أفتحُ نافذتي كلَ صباحٍ مع عزفِ العصافير وحفيفِ أوراقِ الشجر، كي أتنسمَ هواءَ الصباحِ الطازجَ المنعش، أرمقها في الشرفةِ المواجهة تتحرك ببطىء، تسقي زروعَها المورقةَ الخضراءَ، ثم تجلسُ برفقٍ كعادتها، وحيدةً في شرفتها على مقعدها الوحيد، أغبطها على اهتمامها بزروعها الكثيرة، أتأملها وهي تنظرُ، بين الحين والآخر، باهتمامٍ وترقبٍ، للشارعِ شبه الخالي من المارّة، تارةً جهةَ اليمينِ وتارةً جهةِ اليسارِ، كأنما تنتظر عزيزاً حان وصوله.
عندَ العصرِ، وقبل غروب الشمس، أجلسُ في شرفتي أقرأ في روايةٍ لا تنتهي فصولها، أحتسي الشاي، وأتأمل صبَّارتي اليتيمة المنزوية في ركن الشرفة تتنفس بالكاد، بينما كانت تجلس قُبالي في شرفتها وحيدةً على المقعد الوحيد ذاته، أختلس النظر إليها، على مهلٍ تحتسي قهوتها، ثم تنظر كعادتها للشارعِ شبه الخالي من المارّة، تارةً جهة اليمين وتارةً جهة اليسار، في انتظار الغائبِ المُنتَظَر.
هذا الصباح، كعادتي .. فتحت نافذتي؛ لأتنسم هواءَ الصباح، تذكرتها، ألقيت نظرةً على شرفتها، كانت أصوات العصافير قد اختفتْ، وحفيف الشجر قد خَفَتْ، وكان المقعد الوحيد في الشرفة خالياً، والزروع قد جفَّت أوراقَها، نظرتُ إلى الشارع شبه الخالي من المارة باهتمامٍ وترقبٍ .. كأني أنتظر قدوم غائبٍ سوف يأتي.