بوح القمر أحلام سارة قصة أشرف بدير
في ظُلمةِ ليلِ الشتاءِ الدَاكنِ قارس البرودة، في وَسطِ حُقُولِ القَصَبِ المُوحشة، تقف “سارة” ذات العشرين من عمرها، حافية القدمين عارية الرأس، على حافةِ النهر السَّاكن، وتحملُ بين يديها الضعيفتين لِفَافة من القُماش، تنْبعثُ من بين طَياتها أصواتَ صِراخٍ وبكاءٍ لرضيع، وكانت تنظر إليه في شفقة.. ثم تُحدثه في ألمٍ عَاتبة: _ لماذا جِئْتَ إلى هذه الحياة في هذا الوقت غير المناسب أيها الشَّقي؟! ألمْ تستطعْ أن تمكُثَ بِضع أشهرٍ ، حتى أُتمُ زواجي بوالدك ؟! وتهمُ أنْ تُلقي برضيعها في النهر، ثم تأخذها بعضَ الشفقة به، فتُقلعُ عما أقدَمتْ عليه، وتقرر أنْ تتركه على شاطىء النهر ليواجه مصيره المحتوم، علّّ أحدَ المزارعين يعثُرُ عليه في الصباح، فيتولى أمره.. وتفعلُ ما عزمتْ عليه فتترك رضيعها، ثم تعود مُحمَّلةٍ بكثير من المشاعرِ المتناقضة، لا تعرف إنْ كان عليها أنْ تَسْعد باتمام مهمة التخلص من وليدها غير الشرعي بغير قسوة، أم أنْ تحزن لفقد مولودها الأول .. وتصل إلى عِشَّتها وَسط الحقول، والتي تتوارى فيها خوفاً وهَرَباً من أسرتها، منذ بضعة أشهر، وتجلسُ فتعاتبُ نفسها كثيراً، أنْ فرَّطتْ في فلذة كبدها، وتشتاقُ إليه بشدة، فتُهرولُ عائدة إلى النَّهر مرة أخرى، كي تستعيده قبل أنْ يصاب بمكروه، وعندما تَصِلُ إلى شاطىء النهر لمْ تجدْ مولودَها في مكانه، فتصرخُ “سَارةٌ ” بِشِدة، ثم تُلقي بنفسها في النَّهر باحثة عنه، آمِلة أنْ تعثر عليه، وتظل “سارة” تبحث عن رضيعها في النهر بلا جدوى .. وتفيقُ سارةٌ من سُباتها فَزِعَة، فتجدُ وليدها بجوارها، يغُطُّ في نوم عميق، فتحتضنه في عطفٍ وحنانٍ، ثم تبكي بشِدَّةٍ على حالها ..