صدور الطبعة الثانية من رواية “القط الذي علمني الطيران” لهاشم غرايبة
عمّان
صدرت الطبعة الثانية من رواية “القط الذي علمني الطيران” للكاتب والروائي هاشم غرايبة، عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان 2023، لتكون إضافة نوعية وجديدة لأدب السجون في الأردن والعالم.
الرواية التي كتبها غرايبة في الفترة (1977 -1978) تستمدّ مادتها من التجربة الشخصية للكاتب في سجن فرعي صغير (سجن اربد- دار السرايا اليوم)، مع مساجين قساة لكنهم صادقون.. كما يقول غرايبة: “هنا الناس مكشوفو السريرة، أرواحهم مشرعة الأبواب، مخلّعة النوافذ.. لكنهم أبناء الحياة”.
الرواية التي ترصد دفق الحياة القوي الذي ينبض في أعتم زوايا السجن، وتمثل مراجعة شجية للذاكرة وهي تتمدد عبر الزمان والمكان، وإضاءة لقنديل الحزن الشفاف في روح السجين.. شكلت مادتها الأساسية من التجربة الشخصية، ورغم أنها تأخذ ملامح السيرة الذاتية.. لكنها في النهاية عمل إبداعي يعتمد التخييل في بنائه، وهي رواية مكتملة الأركان والبناءات الفنية الجميلة والواعية.
وفي حكاية العمل يدخل الفتى «عماد» إلى السجن ليجد سنده في صداقة لص اسمه «القط»، وهو رجل حر، حالم، وشفاف، لكنه متدثر بالسخرية يتقي بها شرور الواقع.. شخصية القط المركبة والتي يبدو وكأنه اختار قدره كلص، ورضي بأن يكون دون من حوله، ولأنه يبخل بإظهار مكنونه النبيل، وثقافته الخاصة، فلا يفيض عشقه العميق للحياة، وتوقه الأصيل للحرية إلا حين يضطره الموقف لذلك. ومن هذه الصداقة بين (اللص صاحب الخبرة بالحياة) و(السجين السياسي الغض) تضاء شخصيات السجن من حولهما، وتتشعب الرواية لنتعرف على عالم مختلف عما ألفنا، وشديد الالتصاق بما نعرف في الوقت ذاته، لتشكل رواية “القط الذي علمني الطيران” بحثا عميقا ورسالة مهمة من جيل الهزائم الكبرى والمعارف الشاقة، إلى جيل سيولة الاتصال وسهولة التواصل، جيل الانتصار وقبول تحديات العصر.. فكل جيل يخوض تحدياته وفق إمكانياته ضمن شرطي الزمان والمكان..
ويرى الناقد الدكتور غسان عبد الخالق أن غرايبة نجح في رهان الرواية الجديدة وقدم لنا رواية منغمسة في الواقع زمانا ومكانا وشخوصا وأحداثا، لكنها حلقت عاليا فوق جراحه واستطاع تجاوز الغضب والألم، إذ أراد غرايبة مزيجا من الرواية المبتكرة والسيرة الذاتية والخيال والواقع. لافتا إلى أن شخصيات الرواية عبارة عن نماذج بشرية حقيقية لها نزواتها ولحظات ضعفها ومواقيت تتوهج فيه ثم تخبو، فتوقف السجن عن أن يكون مكانا هندسيا وأصبح حالة شعرية مكانية، حيث عمل غرايبة على بناء الصورة الروائية عبر رصف مئات التفاصيل الواقعية والحقيقية أملا في إيصال المغزى الوجودي البحت.
في حين يؤكد د.جمال مقابلة أن القارئ في رواية “القّط الذي عّلمني الطيران” لهاشم غرايبة، يقف على ثلاثة مستويات من السرد انطلاقًا من صاحب الصوت المتّكلم، فنحن أولا أمام “راوية عليم” لا نعرف له اسمًا أو تعّينًا ونكاد لا نجد له في الرواية تمّثلا لأّي شخصّية من الشخصّيات. وصوت هاشم غرايبة الذي ينطلق من قوله:”أنا الراوي هاشم غرايبة، كنت أقّلب أوراق ُكّناش ُمصفّرة كتبتها قبل ثلاثة وثلاثين عامًا. وهو زمن كتابة الرواية. التي تجري أحداثها بين العامين 1977 و1978، فطارت من بينها زهرة ياسمين مثل فراشة بلون التبن لتحّط على كّفي، وتصل روحي بخيط من شذى الياسمين مع زهو الشباب، وزمن الإلهام، ودفء الحلم، وقدسّية الكرامة الشخصّية.. في حين يتجلى الصوت الثالث بصوت البطل “عماد الحوراني” الذي يمّر بتجربة السجن وتدور كّل أحداث الرواية عليه. وليس من الصعب على القارئ أن يلحظ التداخل بين هذه الأصوات.
ويذكر أن هاشم غرايبة أديب أردني مواليد قرية حوارة شمال الأردن، نال جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصة القصيرة من رابطة الكتّاب الأردنيين سنة 1987 عن مجموعته «هموم صغيرة»، ومُنح درع الرواد العرب (من جامعة الدول العربية بالقاهرة) عن مجمل أعماله الأدبية سنة 2000. كما نال جائزة محمدّ نزّال العرموطي للإبداع والدراسات العمّانية (حقل الرواية) التي أطلقها آل العرموطي برعاية بيت الشعر الأردني سنة 2008 عن روايته «الشهبندر». وفاز بمنحة ضمن مشروع التفرغ الإبداعي الثقافي الذي تشرف عليه وزارة الثقافة سنة 2007.