دراسات ومقالات

حسن أجبوه يَكتُب : الانفلات أو سلبية المغزى..قراءة تأملية بنص “قصيدة هاربة” لسماح رشاد

النص :
قصيدة هاربة

بحجابها الأسود وحيائها المنتقب ارتقت درجتين إلى المنصة ألقت أول نصوص شعرها الوليدة هذا العام، قرأت قصيدة عارية تلتها بأخرى فاضحة ثم انهت الثلاثة بأكثرهم وقاحة وسكتت، صفق الجميع مشدوهين، ترجلت على نفس الدرج لكنها انكبت على وجهها، تعثرت بواحدة متدثرة بثوبٍ باكِ، هربت من بين طيات الديوان لأنها لم تُقرأ.

الكاتبة سماح رشاد مصر
الكاتبة سماح رشاد مصر

سماح رشاد
القراءة :

مقدمة :
لطالما أمتعتنا الكاتبة بسرديتها الجمالية، والمنمقة والمبهجة، بنصوصها التي تنحو تيمة أدب الرسائل، حتى وسمنا كتاباتها بأنها لن تحيد عن هذا النسق المتسامي. فها نحن اليوم نتعالى بمدهشية سريالية استيطيقية ترنو لتجعل من السرد رسائل مرمزة تغازل الوجدان والفكر .
** تفكيكك النص:
نص من نوع ق.ق.ج، مكثف بأسلوب سلس وعبارات متكاملة.
– العنوان : قصيدة هاربة
عنوان ج، وكأننا أمام مشهد سريالي، تتحرر فيه الكلمات من عقالها، متمردة تبغي الحرية وتبتعد عن القيود التي أدمتها. هروب ماكر من المكان والزمان، لوجهة تحاكم الكاتب.
– الأحداث :
شاعرة أنثى داخل فضاء مسرحي، تصعد الادراج بغية إلقاء ثلاث قصائد مستوحاة من باكورة أعمالها أمام الجمهور، فتتدرج القصائد بقبحها من القبيح الى الذاعر، لكن في كوميديا عبثية، تتوهج القاعة بالمديح والتصفيق !
ركزت الكاتبة على الوصف الدقيق للبطلة، بزيها الأسود كناية عن الحزن والكآبة والظلام الذي طوقت به وعاشت فيه، كما أن الكاتبة وظفت عبارة يمكن اعتبارها مفصل النص ( حيائها المنتقب) .
ولنا عبرة بالآية 25 من سورة القصص { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء}. فالفتاة التي ساعدها نبي الله موسى، عادت لتدعوه الى منزل إبيها لمي يجزيه، وعادت اليه وهي مستترة ( قيل واضعة كمها على وجهها وتمشي مشية الحرائر) وهنا بالنص البطلة، اضافة الى حجابها الاسود، حياؤها منتقب أي لا تثير الشهوات ماظهر منها ومابطن، فما الذي حدث لكي تكون أشعارها مثلا للمجون والذعارة !!!
هنا بيت القصيد والايحاءات الرمزية التي أدخلتنا الساردة فيها عنوة.. فبعد تلاوة القصائد الثلاثة سكتت. فالظاهر أن الشاعرة دفعت دفعا، من طرف خفي ( يمكن أن يكون الزوج أو الناشر ) للمجازفة بإلقاء تلك القصائد دون غيرها، حتى تضمن الشهرة والانتشار والدليل ثناء الجمهور وتصفيقاته..يعني أنها مرغمة على استعراض ما يحبه الحشد ومجاراته. لذلك جاءت الخاتمة صادمة حيث انسلت قصيدة تجسدت على شكل امرأة متدثرة تبكي حظها التعس، لكونها تعمدت تهميشها وعدم قراءتها..
**خلاصة :
نص عميق، بأسلوب مشوق، يحاكي الصراع الداخلي الذي ينتاب جل المبدعات المبدئيات، اللواتي يضطرن لمخالفة قناعتهن، بغية اظهار اعجاب الجمهور، فيعشن داخل دوامة اغترابية، كما في حكاية الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة وتاه، فلا هو احتفظ بمشيته ولا هو أتقن مشية الحمامة.
بالتوفيق.

المغرب 08/03/23

 

 

 

 

 

 

أوبرا مصر ، دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى