علينا التكاتف دون النظر لهذا الاختلاف فللإنسانية علينا حق.

يتضح في موت الأم قبل عودته بأيام قليلة تصريح بأنه عند وصولك لحقيقتك كل ما تخشاه سينتهي فأنت الآن بمقتبل حياة جديدة تملك خيوطها وحدك.
-عدد صفحات الرواية ٣٧٤ صفحة مدججة بالنفائس سأنثر عليكم القليل منها فيما يلي :
¤ (إن الخروج من الوحل يستلزم أن ينالك شئ من الطين تزيله لاحقا)

¤(لأول مرة ينتابني إحساس قوي بأن الحياة التي كرهتها معها و بتُ أحبها هنا، لها أبواب، إن أغلقنها سئمنا أجواءنا الخانقة ، و إن فتحناها بقدر ، شعرنا بجمالها و أحببناها !)

¤(الأشياء الثمينة لا تُفسدها أغلفتها السيئة ، بل تؤجل اكتشافنا لها فقط..)

¤(إن البشر على أحوال شتى ، بعضهم يُنكه حياتك، يصبغها بمزيج من الألوان الرائعة ، لكنه لا يدفعك إلى الأمام ،بل يعيدك كثيرا للوراء )

و أخيرا قدم الكاتب الأريب لنا عدة مفاتيح إن أجدت قراءتها من خلال حروفه لوصلت إلى حل اللغز و من ثم فك قيودك للتتحرر مما أُُلحقت به في غمار حياتك العابثة.
عمل جيد يستحق القراءة

#مرڤت_حسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى