دراسات ومقالات

وليد محمد حسني يكتب رحلة مع أحزان النبي

الحلقة (٦)

واحد من أكثر الابتلاءات إيلاماً والتي يتعرض لها الإنسان يوميا هو أنه يعيش في بيئة فاسدة سواء أكانت بيت أو عمل أو حتى مجتمع .
والخيارات للأسف ليست كثيرة
ما بين العزلة الكاملة والهروب من هذا الإختلاط المزعج وهذا لا يتوفر للكثير. وما بين الانتماء لهم وأن تصبح مثلهم بل تستخدم ذكاءك حتى تستفيد أكثر من فسادهم فتمتلك كل المتاع ويصبح ضميرك نائما تحت مسمى العقل الجمعي (والناس كلها بتعمل كدة ) وما بين إعلان المواجهة والسعي نحو الإصلاح فتخرج حاملا سيفك مقاتلاً كل ما يواجهك من فساد ولكن هذا الحل لم ينتصر يوماً لأن الكثرة تغلب الشجاعة وأنت لم تصل لمرحلة النضج أو القوة الكافية لتفعل هذا .
إذن ما الحل……. هل سأظل اتعذب بهذه الصراعات النفسية اليومية؟
هيا يا صديقي كي أخبرك ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن قبل أن أخبرك دعني احكي لك تلك الحكاية حتى تعرف حجم الفساد الذي كان يعيش فيه ليس فقط فساد في العقيدة و السياسية وقد وضحنا هذا في الحلقة السابقة ونحن نتحدث عن صدمته صلى الله عليه وسلم عندما اكتشف هشاشة هذا المجتمع إنما هنا نتحدث عن فساد مالي
( أثناء التحضير لإعادة بناء وإعمار الكعبة قررت قريش أن إعادة البناء لابد أن يكون من مال طيب حلال لا يدخل في هذا المال أي مال حرام مثل أجرة بغي أو ربا أو مظلمة أحد من الناس )
شروط سهلة بسيطة …. أكيد طبعا سيكفي المال ويفيض ولكن تخيل يا صديقي لم يحدث هذا…… إن المال الحلال الذي جمعوه لم يكف لاستكمال بناء الكعبة ….. لهذه الدرجة كان أغلب المال من الحرام .
تخيل حجم الفساد الذي كان يعاني منه هذا المجتمع
ونعود إليه صلى الله عليه وسلم هل أصبح واحدا منهم لا لقد اختار أن يقوم بعمل الصواب دون الالتفات لأي أحد أراد أن يكون صالحا إنما مصلح فمازال الوقت مبكراً لابد من توافر شروط ستأتي مع الزمان .
وفي بيئة تمتلئ بالفساد الأخلاقي تميز هو بأخلاقه الرفيعة في الوقت الذي كان الجميع فيه يكذب كان هو يقول الصدق
هم يكذبون في تجارتهم ليربحوا أكثر هو يقول الصدق ويربح أقل ولكن يكسب احترام ذاته وثقة الآخر
والصدق حليف الأمانة كان هو المؤتمن كان الخزانة بالنسبة لهم الذين يضعون امانتهم عنده وهم نائمون مطمئنون
لقد نجح في فرض اخلاقه العليا وأصبح بأخلاقه علامة مميزة ومع الوقت أصبح لقبه ( الصادق الأمين)
ليضرب لنا مثلا أن الحق يعلو ولا يعلى عليه
وأن صاحب الخلق الطيب يفوز في النهاية باحترام الجميع وإن كان يخالفهم .

قد لا يحبونك وقد لا يعلنون احترامهم لك جهرا ولكن بينهم وبين أنفسهم يحترمونك وعند التعامل يفضلونك أنت وهذا ما حدث عندما اختارته السيدة خديجة رضي الله عنها ليدير لها تجارتها. لانهم يعلمون بمنتهى البساطة أنك لن تخون. … لن تسرق. ….. لن تغش. … ستحافظ على ممتلاكاتهم.
وحتى عند اختلافهم الشديد معه لدرجة وصلت أنهم أرادوا طرده وقتله بعد الوحي والرسالة كانوا أيضا مستمرين في وضع اماناتهم عنده صلى الله عليه .
وعندما حدث خلاف بينهم بعد اتمام بناء الكعبة فيمن يضع بيديه الحجر الأسود في مكانه واقترحوا أن يحكموا بينهم أول رجل يخرج عليهم من الباب
فإذا به النبي صلى الله عليه وسلم
استبشروا وتهللت اساريرهم وقالوا كلمة واحدة
( أتاكم الأمين)

وليد محمد حسنى

 أوبرا مصر  – دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى