دراسات ومقالات

أشرف البولاقي يكتب: عن اللغة العربية والقرآن الحلقة الأولي

 

عن_اللغة_العربية_والقرآن (١(

بادئ ذي بدء: يمكنني الزعم- آمِلا ألا يكون مطية كذبٍ هنا- أن أي حديث عن أزمات اللغة العربية ومآزقها الراهنة والمعاصرة، بعيدًا عن أزمتها الكبرى المتمثلة في ارتباطها بالمقدس، هو حديثٌ غير ناجز وغير فاعل، وربما يكون غير دقيق أيضًا، وما الأحاديث عن مناهج التربية والتعليم، وعن دور المؤسسات التثقيفية والإعلامية، وحتى عن دعاوى التجديد فيها، إلا أحاديث تعبّر– مِن وجهة نظري الخاصة والمتواضعة– عن العرَض لا عن الجوهر. ويمكن لشخصي المتواضع أن يعتبر كل كلام عن قدسية اللغة العربية، وعن أنها لغة آدمَ عليه السلام، أو أنها لغة أهلِ الجنة، وما إلى ذلك من اجتهادات، هو مِن قبيل المزايدات والمبالغات التي لا تفيد العربية، بقدر ما تعبّر عن أزمة المنتمين إليها لسانًا وبيانًا؛ فاللغة العربية واحدة من لغات الأرض التي عرَفتها البشرية، شأنها في ذلك شأن سائر اللغات، يجري عليها ما يجري على غيرها مما تكلّم– أو يتكلم– به أهل الأرض. لكن ميزتها الوحيدة والفريدة أنها اختيار الله عز وجل لتكون لسان كتابِه الأخير للإنسانية، وهو الاختيار الذي يؤكد أنها بلغت حين نزول القرآن أوج تقدمها وتطورها واستيعابها لحركة الصوت واللسان معًا. وكان المنتظَر والأمر كذلك أن تستمر في تقدمها وتطورها على ألسنة أبنائها، وبفضل جهودهم ودراساتهم، وهو ما لم يحدث للأسف الشديد! ومرةً ثانية أؤكد أن أكبر أزماتها في زماننا الحديث والمعاصر هو خطأ هؤلاء وأولئك الذين أصرّوا على ارتباطها بالدين وبالمقدس، حتى تحولت إلى ما يشبِه الكهنوت، وبلغت المأساة ذروتَها عند مَن يتصورون أنهم حراسها وحُماتها، حين يرفضون النظر إليها على أنها كائن حيّ يتعرض لكل ما تتعرض له الكائنات الحية الأخرى، فوقَفوا ضد اعتبارها لغةً كسائر اللغات، لتظل أسيرةَ الماضي، مكبّلةً بمعارفه ومكتسباته، وصار كل مَن يتحدث العربية الفصحى في ذهن السامع أو المتلقي رَجل دين. واستطاع الإعلام العربي أن يؤكد تلك النظرة السطحية من خلال التكريس لشخصية المتحدث بالعربية واختزاله دومًا في صورة “الشيخ”، أو “المعلم”، باعثِ الضحك أو الشفقة، وبخاصة في الدراما التليفزيونية. وأصبح كل متحدث مِن غير الشيوخ أو المعلمين غريبًا في مجتمع يتحدث كله باللهجة العامية. ولم يعد غريبًا ولا مدهشًا أن تجد معلّمي العربية مِن أساتذة الجامعات في كلياتها المتخصصة يتحدثون العامية! فإنْ حاولوا الفصحى استعصت وأبَت عليهم؛ لأن لسانهم لم يعتدها في أحاديثهم وممارساتهم المعيشية الطبيعية. وستظل العربية غريبة بين أبنائها، وسيظل عشاقها والمتحدثون بها مدهِشين للآخَر ما دام هناك إصرار على تهميشها واختزالها فقط في أنها لغة الكتاب المقدسة، وسيظل الألم في نفوس محبيها يتجرعونه كلما تحدّثوا بها وسط ابتسامات تكشف عن أزماتٍ ومآسٍ لا خلاص منها إلا بإعادة الاعتبار لواحدة مِن أهم اللغات الحية في العالم حتى الآن على الأقل.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى