ساحة الإبداع

“الغرفة 330” قصة : مروه طلبة

“الغرفة 330” قصة : مروه طلبة

دخلت الممرضة على مريض الغرفة 330، لم يكن سوى جسدٍ نحيلٍ بشرته تزداد اسودادًا كل يوم عن اليوم الذي قبله، الأطباء يُصرُّون على أن حالته تتدهور أسرع فأسرع، الممرضات في قسم الكبد اعتدن وجود الحالات الحرجة الصعبة بيد أن حالة هذا الرجل كانت تجعل حلوقهن تختنق بالدموع، لم تكن آلام البزل وحقن المريء والقسطرة ما يوجعه فقط، كان لديه عذاب داخلي لا يحس به إلا هو. 

تزوج وهو شاب وأنجب ثلاثة أبناء مر على زواجه أربعون عامًا، وبعد كفاح كل هذه السنوات التي لم يبخل فيها بماله وصحته على أسرته كان يعتبر نفسه مصباح علاء الدين الذي يحقق لهم أمنياتهم كان تحقيق أمنياتهم هو سعادته الحقيقية لكن ها هو الآن يجد نفسه ملقيًا وجسدًا باليًا على أحد أسرة المستشفيات العامة يثير شفقة القاصي والداني، ويأتي أبناؤه كل فترة في زيارات سريعة كالأغراب.

كان يرى في أعينهم رغباتهم في أن يرحل لكي يحصلوا على أمواله بالميراث، تأكد أنه في نظرهم يساوي أقل من تلك الجنيهات المنتظرة من الميراث. 

وتمضي الأيام ثقيلةً وها هو على فراش الموت يبكي حزينًا كسيرًا ضعيفًا، يتكلم في خفوت أصبح جلدًا على عظم، شبحًا يائسًا، ظهرت زوجته أخيرًا حتى تثبت حقها في نصيبها من المال الذي سيخلفه وراءه. 

الآن يؤنب نفسه بعنف كيف ظل يتنازل إلى تلك المرأة الجاحدة حتى سيطرت عليه، والآن لم ترحمه بل تجلس في كامل زينتها متجملة واضعة مكياجًا صارخًا وكأن ساعة وفاته ساعة عيدها. 

نظر فيمن حوله علَّه يجد قليلًا من الشفقة أو لمسة حنان لا أحد يكترث لوجوده، تحول لينام على شقه الأيمن، لحظات ندم لن تنفع لم يعد يجدي الندم انتهت الحياة، ضاعت بلا جدوى، قدم كفاحه وصحته لمن لا يستحق.

أغمض عينيه في استسلام تام، قرر ألا يقاوم سكرات الموت إلى أن رحل في سكون وسط سعادة وفرح من هم حول سريره فرحين بالميراث الذي سيحصلون عليه.

المال أغلى عندهم من أبيهم، هو سيواري جسده التراب أما هم فلهم موعد مع الثروة والحظ. 

انتهت مراسم الدفن والعزاء، واجتمعوا ليحصلوا على الغنيمة، وكانت المفاجأة المُفجعة فلم يترك أبوهم مالًا، لقد كان ينفق عليهم كل ما يحصل عليه من مال لينال رضاهم، لطموا على وجوههم وأخذوا يصيحون كالمجانين، لقد خسروا ثواب رضاه وخدمته، بل عذبوه وباعوه من أجل السراب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى