دراسات ومقالات

أوبرا مصر تنشر الحلقة الخامس عن اللغة والقرآن

عن اللغة العربية والقرآن

مضطرٌ أن أقطع استرسالي فيما كنتُ فيه؛ لأقول إنه ليس أحدٌ أخطرَ على العربية مِن عشاقها ومحبيها العميان، وليس أحدٌ أعرَفُ بقيمتها وخطرِها مِن عشاقها ومحبيها المبصِرون، هؤلاء الذين يفرّقون بين حفظ الله للذِّكْر، وحفظِه للعربية التي لم يتعهد بحفظها على الإطلاق، تاركًا أمرها لأهلها يتعهدونها بالعلم والبحث، بشرط أن يتعاملوا معها على أنها كائنٌ حي يتفاعل ويتأثر بكل ما حوله.

وعلى كثرة ما قرأت، وما سمعت، خلال مولد الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، لم أقرأ ولم أسمع أجملَ ولا أصدقَ من كلام الصديق الأستاذ محمود الرخم، المشرف أو الأدمِن على صفحة “نحو وصرف” على الفيس بوك، رغم أن الرجل يقضي حياته كلها فيما يبدو في محراب العربية باحثًا ومنقبًا عن قواعدها وجمالياتها، وكان مقدرًا له وهو على ما هو عليه، أن يكون درويشًا أو بهلولاً يسبّح بحمد اللغةِ، ويهتف لخلودها، متخذًا من أنها لغة القرآن تعِلّةً وذريعةً لوهم الدراويش والبهاليل وخيالاتِهم! لكنه لم يفعل، وآثرَ أن يكتب قبل منتصف ليل 26/12/2021 قائلاً:

“بلا استعداد ولا تجهيز أكتب هذه السطور، عن خوفي على اللغة العربية وعلى مستقبَلها، ناهيكم بخوفي عليها في حاضرها.

البولاقي نخدع أنفسنا

إننا -محبي اللغة العربية- نخدع أنفسنا كثيرًا حين نقول إنها لغة سهلة، أو إن تَعلُّمها وإتقانها سهل، ونحن نعلم يقينًا مخبوءًا أنها ليست كذلك.

نخدع أنفسنا بأنها محفوظة بحفظ الله للقرآن، ونحن نعلم يقينًا أن حفظ الله لنَصّ القرآن لا يعني حفظه للغته، والأدلة على ذلك حولنا في كل مكان وفي كل موقف وفي كل كتاب، ولكننا نتعامى عنها.

نقول بفخر إنها أعظم لغات الأرض وأشدُّها بلاغةً، ونتعامى عن أن هذه البلاغة لا تصل إلّا إلينا ولا يفهمها سوانا.

نختلف حول رسم الهمزة في أول الكلمة، ووسطها، وآخرها… ونختلف حول نَقْط التاء المربوطة إذا كانت في نهاية الكلام إذا سُبقت بألف مد… ونختلف حول تنوين الفتح هل يُرسَم على ألف الإطلاق أم قبلها… ونختلف على نَقْط الياء المتطرفة…

ونختلف أكثر وأكثر حول قواعد النحو والصرف… ويتهم بعضنا بعضًا بالجهل إذا خالف مذهبه…

ثم نتحدث عن رسوخ قواعد اللغة العربية.

بعض صفحات الإنترنت ليست إلا حلا محدود

ما لم يعترف كل منَّا لنفسه، ويعترف بعضنا لبعض، بوجود هذه الأزمة، وبأن بضع صفحات على الإنترنت ليست إلَّا حلًّا محدود النطاق، محدود التأثير، محدود الوقت، بأعمار مسؤوليها، وطاقاتهم، وسَعَة وقتهم، ومقدار علمهم، فسنظل ندور داخل دائرة واحدة، يُعمينا سور محيطها عمَّا هو خارجها، فيَحُول دون أن نبدأ البحث عن حلّ للأزمة… حل يجعل المسؤولين يضعون اللغة العربية في صدارة ما يتعلّمه النشء… ويجعل أولياء الأمور يشعرون بأهمية إتقان أبنائهم العربية… ويجعل الأبناء يُقبِلون على تَعلُّمها… ويجعل أصحاب الأعمال يشترطون إتقان موظفيهم العربية…

وما لم نجد طريقةً لتوصيل هذا الحل إلى المنوط بهم تطبيقه… ونجد منطقًا يُقنِعهم بأهمية تطبيقه… فسيأتي وقت، ترونه بعيدًا ونراه قريبًا، تصبح فيه لغتنا أثرًا بعد عين.”

انتهى كلام الرجل، ومِن حق الدراويش أن يقولوا ومَن هذا حتى تستشهد به؟ لعله مغرضٌ مثلك!

ليكن مغرضًا مثلي، لكن كلامه يستحق الإشادةَ، مِن وجهة نظري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى