أشرف البولاقي يَكتُب : عبدالجواد خفاجي لم يكن ملاكاً ولا قديساً

(٤)
لم يكن عبد الجواد خفاجي ملاكًا ولا قدّيسًا، وهؤلاء الذين يقرأون الآن بعض ما نكتب، ممن اختلفوا معه أو عادوه – وهم كثر بالمناسبة – فيندهشون، لا شك أنهم يخلطون كثيرًا بين القيمة الثقافية التي نتحدث عنها، وبين أخلاق الرجل وبعض ممارساته الشخصية، وهي أخلاق وممارسات لم ينجُ منها أحد، لا مِن أصدقائه ولا مِن بعض أهلِه (قولًا واحدًا)!
إذ لم تكن شخصية خفاجي بالشخصية الطبيعية، ولا كانت مشاعره وأحاسيسه، مشاعرَ وأحاسيس عادية، كتلك التي نجدها عند غيره من المبدعين والمثقفين، ولا كانت صراعاته الاجتماعية هامشية كصراعات غيره، كان فقط لا يُظهِرها لنا، لكنه كان غارقًا فيها حتى أذُنيه، منشغلاً بها بعيدًا عنا، يخوض حروبًا ومعارك في صمتٍ وهدوء، ويمارس فعلاً إنسانيًا واجتماعيًا آخر يختلف عن كل أفعاله الثقافية التي يَظهر بها علينا ..
ولا أعني بذلك أن الرجل كان منافقًا ولا مريضًا نفسيًا، فكلنا مثله، لكن الدرجة عنده كانت عالية قليلاً، ربما كانت مناسِبةً حجمًا ومستوىً لِما كان يستشعره هو في نفسه من قيمتِه وأثره، خاصةً في الأوساط والمجتمعات التي لا تعرف عنه إلا كونَه امرأً أو إنسانًا يعمل ويأكل ويشرب، ويمشي في الأسواق.
ومِن ثم عادَى وخاصم، وطَعن وأغرى، واتَّهَم وأوعز، وخاض فيما لم يك جديرًا أن يخوض فيه على المستويين الاجتماعي والثقافي، وقد ارتكب خفاجي في حياته الثقافية حماقاتٍ كثيرة، كان يعترف ببعضها ويرويها، كثيرٌ منها متعلق بالنشر والكتابة والجوائز، واعترافُه وعدم إنكارِه كان نوعًا من التطهر، ونوعًا من الصدق، وأشهدُ أنه رغم كل ذلك كان قلبه رقيقًا، يكفي أن تعاتِبه ليصفو، وأن تستسمِحه ليعفو .. وما أكثرَ ما كان يفعل!
ومن ثم فإن ما نكتبه لا علاقة له بـ “اذكروا محاسن موتاكم”، لكنه متعلق بالقيمة والأثر الثقافي الذي نحن معنيون به، وهو ما كان فيه خفاجي بصمة وعلامة فيهما، وليس مجرد أديب عابرٍ مارس الكتابة ونشر بضعة أعمال .. ومضى!
وليس أدلّ على قيمته وأثره من أن له تلاميذ ومريدين في كل محافظات مصر، وله قرّاء ومحبون لم يروه وفَتنَتهم كتاباته … كما أن له كارهين وأعداء في الوسط الثقافي – كثيرٌ منهم أكاديميون – كان خفاجي يفضح جهلهم، بكتاباته التي جمعت بين النقد المنهجي والتنظيري وبين القراءات النقدية الثقافية.
#في محبة عبدالجواد خفاجي
أوبرا مصر ، دراسات ومقالات