انقلبت حياة : محمد عدلي بعد وفاة زوجته وخروجه على المعاش ,بعد بفترة قصيرة رأسا على عقب ، الزوجة التي لم يتخيل حياته بدونها ،ولم يتوقع أن يخطفها الموت بهذه السرعة ،فلم تحدثه نفسه يوما من الأيام أن يبتعد عنها أو أن تفعل ذلك هي، فقد ترك لها محمد عدلي مسؤولية حياته هو وأولاده بصورة كاملة فهي من تتخذ القرارات المصيرية بالنسبة لكل أفراد الأسرة ،توافق على من يريد الارتباط ببناتها الثلاث التي زوجتهم ممن تقدم لهن من الشباب ،ممن كان مناسبا لهن من وجهة نظرها.
أصبحت حياة محمد عدلي بعد وفاة زوجته فارغة بلا معني أو هدف فبعد الخروج من الوظيفة التي كانت توفر له إطار العيش بداخله , دون عناء أو مشقة اتخاذ قرارات يتحمل تبعاتها، فهو دائما أبدا الذي تصدر إليه الأوامر، فهو يفضل العيش تحت قيادة في العمل ،أو فى البيت لأن طبيعته تؤثر السلامة، وعدم الجدل، أو الدخول في منازعات فكان يترك بعض حقوقه المادية والمعنوية حتى يتفادى مثل هذه الأمور ،مؤخرا أعتزل النقاش ،فهو يعتبر كل ذلك لهوا فارغا ،قد يكون ذلك قلة ثقة أو تكوين نفسي ، أو ضعف أو انطواء في الشخصية أو لا مبالاة ، لست على يقين من كل ذلك ، كان يتناول المرتب في أول كل شهر لتنتقل النقود ليد زوجته دون أن يأخذ منها جنيها واحدا، فهي أيضاً من تحدد له مصروفه الشخصي ، لأنها من تدير كل شئون المنزل، بل و حياة الأسرة فهي لم تقم بتنحية زوجها عن وظيفته، ولكنه تأخر في القيام بها فتقدمت هي لشغل هذه الوظيفة .
هي شخصية جذابة ، اجتماعية, مجاملة, متشعبة العلاقات, ،كانت تنتابها مشاعر تجاه زوجها منها: أنها تتمني من أعماقها في كثير من الأوقات أن؛ يتحول زوجها لرجل؛ قوي مستبد, لا يرضخ لكل: أوامرها ,تنتظر منه أن يسبها تخاف منه ومن ثورة غضبه ثم تشتكي لأمها من قسوته.
ولكنه عكس ذلك تماماً، فقد كان يعيش يوما واحداً ثم يكرره على الدوام في أغلب الأيام المقبلة، دون ملل ،وكأنه موجود ليحصي الأيام لا لعيشها، استسلم أكثر حتى بدا أكثر انعزالا ليس له اصدقاء، تصدر إليه الأوامر بداخل البيت ولم يعد يرضخ عن طيب خاطر لرؤسائه فى العمل بعد الخروج على المعاش متخفيا أكثر وقته خلف نظارة سميكة وتجهم كان يحرص عليه كحائط صد حتي لا يشجع أحدا من الاقتراب منه او الحديث معه، أكسبه ذلك كآبة غزت ملامحه. لم يكن هناك أحد من الناس يوماً قريباً من نفسه ، لعله تمنى يوماً أن يعيش حياة المغامرة والانطلاق وأن يكون له أصدقاء ينتظرون لقاءه بلهفة، لعله قام بكل بذلك ذهنياً، لم يفصح عما بداخل نفسه لأي شخص قط، لعله كان يعتقد أن الفضفضة تذهب بوقاره.
أما في عمله فلا يخرج عن الروتين المرسوم له، كما هي حياته الزوجية فكان يتلقى الأوامر من رؤسائه ، سعيدا بتنفيذها حتى لا يتحمل مسؤولية تبعات قرارات تنبع من نفسه تعبر عن رأيه، يتهرب من اتخاذ قرارات تخص حياته يترك ذلك لزوجته التي اعتقدت أن جميع الرجال مثل زوجها..
ولكنه كان يتساءل بينه وبين نفسه ماذا يفعل الآن فليس هناك أحد بعد وفاة زوجته وخروجه من الوظيفة ، فمن يتخذ له قرارات ويصدر له أوامر تجعله في حل من تحمل المسؤولية ويرتب له حياته ، لم يتعود الرجل على ذلك ذهب لأحد أقربائه الذي كان يجلس بالمقهى صدفة وهو يمر من أمامها يستشيره في أمر زواجه مرة أخرى لعله كان يبحث عمن تقوده أكثر من ارتباطه بزوجة، فنصحه قريبه الذي يتمتع بتجربة طويلة،عريضة ، عميقة في الحياة ، وحسن الحكم على الأمور أن يطرد هذه الفكرة من ذهنه لأنها ستجعل أولاده المتعاطفين معه بعد وفاة والدتهم يبتعدون عنه إذا أحضر للبيت زوجة أب لتحل مكان والدتهم, ومن المحتمل أن لا يأتي أحد منهم لزيارته بعد ذلك، وجدها محمد عدلي فكرة صائبة بعد أن ناوله قريبة سيجارة بعد أن اشعلها له ثم بدأ محمد عدلي بشد أنفاس غشيمة وهو يحدث نفسه دخن يا عم محمد خليها تخرب، ماذا سيحدث لي أكثر من موت زوجتي ،وخروجي على المعاش، ثم خلع نظارته والقاها بلامبالاة على الطاولة كان ينتظر أن تسقط على الأرض لتتحول لقطع من الشظايا والزجاج المكسر ، ثم تناول بعدها مباشرةً قهوة طلبها هو من القهوجي وهو تحت تأثير أنفاس السيجارة و نوبة من كحة شديدة متواصلة . طلب منه قريبه أيضاً بأن يغير طريقة تفكيره ،فقد تسلل قريبه لداخل نفسه وأصبح له السطوة على عقله بعد أن حل مكان زوجته، و رؤسائه في الوظيفة بعد أن أخذ محمد عدلي بتنفيذ أوامره دون شعور منه .
بعد أن انصرف محمد عدلي من المقهى فكر فيما فعل أثناء وجوده في المقهى، فلم يكن يتخيل في يوم من الأيام أن يجلس على مقهى أو أن يتناول مشروب القهوة أو يدخن سيجارة بعد الستين ، فهي أول مرة يفعل ذلك تردد على قريبه عدة مرات ،أصبح يشتري بعدها السجاير بمفرده بدافع خفي يأمره أن يفعل ذلك أصبح يقبل على أفعال وطقوس لم يمارسها من قبل ، بثقة يحسها في نفسه وعلى استعداد أن يدافع عنها ليوم الدين، وعن أي فكرة تراود نفسه من هذا القبيل، شعر بمتعة شديدة ،اعتاد تناول القهوة دون وجود قريبه أصبح له اصدقاء مقربون ينتظرهم وهم كذلك تابع الأخبار و شغف بالأحداث العالمية التي وسعت آفاقه ونظرته للحياة , أخذ يسب أثناء المشاهدة بعض الساسة، حضر مناسبات اجتماعية، قلب في أوراقه القديمة وجد عدة كتب ومجلات أدبية أزاح عنها التراب الذي يعلوها قرأ ,استمتع ، أعجب . وكلما قرأ أكثر أصبح لديه ذائقة كونت له رأيا في الحياة ناقش على استحياء في أول الأمر ثم اعتاد المناقشة المثمرة ,عبر بهذه المناقشة عن نفسه كثيراً ,بحث عن كتب أخرى نسى موضوع الزواج اندمج أكثر، أصبح له مجموعة من الأصدقاء ، أقترب من سن الخامسة والستين و بعد عدة محاولات في الكتابة الجيدة على مواقع التواصل الاجتماعي أقترب الآن من الانتهاء من كتابة سيرته الذاتية التي عنونها
ب ” حياتي الحقيقية بدأت بعد الستين”