ساحة الإبداع

خطوات لاهية

خطوات لاهية قصة منال رضوان

خطوات لاهية

 

(العافية كعاهرة محترفة، تطمح إلى الكثير من المال لكنها على أي حال، لن تمكث معك طويلًا ) تذكر كلمات أمه وهو يشيح عن فمه قطرة من زيت علقت بشاربه الأسود الكث؛ جراء تسكع لقيمات الظهيرة أمام واجهات المحال الأنيقة والتي يعكس بريق زجاجها صورته الفتية، كثيرًا ما كان يحاول تغيير عمله الكئيب كصبي في دكاكين البقالة، والتي تناثرت كالذباب على وجه الحي البائس الذي يقطنه بلا فائدة، كان يتقن الغناء؛ لكن ما جدوى مغامرة قد تكلفه حياة أخرى معلقة بحبائل قدره. حجرة واحدة تغلفه مساء كل ليلة مع بقايا من أمه الريفية، تلك العجوز الصامتة أبدًا والممهورة بوشم متعرج توارى خلف النقوش الذابلة لمنديل الورد الذي عقدته على جبهتها المتسعة بلا انتهاء، ووشم آخر مطموس تواشج مع عروق تستنفر الحياة بإحدى يديها، والتي أسقطت بطاقة تكفل لها العلاج المجاني صبيحة أحد الأيام المتماثلة أمام ذاكرتها المرتجفة، لم يغضب؛ بل ابتسم في شفقة على حالهما معًا، وأخذ على عاتقه العمل من أجل جلسات علاجية بمقابل مادي إلى حين. عقب سنوات قليلة تزوج فيها من ريفية أخرى أنجبت له فتاة حملت اسم أمه التي ماتت قبل ولادتها. ” هَنَا”، هكذا قرر أن يخلع عليها الاسم، قبل أن يتركها وأمها ويبدأ رحلته إلى العاصمة، وفي سبيل ملاحقة الحلم قرر أن يفعل مهما كلفه الأمر. سنوات قليلة صار خلالها من أشهر مطربي عصره، ارتدى أفخم الملابس. سكن أرحب القصور. نسى كل ما يربطه بقريته حتى ولو كانت بضعة منه قد لفظها طموحه. وشاء قدره أن يصاب بالمرض ذاته الذي أصاب أمه، أنفق كل ما جمعه خلال رحلة استغرقت عقدين، ولم يعد أمامه غير الاستقرار في غرفته القديمة. تغير كل من حوله ما خلا غرفته حتى هو؛ بات يحمل ملامح ثلجية شاحبة تشوبها زرقة داكنة عند أطراف فمه، غادرته الخطوات اللاهية إلى غير عودة مخلفة آثارها من بقع سوداء على وجنتيه، مرت أيامه جافة متثائبة، قبل أن يستمع ذات صباح إلى دقات متتالية اضطرب لوقعها؛ وقد استنهضته فَزِعًا، فإذا به يجدها أمامه وبين يديها المفتاح النحاسي الكبير الذي كان لزوجته، لحظات قليلة؛ كافية لإعادة ترتيب ذاكرته حتى تيقن من حقيقة ما يراه، نعم لابد وأنها هي، ابنته: – “هَنَا”؟! أومأت الفتاة باكية، واقتربت إليه متوسلة أن يرحل بصحبتها لرعايته، لكنه سألها باكيًا عن سبب ما تفعل، ابتسمت الفتاة ملء دموعها قائلة : – أخبرتني أمي قبل رحيلها، أنك لم تتخل عن جدتي وقت أن أضاعت بطاقتها العلاجية.. – أبي.. هاك بطاقتك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى