جدلية الأنا والآخر بين الاستلاب والقهر قصيدة (تبًا لي) للشاعرة حنان ماهر
د. محمد سعيد شحاتة
مهادٌ نظري:
نحاول في هذه الدراسة رصد جدلية الأنا والآخر في قصيدة (تبّا لي) للشاعرة حنان ماهر، وأثرها في إنتاج الدلالة، معتقدين أن إنتاج الدلالة يتم من خلال التفاعل الحيِّ والديناميكي بين النص والقارئ، ومن ثم فإن القراءة عملية جدلية تسير في اتجاهين متبادلين من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النص، وليس معنى ذلك أننا ننفي المبدع، بل نرى أنه منشئ العمل الأدبي ومبدعه، ومن تتلاقى بين أصابعه الخيوط السرية التي تتشكل من خلالها لعبة المعنى، فيصبح للنص بمقتضاها حقوله الدلالية، ورغم ذلك فإن عملنا سوف ينصبُّ على النص الشعري، فقد انتهت علاقة الشاعرة بهذا النص منذ إلقاء القلم وطيِّ الصحيفة، وسوف نحاول استقراء النص قدر جهدنا، واستكناه عوالمه، وتحديد ملامح الأنا الشاعرة كمرسل، والفكر المهيمن على العمل الإبداعي/ الرسالة، والمتخفي وراء شبكة العلاقات اللغوية التي تمتد هنا وهناك ناسجة خيوط النص طولا وعرضا، ونحن إذ نعتمد تلك الرؤية نضع في الاعتبار أن ما نقوم به مجرد قراءة قد تتفق أو تختلف مع قراءة أخرى؛ فهي لا تدعي لنفسها اليقين، ولا تتخذ من نفسها مقياسا للصواب والخطأ، بل تدرك أنها مجرد محاولة ضمن عشرات المحاولات لقراءة النصوص؛ فالتعدد التفسيري للنص الواحد يثريه، ويضيف إليه، ويؤكد على أن النص لا يتضمن بالضرورة معنى نهائيا، كما يكشف التعدد التفسيري للنص عن آفاقه وأبعاده في سياق الثقافة المتغير؛ فلا وجود للنص بمعزل عن المركبات الذاتية للقراء.
العنوان وملامح الدلالة:
إن التوقف أمام عنوان النص ينطلق من الاعتقاد بأن العنوان مرسلة مشفَّرة بين الناصِّ والنصِّ من جهة والقارئ والنص من جهة أخرى، ومن ثم فإن رصد العنوان وتفكيكه من شأنه الكشف عن دلالات الخطاب وأسراره، كما أننا سوف نحاول الربط بين دلالة العنوان ومضمون النص، فلا شك أن العنوان مرتبط ارتباطا وثيقا بالنص الأدبي؛ فهو إما كاشف عن مكنون النص، أو متشابك مع الدلالة الكلية للنص، ومحتل لجزء من الرؤية الفكرية، وفي جميع الأحوال فإن تفكيكه وربطه بالنص يساعد في إنتاج الدلالة.
جاء عنوان القصيدة جملة فعلية خبرية لفظا إنشائية معنى(تببتُ تبًّا) فهي دالة على الدعاء، وأرادت الشاعرة من خلالها إخبار المتلقي بتجربتها التي آلت إلى الفشل، وقد تبدَّى ذلك من خلال الدعاء اللافت في العنوان؛ فإنه يجعل الذهن ينصرف مباشرة إلى محاولة اكتشاف الأسباب التي تجعل إنسانا ما يدعو على نفسه بهذا الدعاء القاسي، وهي جملة ناقصة الأركان من حيث التكييف النحوي؛ فقد اكتفت الشاعرة بإيراد المفعول المطلق المؤكِّد للفعل (تبـــًّا) وحذفت الفعل والفاعل، ومن الملاحظ أن الفعل (تبَّ) يأتي لازما ومتعدّيا؛ فهو يأتي بمعنى هلك وأهلك، وقد ورد لفظ (تبَّ) في المعاجم العربية مرتبطا بدلالات سلبية متعددة؛ إذ ورد (تَبّاً لَهُ: هَلاَكاً وَخُسْرَاناً لَهُ – تبًّا للظَّالمين المعتدين: خُسْرانًا وهلاكًا لهم، ويُنصب على المصدر بإضمار فعل – تَبَّهُ اللهُ : أَهْلَكَهُ – آية المسد 1( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (قرآن): هَلَكَتَا، خَسِرَتَا – تَبَّ الحبلُ : اِنْقَطَعَ – تَبَّ الحَبْلَ : قَطَعَهُ – تَبَّ ضَعُفَ وشاخ – تَبَّ الحمارُ ونحوُهُ: دَبِرَ ظهرُه – تَبَّ الشيءَ تَبَّ تَبًّا: قطعهُ، فهو تابٌّ – تبَّ العاصي خسِر وهلَك وقُطِع عن الخير) فمن الملاحظ أن اللفظ لم يخرج عن الدلالة السلبية؛ فهو دالٌّ على الهلاك والخيبة والخسران، ودالٌّ على القطع (تَبَّ الحَبْلَ: قَطَعَهُ) ودالٌّ على الضعف والشيخوخة (تَبَّ ضَعُفَ وشاخ) وكلها دلالات سلبية، وإيراد العنوان بهذا الشكل يحيلنا أيضا مباشرة إلى الآية الكريمة ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) إذ تحكي قصة أبي لهب الذي حارب الحق بكل ما أوتي من قوة، وحاول أن يخفي معالمه رغم وضوحه التام، بل حاول أن يثني من يعتنقون الحق الواضح عن اعتناقهم، ليعودوا إلى سيرتهم الأولى، ولكنه في النهاية فشل وخاب وخسر وهلك، وإذا نقلنا هذه الدلالات إلى العنوان فإنه يدل على أن الأنا الشاعرة قد تغاضت عن الحقيقة الواضحة أمامها، وكابرت وسارت في طريق محتوم النهاية بالفشل، ورغم كل الدلائل على الفشل فقد سارت حتى وصلت إلى النهاية المحتومة، فكان دعاؤها على نفسها بالخيبة والخسران والهلاك؛ لأنها لم تتراجع عن الطريق الذي سارت فيه، وهي تعلم نهايته، ومن ثم فإن العنوان يحمل ثلاثة عناصر، هي: الأنا والآخر والموضوع، فالأنا بدت من خلال العنوان خائبة في سعيها الذي كانت تسعى إليه، وحمَّلت نفسها المسؤولية عما آل إليه أمرها من خلال الدعوة على نفسها، والآخر كان مماطلا غير مبالٍ، أما الموضوع فهو العلاقة التي باءت بالفشل. لقد جاء العنوان مفعولا مطلقا لفعل محذوف تقديره (تببتُ) وهو مأخوذ من الفعل (تبَّ) ومعناه/العنوان (خسرانا وهلاكا وخيبة لي) وبذلك يتمحور العنوان منذ البداية حول معنى الدعاء الدال على الخسران، والخيبة، والهلاك، مما يثير المتلقي فيمضي مع القصيدة لاكتشاف الابتداء بهذا العنوان اللافت، فتبدأ القصيدة بالمشبه به (كحصاة) الذي يربط عنوان القصيدة بمطلعها، وقد حذف المشبه لفظا وإن كان حاضرا بقوة في المعنى، فلا يمكن تصوُّر المشبه به (كحصاة) دون ربطه بـ(تبا لي) وهنا يصبح العنوان جزءا من القصيدة، وكأن الأنا الشاعرة تقول (تبا لي فأنا كحصاة أمسكتَها وألقيتَها في مجرى الحزن) وهنا تتجلى العناصر الثلاثة التي تحدثنا عنها/الأنا والآخر والموضوع، وبذلك تحمِّل الأنا الشاعرة نفسها المسؤولية كاملة عما آل إليه أمرها.
حركة المعنى وإنتاج الدلالة:
سوف نحاول في هذا الجزء من الدراسة تتبع حركة المعنى في النص عبر مقاطعه المختلفة، واستنطاق كل مقطع محاولين رصد رؤيته الفكرية التي تشكل جزءا من الرؤية الكلية للنص، وذلك من خلال اكتشاف البنى الفكرية المتخفية وراء شبكة العلاقات اللغوية المنسوجة بعناية وإتقان، وفي النهاية سوف نعود إلى حركة المعنى من البداية؛ لنربط المقاطع ببعضها، في محاولة للاندفاع من ظاهر النص إلى باطنه؛ لتفكيك ما نسجته الشاعرة من شبكات إيهام مختلفة؛ كي تغري المتلقي بمتابعة إغواءات النص من أجل اكتشاف دسائسه، واكتناه عوالمه. إن رصد تموجات المعنى صعودا وهبوطا في النص يدفعنا إلى تقسيمه أربعة مقاطع تمثل حركة المعنى، وتنقلاته بين الأطراف المهيمنة، والتي يحاول النص رسم ملامحها في صعودها وهبوطها وتنقلاتها المراوغة بين تضاريس النص المختلفة، وعبر دروبه وشعابه المتشابكة.
– 1-
كحصاةٍ أمسكتَها وألقيتَها في مجرى الحزن
تستمتعُ برؤيةِ الدوامَّاتِ
لم تعبأ لغرقي تبًا لك
راقبت نبضة هربت باللوعة ورجعت لقلبي بالحنين
فاض الحزن
كاد أن يبلل حذاءك
تراجعت بكل خفة
هنيئًا لك الهروب
يتشكل المقطع الأول من خلال ثنائية ضدية برز طرفاها على المستوى اللفظي؛ ليشكلا بؤرتيْ دلالتين مختلفتين، وهذان الطرفان هما (تبــًّا لي – هنيئًا لك) فمن الملاحظ أنهما متضادان على المستوى اللفظي؛ ليقودا إلى تضادٍّ على المستوى الدلالي، وقد ارتبط كل طرف من هذين الطرفين بعنصر من عناصر القصيدة؛ ليشكلا كذلك وجها آخر للثنائية الضدية على مستوى الوجود، ويشكلا كذلك وجها ثالثا للثنائية الضدية على مستوى الحدث والفعل، ومن ثم فإننا أمام ثنائية ضدية ذات ثلاثة أوجه، أما الطرف الأول فمن الواضح على المستوى اللفظي في (تبــًّا لي) وهو يتمحور حول الأنا الشاعرة من خلال الضمير الدال عليها في اللفظ (لي) والنهاية المأساوية التي لم تكن تتوقعها، أو كانت – في أسوأ الحالات – تتفاداها؛ فهي دعوة بالهلاك والخيبة والخسران نتيجة التمسك بعلاقة اشتملت في داخلها على عناصر فشلها، وأما الطرف الثاني من طرفيْ الثنائية الضدية فهو الآخر الذي بدا في المقطع مستهترا بمشاعر الأنا الشاعرة، لاهيًا بها، مستمتعا بحزنها، والدوامات التي تغرق فيها، ولا يهتم مطلقا بما تعانيه (لم تعبأ لغرقي)، أما على مستوى الحدث والفعل فإن الأنا الشاعرة بدت كحصاة أمسكها الآخر وألقاها في مجرى الحزن، فهي تغرق في حزنها وسط دوامات تأخذها إلى أعمق أعماق الحزن، وقد بدت عاجزة مستسلمة، وظهر ذلك من خلال قولها (راقبتُ نبضة هربت باللوعة ورجعت لقلبي بالحنين) فهي تكتفي بالمراقبة ولا تفعل شيئا، وإذا قرأنا الفعل (راقبتَ) بفتح التاء فإن المعنى ينصرف إلى الآخر، فهو الذي يراقب وفي ذلك دلالة على أن الآخر غير مبالٍ، وإن كان المعنى يميل إلى ضبط الفعل (راقبتُ) بضم التاء، ومن ثم ينصرف المعنى إلى الأنا الشاعرة، فهي التي راقبت النبضة التي هربت باللوعة، ثم رجعت إلى قلبها بالحنين. إن استخدام الأفعال في هذا الجزء المتعلق بالأنا الشاعرة يدل على أنها أدركت أنها كانت ألعوبة في يد الآخر، وقد بدا ذلك من خلال نوعية الأفعال ودلالاتها؛ فقد اشتمل هذا الجزء على أربعة أفعال، ومن الملاحظ أن الأفعال تساوت من حيث الماضي والمضارع؛ فقد ورد فعلان ماضيان (أمسكتها – ألقيتها) وهما مرتبطان بفعل الآخر، ولكن آثارهما تتعلق بالأنا الشاعرة، ومن ثم فقد ورد الضمير الدال عليها متصلا بكلا الفعلين؛ ليعبر بذلك عن التشابك في الحدث بين الطرفين (الأنا والآخر) فالحدث الدال عليه الفعلان يتوزع بين الطرفين، فالآخر هو الفاعل والأنا الشاعرة هي المفعول بها، وهنا دلالة أخرى على وقوع الأنا الشاعرة في دائرة الاستهداف والقهر؛ فهي مفعول به على المستوى اللفظي (الهاء في الفعلين) وهي الواقع عليها الفعل على المستوى المعنوي، وقد دل الفعلان الماضيان كذلك على الأنا من حيث التلاعب بها (أمسكتها) وهو يدل على القدرة على السيطرة على الأنا الشاعرة والتحكم فيها، ثم إلقائها وفيه دلالة على تركها، وهما مرحلتان، الأولى التحكم والثانية الإلقاء والإهمال؛ لتغرق في دوامات حزنها، والمرحلتان قد مرتا بفترة زمنية طالت بعض الشيء، وقد بدا ذلك من خلال دلالة الفعلين؛ فالإمساك يدل على التحكم والاستقرار على هذه الحالة فترة زمنية محددة، ثم يأتي الإلقاء ليدل على الاستغناء، ولكنه استغناء المستعلي غير المبالي، كما اشتمل الجزء على فعلين مضارعين (تستمتع – لم تعبأ) ومن المتعارف عليه أن الفعل المضارع يدل على التجدد والاستمرار، وهو ما يشير إلى أن فعل الآخر بالأنا الشاعرة متجدد ومستمر، بمعنى أن الاستمتاع بقهرها والتلاعب بمشاعرها لم يكن مكتفيا بمرة واحدة، ولكنه متجدد ومستمر في حالة من الخداع الدائم والمراوغة المستمرة؛ لتستمر الأنا الشاعرة متعلقة بحلمها الواهي الذي يعلم الآخر تماما أنه ليس جزءا منه؛ ليعبر بذلك عن الطبيعة النفسية لهذا الآخر الذي لم يكن مهتما بمشاعر الأنا الشاعرة، ولا بما تعانيه من آلام وأحزان وحنين، ومن الطبيعي ألا يكون مهتما بمشاعر غيرها من الناس؛ لأن ذلك جزء من طبيعته النفسية، وتكوينه الفكري، وقد جاء الفعل الثاني (لم تعبأ) ليؤكد هذا المعنى بالإضافة إلى تأكيده على دلالة التجدد والاستمرار؛ لأن عدم اهتمامه المتضمَّن في الفعل (لم تعبأ) متجدد ومستمر من خلال طبيعة الفعل المضارعة، أما الجزء الثاني من المقطع فإنه يرصد التشابك الدلالي بين الطرفين الذي أخذ في الاتضاح أكثر، وقد وقفت الجملة (راقبت نبضة هربت باللوعة ورجعت لقلبي بالحنين) حدا فاصلا بين الجزأين من الناحية اللفظية، وكذلك من الناحية الدلالية، ليعبر ما بعدها عن التطور الدلالي للمقطع؛ فقد فاض الحزن بالأنا الشاعرة، وامتدَّ حتى كاد أن يبلل حذاء الآخر، ويؤثر عليه، ويأتي استخدام الشاعرة للفظ الحذاء دالا من الناحيتين اللفظية والمعنوية، فمن الناحية اللفظية نجد الحذاء هو أقرب شيء للأرض، وكأن الآخر لا يقبل أن يقترب منه الحزن، أو تلامس مشاعر الأنا الشاعرة أي جزء منه حتى ولو كان مجرد ملامسة، وهو ما يدل على قدرة الآخر على الخداع والمراوغة، وأما من الناحية المعنوية فإننا إذا تخيلنا الحزن ماء فاض وملأ المكان وعندما اقترب مجرد اقتراب من حذاء الآخر تراجع في خفة، وهرب تاركا الأنا الشاعرة غارقة في أحزانها، إذا تخيلنا ذلك أدركنا أن استخدام لفظ الحذاء هنا دال على رفض الآخر مجرد اقتراب الماء منه الذي فاض وصار دوامات تغطى الأنا الشاعرة، والآخر يراقب ذلك في استمتاع، ولا يعبأ لغرقها، وهو دال على طبيعته النفسية والفكرية، فهو رافض لمشاعرها بينه وبين نفسه، ومراقب لغرقها باستمتاع، ولكنه في الوقت نفسه مستمر في التلاعب بها وبمشاعرها، ومستمر كذلك في إقناعها بالاستمرار في التجربة، وإذا قرأنا اللفظ (راقبتَ) بفتح التاء فإن الدلالة تنصرف إلى أن الآخر كان منتبها تماما لحركة الألم، وتموجات الشعور لدى الأنا الشاعرة، كما كان مدركا للحالة النفسية والشعورية التي تغرق فيها من خلال فعل المراقبة، ولذلك فإن مجرد اقتراب الحزن إلى حذائه دفعه إلى الهرب في خفة وسرعة، مما يجعلنا ندرك أنه كان مراقبا جيدا لحالة الأنا الشاعرة، وتدفقات الحزن داخلها، كما كان حريصا على ألا تمتد تلك الحالة لتلمس مجرد حذائه، أي تقترب منه إلى حد يمكن أن يتأثر ولو بصورة بسيطة جدا، أي أن يفهم أحد أن لهذا الآخر علاقة بشكل ما بالأنا الشاعرة. إن الآخر في هذا المقطع بدا واعيا تماما لما يريد وللمشهد بأكمله، ولذلك ختمت الشاعرة المشهد بالتعبير عن المرارة الشديدة المتمثلة في اللفظ (هنيئا لك) فهي ليست تهنئة بقدر ما هي شعور بالمرارة والعجز والقهر، وعدم القدرة على لوم الآخر أو تعنيفه على ما قام به من الهرب السريع، فاكتفت بجملة (هنيئا لك الهروب) التي تحمل في طياته الجانب الثاني من المشهد المتمثل في قولها في نهاية الجزء الأول (تبّا لي) وكأنها تقول (هنيئا لك الهروب وتبا لي على غبائي الذي أدى إلى فشلي ومعاناتي وعدم ابتعادي رغم علمي بفشل التجربة منذ البداية، وملاحظتي لتهربك واستمتاعك بمعاناتي، وإن كنت حاولت إقناع نفسي بغير ذلك) ومن الملاحظ أن هذا الجزء من المقطع جاء فيه فعلان ماضيان (فاض – كاد) وفعل مضارع واحد (يبلل) ولكن دلالته محكومة بالفعل الماضي (كاد) الدال على المقاربة. لقد حمل هذا المقطع عناصر التجربة كلها (الأنا الشاعرة – الآخر – الحدث) ودل بوضوح على بؤرة الرؤية الفكرية لكلا الطرفين/الأنا الشاعرة والآخر، وتشابكات الأحداث بينهما، ليأتي المقطع الثاني وينفتح على زاوية أخرى من زوايا الرؤية والدلالة.
– 2 –
كان القمر يطل خجولًا من بين غيوم شرودي
وأنت تبني قلاعًا من ورق
أرسلتُ همسة تناهي
لا تُنطق من شفتين
بل من جرح ارتطامي بالقاع
يا لحظي
ينفتح المقطع الثاني على زاوية أخرى من زوايا الرؤية في القصيدة، وفي هذا المقطع تبدأ ملامح الآخر تبهت وتختفي تدريجيا، ويبدأ المعنى يتمحور حول ملامح الأنا الشاعرة، ففي بداية المقطع يتوزع الحضور اللفظي والدلالي بين الأنا الشاعرة والآخر، ويبدو هذا الحضور ممثلا لملامح كل من الشخصيتين، فالأنا الشاعرة في شرود، والآخر يبني قلاعا من ورق، ويبدو من حركة المعنى في هذا المقطع أن المشهد الذي تصوره الشاعرة كان بعد هروب الآخر متخليا، عنها وتركها في دوامات حزنها؛ فهي تصور المشهد هادئا حزينا، وهو لا يتناسب مع حبيبين يلتقيان، فالقمر يطل خجولا بين غيوم شرودها، فشرودها غيوم تحجب رؤية القمر في إشارة إلى أنها لم تستطع أن تستمتع بإطلالة القمر الذي عادة ما يحمل معاني الحنين واللقاء بين المحبين، وفي الزاوية الأخرى من المشهد تسترجع صورة الآخر وهو يبني قلاعا من ورق، في إشارة غلى كونها قلاعا هشة لا تستطيع الصمود، وهنا يبدو اكتشاف الأنا الشاعرة للآخر وخداعه من خلال جملة (من جرح ارتطامي بالقاع) والإشارة هنا إلى اكتشافها الحقيقة، فارتطامها بالقاع دال على سقوطها وجرحها نتيجة هذا السقوط، وهو يعبر عن فشل التجربة، واكتشافها ذلك فكان جرحها، وقد اختارت الشاعرة مجموعة من الألفاظ الدالة على ملامح الموقف (خجولا – غيوم – شرودي –ورق – جرح – ارتطامي) وكلها ألفاظ دالة على السلبية مؤكدة من خلال ذلك على النهاية التي وصلت إليها تلك التجربة، ومن الملاحظ سيطرة الأسماء على المقطع، وقلة الأفعال؛ ليدل على حالة الثبات؛ فالأسماء تدل على الثبات في حين تدل الأفعال على الحركة، وعندما استخدمت الأفعال ربطتها الشاعرة بما يكبِّل حركتها، فالفعل (يطل) ارتبط بلفظ (خجولا) لينفي عنه الحيوية والحركة، والفعل (تنطق) بني للمجهول وقيدته الشاعرة بحرف النفي (لا) فالهمسة لا تُنطق من شفتين، ولكنها مفهومة من خلال الموقف نفسه، والفعل الوحيد الذي دل على الحركة والتجدد والاستمرار هو الفعل (تبني) ومن الملاحظ أنه ارتبط بالآخر؛ ليعبر بذلك عن طبيعة هذا الآخر الذي كان لا يتوقف عن بناء القلاع، ولكن الأنا الشاعرة اكتشفت في النهاية أنها قلاع من ورق، وبذلك نفت عنها هي الأخرى الفاعلية؛ فهي ليست قلاعا حقيقية يمكن أن تحمي من العواصف، ولكنها هشة تتطاير مع أول هبة ريح، وبذلك يمثل المقطع الثاني تطورا دلاليا في القصيدة؛ إذ إنه نقل الدلالة إلى مرحلة متقدمة بعد دلالة المقطع الأول، فعبَّر عن فشل التجربة واكتشاف الأنا الشاعرة لهذا الفشل الذي جعلها تختم المقطع بقولها (يا لحظي) لتعبر عن المرارة الشديدة التي تشعر بها، لتنتقل الشاعرة بعد ذلك إلى تطور دلالي آخر في المقطع الثالث.
– 3 –
أنا السمكة التي صادفت عصا موسى
فشقتني نصفين
أنا البقرة الفاقع ألمها
ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها
أنا الصيد البريء
تعقبني الصياد أصابني في مقتلي
أُعَيَّرُ بجرحي كأنه سبة
لم أجرح نفسي يا قوم وكيف؟
يتشكل المقطع الثالث من ثنائية ضدية أخرى، طرفاها الأنا الشاعرة والمجتمع بشرائحه المختلفة، فأحيانا تذكر الشاعرة الآخر/المجتمع بصيغة الجمع (ذبحوها – سلخوها – وجدوها) باستخدام ضمير الغائب الهاء دون ذكر أسماء محددة أو جهات معينة يمكن أن تلقي عليها اللوم في قهرها واستلابها؛ ليكون هذا الآخر/المجتمع غائبا على المستوى اللفظي من خلال استخدام ضمير الغائب، وغائبا كذلك على المستوى المعنوي من خلال عدم تحديد ملامحه، وأحيانا تتحدث بصيغة المفرد (تعقبني الصياد أصابني في مقتلي) دون الإدلاء أيضا بملامح يمكن من خلالها التعرف على شريحة محددة تمثل الصياد الذي تعقَّب الأنا الشاعرة، وإنا كنا نستطيع استنتاج أن الآخر في هذا المقطع نوعان، هما: الآخر/المحبوب الذي ظهر في المقطع الأول مخادعا ومراوغا، وغير مبال بها، ومستمتعا وهو يراها تغرق في دوامات حزنها، ويهرب بخفة حين تقترب شبهة ملامسة مشاعرها له، والآخر/المجتمع بشرائحه المختلفة، وهو الذي أشارت إليه بصيغة الجمع في قولها (ذبحوها – سلخوها – وجدوها) وبذلك ينتقل المقطع الثالث إلى حقل دلالي تشتبك فيه الأنا الشاعرة مع المجتمع المحيط بها، ذلك المجتمع الذي لا يغفر لها تجربتها رغم كونها القتيلة وليست القاتل، في انتقاد حاد لهذا المجتمع وتشكلات رؤاه الفكرية وتوجهات أنسجته الاجتماعية، وقد بدت الأنا الشاعرة في هذا المقطع حادة إلى أبعد الحدود من خلال اختيار ألفاظ دالة بشدة على حالة الغضب الذي تمتلئ به نفسها (ذبحوها – سلخوها – شقتني نصفين – سُـبَّة) ويبدأ المقطع بحديث الأنا الشاعرة عن نفسها حديثا صريحا من خلال إيراد الضمير المنفصل الدال عليها (أنا) وتكرار هذا الضمير متلبِّسـًا بحالات القهر التي تتعرض لها (أنا السمكة – أنا البقرة – أنا الصيد) ولم يقتصر حضور الأنا الشاعرة من خلال الضمير المنفصل، لكنها أكَّدت حضورها من خلال الضمائر المتصلة أيضا (ألمها – ذبحوها – سلخوها – وجدوها – شقتني – تعقبني – أصابني – مقتلي – جرحي – نفسي) كما أكَّدت الحضور من خلال الضمائر المستترة (أعيَّرُ/أنا – لم أجرح/أنا – صادفتْ/هي) وبذلك يتنوع حضور الأنا الشاعرة بتنوع الضمائر بين ضمائر منفصلة وأخرى متصلة، وكذلك تنوعها بين ضمائر ظاهرة وأخرى مستترة، وسوف نتوقف لاحقا أمام ظاهرة الالتفات عند حديثنا عن التشكيل البلاغي وأثره في إنتاج الدلالة، وبذلك تحاول الشاعرة تأكيد وجودها على المستويين اللفظي والدلالي؛ لمواجهة محاولات المجتمع تهميشها واستلابها جراء تجربتها التي لا يعترف بها هذا المجتمع ظاهريا وإن كان أفراده يمارسون ذلك في الخفاء؛ فالأنا الشاعرة لم تجرح نفسها ولكن هناك من جرحها، وهو لا شك أحد أفراد هذا المجتمع الذي يستلبها كما استلبها بعض أفراده، وأغرقها في دوامات الحزن، وإلى جانب ذلك استخدمت ألفاظا أخرى دالة على حالات القهر والاستلاب التي تتعرض لها، والملاحقة من الآخر والمجتمع بهدف تشويهها (تعقبني الصيَّاد – أعيَّرُ بجرحي – أصابني في مقتلي) وهي أيضا دالة على قهرها بصور شتى وأساليب متعددة، على أننا يمكن أن نلاحظ عقد الأنا الشاعرة المقارنات بينها وبين المجتمع؛ لتظهر هي في هذه المقارنات بريئة باحثة عن الصفاء والنجاة، ويظهر المجتمع بصورة المعاقب غير المتوقع (أنا السمكة التي صادفت عصا موسى فشقتني نصفين/أنا البقرة الفاقع ألمها ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها/أنا الصيد البريء تعقبني الصياد أصابني في مقتلي) ففي الجملة الأولى تشبه نفسها بالسمكة في إشارة إلى أنها كانت تعيش في هدوء في محيطها، ولكنها صادفت عصا موسى، أي أصابتها عصا موسى حين ألقاها في البحر لينقذ من معه، وهي بذلك تعبر عن حظها العاثر الذي أدي بها إلى مصادفة هذا الآخر/المحبوب الذي أوردها المهالك بدلا من أن ينقذها، وفي الجملة الثانية تشبه نفسها ببقرة بني إسرائيل التي كانوا يبحثون عنها في إشارة على أنها كانت مبتغى الجميع وحلمهم في الحصول عليها، والارتباط بها، ولكنهم ما إن حصلوا عليها ذبحوها وسلخوها في إشارة على أنها لم تلق المعاملة التي تليق بها كأنثى لا تريد سوى الأمان والحب الخالص، وفي الجملة الثالثة تشبه نفسها بالصيد البريء الذي لم يرتكب ذنبا سوى أنه بريء، ولكن الصياد/الآخر/المحبوب تعقبها ونصب شباكه للإيقاع بها، وحين أمنت له أصابها في مقتلها، وفي هذه الصور كلها لم ترتكب إثما، ولكنها تعرضت للقهر والخداع والاستلاب.
لقد استطاع المقطع الثالث بتشابكاته المتنوعة أن يكشف عن جانب من جوانب الرؤية الفكرية المتخفية وراء شبكة العلاقات اللغوية، واستطاعت الشاعرة باختياراتها المتنوعة للألفاظ أن تضعنا في بؤرة الدلالة لهذا المقطع كاشفة عن ملامح السلبية التي يعاني منها المجتمع بشرائحه المختلفة.
– 4 –
كلما رتقت قلبي جاء من يفكُّ الرتق
من يجد لذته في الضغط عليه
من ينثر عليه الملح
لا يُسْمَعُ تأوُّهٌ أو يُرى دمعٌ
يدافع عن صياد الحزن بالجرح
ألمي مشاع
يكتب على حوائط
أرى من يبصق عليه
من يبكي من يضحك
لم يكترث أحد بي
تبًا لي
ثم يأتي المقطع الرابع والأخير لتبوح فيه الأنا الشاعرة بآلامها، وتحدد مخاوفها، فكلما استطاعت تجاوز آلامها، وتضميد جراحها يأتي من يعاود قهرها واستلابها، واستخدام لفظ (كلما) يدل على التكرار، وقهرها واستلابها المشار إليه هنا ذكرته الأنا الشاعرة صراحة في قولها (من يجد لذته في الضغط/عليه من ينثر عليه الملح/يدافع عن صياد الحزن بالجرح) إن مأساتها لم تعد فقط في التجربة التي مرَّت بها وأغرقتها في دوامات الحزن، ولكنها أصبحت فيمن يدافعون عمن قهرها وخدعها وأورثها ألما وحزنا، وكأنهم بذلك ينثرون الملح على جرحها؛ ليزداد التهابا، وتزداد هي معه توجُّعا واستلابا، وتتعمق الصورة أكثر حين تقول (ألمي مشاع/يُكتب على حوائط/أرى من يبصق عليه/من يضحك من يبكي/لم يكترث أحد بي) فتبدأ بتقرير واقع مؤلم، وهو أنه لم يعد أحد يحترم خصوصيتها؛ فقد اصبح المها مشاعا يتحدث عنه الجميع، وكأنها هي المرتكبة للأخطاء والقاتلة وليست القتيلة، ومن تعرضت للخداع والقهر والإغراق في دوامات الحزن، ثم تزيد الشاعرة هذا المعنى تأكيدا بقولها (يُكتب على حوائط) ببناء الفعل المضارع للمجهول؛ ليتوافق ذلك مع لفظ (مشاع) فهي لا تستطيع تحديد من يتناول تجربتها؛ لأنه الجميع يقوم بذلك في إشارة واضحة إلى انتهاك خصوصيتها، وتزيد ذلك وضوحا من خلال استخدام لفظ (حوائط) لتدل على الكثرة، أي كثرة من يتحدثون عن ألمها، وتنوع رؤاهم، فمنهم من يضحك مستهزئا، ومنهم من يبكي على حالها، ولكنهم جميعا ليسوا مكترثين بها ولا بألمها (لم يكترث أحد) ويأتي لفظ (أحد) ليحكم على الجميع – من يضحك ومن يبكي – بأنه غير مبال، ومن ثم فهم شركاء في الجريمة التي تعرضت لها منذ البداية، ولم تجد من ينصرها، أو حتى يتحدث عن مرتكب الجريمة، بل وجد من يدافع عنه وعما فعل، أما هي فقد سقطت فريسة لهذا المجتمع بشرائحه المختلفة يتناولون ألمها غير مكترثين بما تعاني، وبذلك يغلق المقطع الرابع الدلالة ليحكم بأنه لا خلاص لها ولا لغيرها من النساء من حالات الاستلاب والقهر والخداع، ولا نجاة من هذا المجتمع الذي ينصر الظالم والمخادع والقاهر على الضحية التي وقعت فريسة خداعه ومراوغته، ولم تكن تبحث إلا عن تجربة صادقة تجد فيها أمانها، وتعبر فيها عن مشاعرها، وتجد من الطرف الآخر استجابة واحتراما لمشاعرها، وتجد من المجتمع نصرة لها، واحتراما لخصوصيتها، ولكنها اكتشفت خداع الآخر/المحبوب، وتخلي المجتمع عنها، ووقوفه مع المخادع ضدها ذلك المراوغ الذي تتبعها حتى أوقعها في شباكه.
الرؤية الفكرية وتشابكات الدلالة:
تعدُّ الجملة (راقبت نبضة هربت باللوعة ورجعت لقلبي بالحنين) شاهدا واضحا على التشابك الدلالي بين الأنا الشاعرة والآخر، وقد أشرنا سابقا إلى إن التاء في الفعل (راقبت) يمكن ضبطها بالضمة وبالفتحة، فإذا ضبطت بالضمة أصبحت الدلالة منصرفة إلى الأنا الشاعرة؛ فهي التي راقبت نبضة هربت باللوعة، ومن ثم تصبح هذه الأنا غير قادرة على الفعل أو إيقاف الأثر السلبي لتلك التجربة، بل تبدو راغبة في الاستسلام؛ فهي تكتفي بالمراقبة ولا تفعل شيئا يوقف هذه النبضة التي هربت باللوعة، ولكنها عادت إلى قلبها محمَّلة بالحنين، وإذا ضبطت التاء بالفتحة فإن الدلالة تنصرف إلى الآخر الذي يراقب لوعة الأنا الشاعرة من خلال نبضاتها، ولكنه يكتفي بالمراقبة ولا يفعل شيئا يخفف عن هذه الأنا الشاعرة لوعتها، وهو يمتلك القدرة على فعل ذلك؛ لأنه الطرف الآخر الذي تكتمل به التجربة الشعورية، والتي تسعى الأنا الشاعرة إلى التمازج بين مشاعرهما، ولكنه يكتفي بالمراقبة، وقد تحمل المراقبة أكثر من دلالة إذا اكتفت الشاعرة بالوقوف عند هذه الجملة، ولكنها لم تكتفِ؛ كي تحمِّل المراقبة هنا الدلالة التي أرادتها في النص، وهي أن هذا الآخر كان يراقب من أجل ألا يتأثر بهذه اللوعة التي تحملها الأنا الشاعرة، والتي كانت بادية في كل تصرفاتها، وقد أكدت الشاعرة هذه الدلالة من خلال السطور التالية مباشرة (فاض الحزن/كاد أن يبلل حذاءك/تراجعت بكل خفة) عندما فاض الحزن وكاد أن يبلل حذاءه تراجع في خفة هربا من تحمل مسؤولية هذا الشعور لدى الأنا الشاعرة، وهو ما يؤكد أن المراقبة هنا كانت من أجل الابتعاد في اللحظة المناسبة دون تحمل مسؤولية التجربة أو فشلها، ومن ثم فإن التشابك الدلالي هنا يعبر عن تشابك آخر أكثر أهمية، يتمثل فيمن تقع عليه مسؤولية فشل التجربة، إن الضبط الإعرابي للتاء قد كشف عن التنازع بين الأنا والآخر في تحمل المسؤولية، فكل منهما يلقي بالمسؤولية على الآخر، ومن ثم جاء ضبط التاء معبِّرا عن ذلك، فالأنا الشاعرة ترى ضرورة ضبط التاء بالفتحة؛ لكي يتحمل الآخر مسؤولية الفشل، في حين يرى الآخر أن الأوفق هو ضبط التاء بالضمة؛ لكي يحمِّل الأنا الشاعرة مسؤولية هذا الفشل، وبذلك يكون التصوُّر النحوي منشئًا تصوُّرا ومعرفيًا، وموجِّهًا للدلالة، ودالا على المعنى المراد.
منظومة الاستلاب في النص:
قد يبدو للوهلة الأولى أن النص يعرض لقصة علاقة بين المرأة/الأنا الشاعرة والرجل/ الآخر، ولكن المتأمل للبناء الدرامي في النص وتموجاته يدرك أنه يتجاوز تلك النظرة الضيقة إلى أفق أوسع بكثير؛ فقد وجدنا النص ينتقل من الآخر/الرجل إلى الآخر المجتمع؛ إذ أوردت الشاعرة في المقطع الأول من القصيدة قولها (كحصاةٍ أمسكتَها وألقيتَها في مجرى الحزن/تستمتعُ برؤيةِ الدوامَّاتِ/لم تعبأ لغرقي) وهنا يتجلى الآخر/الرجل بملامحه الذكورية المتعارف عليها في مثل هذه المواقف، ويزداد هذا الحضور والتجلي حين تقول (فاض الحزن/كاد أن يبلل حذاءك/تراجعت بخفة/هنيئا لك) فلا شك أن الحديث هنا ينصبُّ على ذلك الرجل/الآخر الذي تخلى عن المرأة/الأنا الشاعرة، وهرب حين لاحت في الأفق بوادر تحمل المسؤولية، ولكن التطور الدرامي للنص ينتقل إلى زاوية أخرى حين تقول (كلما رتقتُ قلبي جاء من يفكُّ الرتق/من يجد لذته في الضغط عليه/من ينثر عليه الملح/لا يُسْمَعُ تأوُّهٌ أو يُرى دمعٌ/يدافع عن صياد الحزن بالجرح/ألمي مشاع/يكتب على حوائط/ أرى من يبصق عليه/من يبكي من يضحك/لم يكترث أحد بي/تبًا لي) فقد انتقلت الشاعرة من الآخر/الرجل إلى الآخر المجتمع في تطور درامي ملحوظ؛ لتكشف بذلك عن تجذُّر المشكلة في الذاكرة المجتمعية من خلال الانتصار لصياد الجرح بالحزن حينا، ونشر القصة على الحوائط ومنصات التواصل الاجتماعي، أو المنتديات الذكورية حينا، أو نثر الملح على الجرح حينا، أو من يجد لذته في الضغط على جرحها حينا، أو تناول مأساتها بصورة لا تليق بمعاناتها حينا إما بالضحك في إشارة إلى التندُّر أو البكاء، وهنا نجد أنفسنا أمام صورة مجتمعية مشوَّهة، فلا أحد ينتصر لها، وهنا تتجلى قضية المعاناة بملامحها المتنوعة في النص، وتتقاطع أشكالها ومحمولاتها الرمزية؛ لتشكل زاوية مهمة من زوايا الرؤية؛ فالنص يرسم صورا محددة، ويضعها في متن الرؤية، ويرسم استنطاقها الخطوط العريضة للرؤية الفكرية في النص، وهذا يعني أن منظومة الاستلاب التي يضعها النص في مركز الرؤية تتكون من عنصرين يتبادلان الموقع والفعل، وهما الآخر/الرجل، والآخر المجتمع، ولكننا لا نستطيع إهمال دور الأنا الشاعرة كأحد عناصر منظومة القهر من خلال استسلامها؛ لتكون حصاة في يد الآخر/الرجل يمسكها/يتحكم فيها، ثم يلقيها في مجرى الحزن، لتستسلم لقدرها الذي أراده لها الآخر/الرجل، وكذلك استسلامها للطرف الثاني من أطراف منظومة الاستلاب، وهو الآخر المجتمع؛ إذ إنها اكتفت بمجرد رصد الأحداث التي مارسها هذا المجتمع تجاهها متجاهلا إياه، ومتعديا على مشاعرها واختياراتها، ولم تملك الأنا الشاعرة سوى الحكي لما حدث لها، ولمعاناتها، ولا يبدو في النص ما يدل على أنها قد قاومت هذه النظرة المجتمعية لها بأي شكل من أشكال المقاومة، ولكنها اكتفت بإلقاء اللوم على نفسها في صورة دعاء مليء بالمرارة والعجز، والشعور بالاستلاب والقهر، وسوف نتوقف أمام هذه الملامح تفصيلا من خلال النص، ولكننا لابد من الإشارة في البداية وانطلاقا من هذه الرؤية، إلى أن الشخوص في القصيدة قد خرجت من صورتها الفيزيائية إلى صورة تجريدية – وتلك إحدى الملامح المميِّزة لقصيدة النثر – أنها تتخطى الشخصي إلى العام، وتتجاوز المتون التقليدية إلى الهوامش، وتجلبها إلى متن الرؤية؛ لتصنع بذلك متونا جديدة تتوافق مع الواقع المعاش، وتشابكات أحداثه بعيدا عن تهويمات الخيال، وهلامية الرؤى.
1 – السلطة الذكورية: وتتمثل هذه السلطة في الرجل/المحبوب، وقد بدأت الشاعرة نصها من حيث انتهت العلاقة بينهما؛ ليتوافق ذلك مع العنوان، فلم تتحدث عن بدايات العلاقة، ولا عن إغواءات السلطة الذكورية لها؛ كي تقع في حبائلها، ولكنها ابتدأت القصيدة بقولها (كحصاةٍ أمسكتَها وألقيتَها في مجرى الحزن/تستمتعُ برؤيةِ الدوامَّاتِ/لم تعبأ لغرقي) وهنا تتجلى الملامح المكثفة للسلطة الذكورية في مخيِّلة الأنا الشاعرة، فهذه السلطة ذات ثلاثة ملامح: السيطرة (أمسكتَها) ثم التخلي الاستغناء بعد السيطرة (ألقيتَها) ثم عدم الاكتراث بما آلت إليه نتائج هذا التخلي والاستغناء (لم تعبأ لغرقي) ويتعانق مع عدم الاكتراث صفة أخرى أشد قسوة، وهي الاستمتاع بمشاهد الغرق، وهنا تصل الأنا الشاعرة إلى النتيجة التي استنتجتها، وهي لوم نفسها؛ لأنها لم تكتشف الفخوخ التي نُصِبَتْ لها من قبل السلطة الذكورية/الرجل/ المحبوب، وهو ما يدل على أن العلاقة من جانبه لم تكن صادقة منذ البداية، وبذلك تفقد علاقة الحب قيمتها؛ فالطرف الأهم في هذه العلاقة/الرجل ينظر إليها على أنها مغامرة الهدف منها إثبات قدرته على التحكم في المرأة/الأنا الشاعرة ثم التخلي عنها، وهو ما يعبر بطريق غير مباشرة عن صدق الأنا الشاعرة في مشاعرها ورغبتها في استمرار هذه العلاقة مهما تحملت في سبيل ذلك من حزن وألم، وهنا يأتي لومها لذاتها (تبا لي) لا معنى له؛ لأنها كانت صادقة، ولكن الآخر كان على قدر كبير من الخداع والمراوغة بحيث استطاع التحكم فيها (أمسكتَها) والسيطرة على مشاعرها.
2 – السلطة المجتمعية: تتشكل السلطة المجتمعية من مجموعة هائلة من الأنسجة المتداخلة والمتراكمة عبر مئات السنين المتلاحقة، والتي تبلورت من خلالها منظومة قيم حاكمة لسيرورة المجتمع، ومتحكمة في تصرفات أفرادها، وقد تحدث تشققات في هذه السلطة المجتمعية نتيجة الاهتزازات التي تتعرض لها المجتمعات لأسباب مختلفة، ومن ثم فإن السلطة المجتمعية تمثل توجهات أفراد المجتمع تجاه قضايا معينة وأحداث محددة، ومن المفترض أن تحمي السلطة المجتمعية أفراد المجتمع ممن يعتدون عليهم إما بلومهم أو تقبيح أفعالهم وتسليط الضوء على ما يقومون به باعتباره مخالفا لمنظومة القيم الحاكمة للمجتمع والمتحكمة في تصرفات أفراده، ولكن السلطة المجتمعية في القصيدة قد بدت منحازة للصياد على حساب الفريسة، لتقدم الشاعرة بذلك تصورا لهذه السلطة منحازة لمن اخترق منظومة القيم فيها، وقد عبرت الشاعرة عن ذلك بقولها (كلما رتقت قلبي جاء من يفكُّ الرتق/من يجد لذته في الضغط عليه/من ينثر عليه الملح/لا يُسْمَعُ تأوُّهٌ أو يُرى دمعٌ/يدافع عن صياد الحزن بالجرح/ألمي مشاع/يكتب على حوائط/أرى من يبصق عليه/من يبكي من يضحك/لم يكترث أحد بي) ويمكن تقسيم النظرة المجتمعية لما آل إليه حال الأنا الشاعرة إلى عدة أقسام، والنظر إلى تجربتها من عدة زوايا:
هناك من يعيد فتح الجرح مرة أخرى (كلما رتقت قلبي جاء من يفكُّ الرتق) وفتق الرتق يمكن أن يُفهَم على أكثر من معنى، فمن المتلقين من يفهمه على أنه إعادة نصب الشباك حول الأنا الشاعرة للإيقاع بها مرة أخرى فريسة للعب بمشاعرها وإلقائها في مجرى الحزن، الاستمتاع برؤية الدوامات، ولا عبأ لغرقها، ومن المتلقين من يفهم فتق الرتق على أنه إعادة إحياء ذكرى التجربة الأولى بتذكير الشاعرة بها دائما، وأنها أخطأت وما كان لها أن تقع فريسة لاستغلال مشاعرها، ويتوافق ذلك مع قولها بعد الجملة السابقة مباشرة (من يجد لذته في الضغط عليه/ من ينثر عليه الملح) على أننا نرى أن من يفعل ذلك لا يفعله من قبيل النصيحة الخالصة والرفض لاستغلالها، والتلاعب بمشاعرها، ولكنه يفعل ذلك بهدف التلذذ بالضغط عليها، وكأنه نوع آخر من التنكيل بها وبمشاعرها، وقد أكَّدت الشاعرة ذلك بقولها (لا يُسْمَعُ تأوُّهٌ أو يُرى دمعٌ) لتعبر بذلك عن أن الهدف الأساسي هو السخرية منها، والتلذذ بنثر الملح على جرحها من أجل أن يزداد شعورها بالألم، دون الانتباه لما تعانيه؛ فهي تتألم بدون تأوُّه، وتبكي دون دموع، وهذا أشد أنواع المعاناة.
وهناك من يدافع عن الصياد الذي أوقع بها في شباكه، واستغل مشاعرها، وأوهمها بحبه، وصدق مشاعره، وهو في الحقيقة يتلاعب بها، وكلما حاولت الخروج من التجربة ازداد تلاعبه حتى سيطر عليها تماما، ثم القاها في دوامات الحزن والألم وهو يستمتع بما يرى دون أن يكترث أو يعبأ لغرقها (يدافع عن صياد الحزن بالجرح) ومن ثم فهي لا تجد نصيرا، أو مدافعا عنها، وهي بذلك تدين السلطة المجتمعية التي يُفترض أن تحمي المجتمع ومنظومة قيمه من أولئك المتلاعبين بها.
وهناك من ينشر قصتها، وتخذ منها عبرة لغيرها، وفي ذلك إهانة لها ولمشاعرها؛ فقد أصبح ألمها مشاعا (ألمي مشاع/يكتب على حوائط/أرى من يبصق عليه/من يبكي من يضحك/لم يكترث أحد بي) وفي هذا الجزء من القصيدة يتنوع النظر إلى ألمها، وما تعانيه، وفي جميع الأحوال هي توجهات سلبية؛ فهناك من يبصق على ألمها في إشارة إلى الاستهزاء بها وبمشاعرها، وهناك من يضحك على قصتها، وهناك من يبكي عليها، وكلهم لم يكترثوا، في إدانة واضحة من الشاعرة للمجتمع بجميع فئاته؛ إذ إنها لم تشر من قريب أو بعيد إلى أن أحدا تعاطف معها، أو حاول مواساتها أو حتى توجيه اللوم لمن اتخذها صيدا، ونصب شباكه حولها، وهو يعلم أنه يتلاعب بها وبمشاعرها.
لقد بدت السلطة المجتمعية مدانة تماما من وجهة نظر الشاعرة في إشارة إلى أن المجتمع لا يعترف للمرأة بالحب، وإن اعترف للرجل بذلك، ونسي أن العلاقة هي بين طرفين، فلا يمكن أن تكون علاقة شعورية من الرجل إلا إذا كانت هناك أنثى كطرف ثان للعلاقة، وهنا تبدو سلبية المجتمع تجاه المرأة.
3 – هل المقهور جزء من منظومة القهر والاستلاب؟ من الملاحظ أن الأنا الشاعرة بدت في القصيدة مستسلمة، تميل إلى الحكي دون أن تبدو منها أية إشارة إلى أنها حاولت أن تتمرد على الواقع الذي تعاني منه، أو السلطة الذكورية/الرجل/الآخر/ المحبوب حين بدا متلاعبا بمشاعرها، لاهيا بألمها، مستمتعا بدوامات الحزن وهي تغرق فيها، وقد مالت الأنا الشاعرة إلى الحكي، واستعطاف المتلقي، وقد بدا ذلك واضحا في قولها (أنا السمكة التي صادفت عصا موسى فشقتني نصفين/أنا البقرة الفاقع ألمها/ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها/أنا الصيد البريء/تعقبني الصياد أصابني في مقتلي/أُعَيَّرُ بجرحي كأنه سبة/لم أجرح نفسي يا قوم وكيف؟) إن الجمل تحمل الكثير من الألم، ولكنها أيضا تحمل الكثير من الاستعطاف للمتلقين، وقد يفشر البعض ذلك بأنها تشارك في القهر والاستلاب باستسلامها بهذا الشكل والاكتفاء بالحكي، ولكننا إذا أمعنا النظر في الشرائح المجتمعية التي عرضناها سابقا، وموقفها من تجربتها وعلاقتها من الآخر سنجد أن الحكي الذي تقوم بها الأنا الشاعرة هنا ليس استعطافا بقدر ما محاولة لتغيير وجهة نظر السلطة المجتمعية المسؤولة عن وصولها إلى هذا التردي من خلال تعاطفها مع صياد الحزن الذي نصب شباكه حولها، كما أن هذه السلطة إذا لم تظهر بعض شرائحها التعاطف مع الآخر فإنها تمارس نوعا آخر من الاستلاب وهو الاستهزاء بتجربتها حينا، والتلذذ بتجديد ألمها حينا آخر، وهنا تبدو معركة الأنا الشاعرة ليست مع الآخر/الرجل، ولكنها مع السلطة المجتمعية، ومن ثم فإنها تتوجَّه إليها بالحديث المنطقي؛ لإقناعها بتغيير تعاملها مع الأنثى ومشاعرها، وتجاربها الإنسانية، والنظر إليها على أن من حقها أن تمارس حياتها الإنسانية مثل الآخر/الرجل تماما، وبدت منطقية الحديث في قولها (لم أجرح نفسي يا قوم وكيف؟) بعد قولها (أُعَيَّرُ بجرحي كأنه سبة) ففي تعييرها بجرحها كأنه سبَّة إدانة للمجتمع الذي يعيِّرها بجرحها رغم أنها لم تجرح نفسها، ومن ثم كان الأولى أن يعاقبوا من جرحها بدلا من تعييرها بجرحها، وهي بذلك تعيد التأكيد على إدانة السلطة المجتمعية التي وصفت أفعالها تجاه المرأة بقولها (ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها) هي كلمات قاسية جدا، ولكنها تتناسب مع ردود أفعال تلك السلطة تجاه آلام المرأة ومعاناتها من الآخر، لتنهي الشاعرة حديثها بقولها المنطقي (لم أجرح نفسي يا قوم وكيف؟) وكأنها توجِّه أنظار السلطة المجتمعية إلى منطقية حديثها والبحث عمن جرحها؛ ليكتشفوا حقيقة معاناتها.
الثنائيات الضدية ودورها في إنتاج الدلالة:
تسيطر على النص مجموعة من الثنائيات الضدية التي تتحكم في إنتاج الدلالة، فمنذ اللحظة الأولى يخبرنا النص أننا أمام موقفين متضادين، كل واحد منهما يسير في اتجاه عكس الآخر تماما، ولا يمكن أن يلتقيا، وقد بدا ذلك على المستوى اللفظي في (تبًا لي – هنيئا لك) إن هذه الثنائية الضدية قد أنتجت مجموعة من المتواليات التابعة لها؛ إذ أنشأت أنا شاعرة صادقة، ولكنها منتهبة المشاعر، متلاعَب بها، ومقهورة من الآخر/الرجل ومن المجتمع كذلك، كما أنشأت آخر متلاعبا، ومستمتعا بهذا التلاعب، وغير عابئ بمعاناة الأنا الشاعرة، وقد رصد النص مجموعة من الألفاظ التي تكشف ملامح هذه الثنائية الضدية، ففي جانب الأنا الشاعرة وردت مجموعة من الألفاظ معبرة عن صدق التجربة، وبراءة الأنا الشاعرة (أنا السمكة – أنا الصيد البريء – أنا البقرة الفاقع ألمها – أرسلت همسة) وفي المقابل استخدم النص ألفاظا تعبر عن الطرف الآخر من الثنائية الضدية تبزر ملامحه (تستمتعُ برؤيةِ الدوامَّاتِ – لم تعبأ لغرقي – تبني قلاعًا من ورق – ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها – يجد لذته في الضغط عليه – ينثر عليه الملح – يدافع عن صياد الحزن بالجرح – يبصق عليه/الجرح – لم يكترث) ومن الملاحظ امتداد ملامح الآخر على مستوى فضاء النص بالقياس إلى حضور ملامح الأنا الشاعرة، وقد تحدثنا عن هذه الثنائيات الضدية بالتفصيل، وأثرها في إنتاج الدلالة أثناء حديثنا عن حركة المعنى في النص.
ومن الملاحظ أن هذه الثنائيات الضدية تكون الأنا الشاعرة طرفا فيها في كل مرة، ففي بداية النص كانت الثنائية الضدية متمثلة في الأنا الشاعرة/المرأة والآخر/الرجل، وهو ما عبَّرت عنه الشاعرة في المقطع الأول بقولها (تبــًّا لي – هنيئا لك) وفي المقطع الأخير كانت الثنائية الضدية متمثلة في الأنا الشاعرة/المرأة والآخر/المجتمع، وقد بدا ذلك على المستوى اللفظي ليُنشئ ثنائية ضدية على المستوى الدلالي، وقد بدا ذلك في قولها (كلما رتقت قلبي جاء من يفكُّ الرتق) فمن الواضح الثنائية الضدية في (رتقتُ – يفكُّ الرتق) وقد أدى ذلك إلى تصوُّر طرفين أحدهما يرتق والآخر يفكُّ الرتق في إشارة إلى أن الأنا الشاعرة تحاول أن تضمد جرحها الدامي، ولكنها تواجه بمن يريد لهذا الجرح أن يظل نازفا، وهو إلى كونه إدانة لشرائح مجتمعية فإنه توثيق لما آل إليه المجتمع من التخلي عن المرأة وتركها تواجه مصيرها، وتعاني وحدها دون أن تجد من يناصرها أو حتى يتركها ترتق جراحها، وفي قولها (أنا السمكة التي صادفت عصا موسى فشقتني نصفين) تتبدى الثنائية الضدية؛ فالسمكة تسبح في حرية، ولكنها تواجه من يشقها نصفين، أي يقضي عليها، فالعصا التي هي رمز للخلاص في قصة موسى – عليه السلام – أصبحت رمزا للقتل والتدمير هنا في القصيدة، فإذا كانت العصا قد شقَّت البحر إلى نصفين فصار كل نصف كالطود العظيم؛ لتخليص بني إسرائيل من فرعون وجنوده فإن العصا عند الشاعرة قد أصبحت أداة هلاك لها، ومعنى ذلك أن العصا قد أدَّت فعلين متواليين الأول تقييد حركتها؛ إذ إنها كانت تسبح في عالمها بحرية، وعندما هبطت العصا على الماء دمرت عالمها تماما، والثاني أنها قتلتها (شقتين نصفين) فبدلا من أن تشق البحر لتكون أداة خلاص قامت بشقِّها هي؛ لتكون أداة تدمير، وفي ذلك إشارة إلى أن تجربة الحب تحولت من أداة نجاة لها، فتعيش حياة هانئة إلى أداة تدمير لها ولعالمها، فأصبحت تعاني نتيجة هذه التجربة، وفي قولها (أنا الصيد البريء تعقبني الصياد أصابني في مقتلي) تبدو كذلك الثنائية الضدية؛ فهي تصوِّر طرفين أحدهما بريء والآخر يتعقبه لقتله، ومن المفروض أن يكون القتل للمذنب الذي ارتكب جريمة ما، ولكن الصيَّاد هنا يتعقب الصيد البريء، في إشارة إلى الظلم الواقع عليها، وفي لفظ (تعقبني) دلالة على المحاولات المتعددة لجعلها تعاني بكل وسيلة، وتتبعها، ورصد كل حركاتها وسكناتها؛ لمعرفة نقاط الضعف التي يمكن استغلالها، والنفاذ منها؛ لتشتدَّ معاناتها، ولا يندمل جرحها.
لقد كشفت الثنائيات الضدية في القصيدة عن ملامح طرفي الصراع، فهناك طرف مستهدف ضعيف/المرأة ينزف ولا أحد يهتم به، وطرف لاهٍ مستمتع بنزف الطرف الآخر، ولا يترك وسيلة إلا استخدمها لجعلها تعاني.
التشكيل البلاغي وإنتاج الدلالة:
سوف نتوقف في هذه الزاوية من الدراسة أمام بعض الصور البلاغية الواردة في النص لمحاولة اكتشاف علاقة تلك الصور بالإطار العام للرؤية التي أوضحناها سابقا، وكذلك علاقتها بالدلالة العامة للشخصيات/عناصر النص المحورية؛ فقد تعاضدت الآليات جميعا للكشف عن الرؤية المتخفية خلف العلاقات اللغوية، والانحيازات الجمالية في النص، وإذا كنا سنختار صورة بلاغية محورية فإننا سنتوقف مع بقية الصور البلاغية الواردة في الدائرة الدلالية للصورة المحورية؛ لبيان كيفية تعاضدها مع تلك الصورة المحورية في الكشف عن ملامح الرؤية والعلاقات المتشابكة بين هذه الصور كأنها شبكة موازية تماما لشبكة العلاقات اللغوية، ومن ذلك التشبيه في قولها (كحصاة أمسكتها وألقيتها في مجرى الحزن) فالمشبه هنا الأنا الشاعرة والمشبه به الحصاة وأداة التشبيه الكاف، والحصاة هي صغار الحجارة، وقيل هي صغار الحجارة بحجم البندق والحمص، وتشبيهها بالحصاة إشارة إلى القدرة على امتلاكها في اليد والتحكم فيها، ولكن الفعل المشار إليه في الجملة هو أمسكتها ثم ألقيتها، وهذا الفعل يقوم به الإنسان عادة عندما يكون في حالة من اللهو أو عدم الاهتمام فإنه يمسك ببعض الحصى من الأرض ثم يلقي بها في الهواء دون أن يهتم بما يفعل، ولا بنتائج ما يفعل؛ لأنها في الغالب لا يكون لهذا الفعل هدف محدد سوى التعبير عن عدم المبالاة، أو عدم الاهتمام، فإذا نقلنا هذه الصورة إلى النص فإن التشبيه هنا يشير إلى أن الآخر/الرجل/المحبوب قد سيطر على الأنا الشاعرة سيطرة تامة (أمسكتها) ولكنه ألقى بها دون اهتمام تعبيرا عن عدم المبالاة بما يفعل، ولا بنتائج ما يفعل، وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن الآخر/الرجل/المحبوب لم يختر الأنا الشاعرة اختيارا، ولكنه تصادف أن كانت هي التي في بؤرة الحدث، كما يتصادف أن يمسك ببعض الحصى، فهة لا يختار حصاة بعينها، ولكنه يقبض على حصاة من الأرض ويلقيها تعبيرا عن عدم اهتمامه، وهذا ما يتفق مع التشبيه الآخر في قولها (أنا السمكة التي صادفت عصا موسى فشقتني نصفين) ففي اللفظ (صادفت) دليل على أن الأمر كان مصادفة، أي أنها وقعت مصادفة في بؤرة الحدث، أو التجربة؛ فالجملة تدل على أنها كانت تعيش حياتها آمنة، ولكنها تصادفت أن قابلت هذا الرجل/الآخر/المحبوب فكانت الجراح التي تعاني منها، وكان تدميرها (شقَّتني نصفين) ويتوافق مع ذلك أيضا التشبيه التالي (أنا البقرة الفاقع ألمها ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها) فقد شبهت نفسها بالبقرة في إشارة إلى بقرة بني إسرائيل التي أشار إليها القرآن في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (البقرة، الآية 67) ومن المفروض أن تكون هذه البقرة أداة لإحياء الميت؛ لينطق باسم قاتله، أي أنها أداة لمعرفة الحقيقة، ولكنها اصبحت هنا في النص أداة لتدمير الشاعرة؛ إذ إنهم (ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها) لقد استخدمت الشاعرة التشبيه أداة لكشف معاناتها، كما لجأت إلى التناص من خلال استدعاء قصتي العصا والبقرة الواردتين في قصة موسى – عليه السلام – ولكنها استطاعت تطويع الدلالة للرؤية الفكرية التي تهيمن على النص بأكمله، ثم يأتي التشبيه الأخير (أنا الصيد البريء تعقبني الصياد أصابني في مقتلي) ليختم الدلالة ويكشف المعنى تماما من خلال وصف الأنا الشاعرة بأنها صيد في إشارة واضحة إلى أن الآخر/الرجل لم يكن ينظر إليها على أنها محبوبة ينبغي اخترام مشاعرها، ولكنه نظر إليها على أنها صيد ينبغي الإيقاع به؛ ليرى حيرته وهو يتلوى في الشباك باحثا عن مخرج دون جدوىٍ، وكل ذلك يتوافق مع بداية النص في قولها (تستمتعُ برؤيةِ الدوامَّاتِ لم تعبأ لغرقي) ومن ثم فإن الآليات المختلفة قد ساعدت في الكشف عن الرؤية الفكرية المتخفية، كما كانت التشبيهات كاشفة عن الدلالة بوضوح، ووقفت جنبا إلى جنب مع العلاقات اللغوية في الكشف عن الرؤية الفكرية للنص.
أما الدائرة البلاغية الثانية التي لجأت إليها الشاعرة فهي الاستعارة؛ فقد استندت إليها في الكشف عن رؤيتها، والبوح بما يعتمل في صدرها، وتتمركز الدائرة الاستعارية حول قولها (كان القمر يطل خجولًا من بين غيوم شرودي وأنت تبني قلاعًا من ورق) فهي تشتمل على ثلاث مشاهد، الأول القمر الذي يطل خجولا، والثاني غيوم شرود الأنا الشاعرة، والثالث الآخر/الرجل/ المحبوب وهو يبني قلاعا من ورق، وتعبر الاستعارات هنا عن الرؤى الفكرية المختلفة لكل طرف، كما تعبر عن رؤية الشاعرة نفسها للأحداث والشخصيات الفاعلين فيها، فالقمر يطل خجولا، وفي ذلك استعارة حيث شبهت الفكر بإنسان ووصفته بالخجل، وهي صفة إنسانية، أما شرودها فقد شبهته بالغيوم، وأما الآخر فقد شبهت الأحلام التي كان يبنها للأنا الشاعرة بالقلاع المصنوعة من الورق في إشارة إلى ضعفها وتهافتها، وأنها لن تكون قادرة على حمايتها من أية ريح يمكن أن تهب فضلا عن قدرتها على حمايتها/الأنا الشاعرة من العواصف التي قد تجتاح حياتها أو تهدد استقرارها، أما تشبيهها القمر بأنه يطل خجولا ففيه إشارة إلى أنه يبدو من وراء الغيوم باهتا، وكأنه يشاركها أحزانها التي تحاصرها، وقد اجتذبت هذه الدلالات مجموعة من الاستعارات لتتآزر في الكشف عن الدلالة، ومن ذلك قولها (فاض الحزن – رتقت قلبي – يفك الرتق) وهي استعارات تصور الأنا الشاعرة وتدور حول الكشف عن حالاتها المختلفة ، ويتوافق مع ذلك قولها (راقبت نبضة هربت باللوعة – رجعت لقلبي بالحنين) ففيها استعارتان؛ إذ شبهت النبضة بالإنسان الذي يهرب حاملا اللوعة، وشبهتها مرة أخرى بالإنسان الذي عاد حاملا الحنين، وفي الحالتين شبهت اللوعة والحنين بالشيء المادي الذي يُحْمَل، أما قولها (تستمتع برؤية الدوامات) فقد شبَّهت حزنها وآلامها، وما تعانيه من جراحات تحاصرها من كل جانب بالدوامات التي تغرق فيها، فتأخذها إلى القاع حيث لا فرار من الغرق، ولذلك قالت بعدها مباشرة (لم تعبأ لغرقي) وكلها استعارات مختارة بدقة للتعبير عن الحالة الشعورية للأنا الشاعرة وما تعانيه من آلام وجراح، وبذلك تكون الاستعارة كاشفة أيضا عن الرؤية الفكرية للنص.
أما الدائرة البلاغية الثالثة فهي الكناية، وقد جاءت هي الأخرى لترسم الملامح بدقة، وتعبر عن المشهد الدرامي في النص، وكاشفة عن مكنون النفس وما يعتلج فيها سواء عند الأنا الشاعرة، أو الآخر/الرجل/ المحبوب، ومن ذلك (مجرى الحزن – الدوامات – لم تعبأ لغرقي – فاض الحزن – يبلل حذاءك – تراجعت بكل خفة – جرح ارتطامي بالقاع – لم أجرح نفسي – ينثر عليه الملح – لا يُسْمَع تأوُّهٌ – صيَّاد الحزن – ألمي مشاع – يُكتب على حوائط – يبصق عليه – لم يكترث أحد) لقد عبرت الكنايات هنا عن ثلاثة عناصر، الأول الأنا الشاعرة، والثاني الآخر/الرجل/ا لمحبوب، والثالث الآخر/المجتمع، ففي وصف الأنا الشاعرة قالت ألمي مشاع، وهو تعبير عن انتشار قصتها، وافتضاح أمرها، والتندُّر عليها رغم أنها لم ترتكب خطأ، إذا اعتبر البعض أنها ارتكبت خطأ ما فإنه من الضروري أنا يكون الآخر/الرجل مشاركا لها في هذا الخطأ؛ لأنه الطرف الثاني في التجربة، ولكنها هي وحدها التي أشيع ألمها، أما هو لم يصبه شيء، وتستمر الشاعرة في الكشف عن ملامح الأنا الشاعرة في قولها (يُكتب على حوائط – يبصق عليه) في إشارة إلى أن افتضاح أمرها لم يقتصر على المعاناة التي تعرضت لها، ولكن ألمها صار مكتوبا على الحوائط في إشارة إلى أكثر من دلالة، فقد يدل لفظ (حوائط) على منصات التواصل الاجتماعي، وقد يدل على منتديات الرجال وتجمعاتهم، وقد يدل على المجالس المختلفة التي تحكى فيها القصص والحكايات، وفي كل الأحوال هي إشارة واضحة على الاستهانة بها وبمشاعرها، وأما الآخر/الرجل/المحبوب فقد كشفت الشاعرة عن ملامحه من خلال مجموعة من الكنايات التي أوردتها في النص، ومنها (لم تعبأ لغرقي – تراجعت بكل خفة) وهما يعبران عن حالتين مختلفتين وإن كانتا كاشفتين عن جانبين من جوانب شخصية الآخر/الرجل، أما الحالة الأولى فهي عدم الاكتراث بما تعانيه الأنا الشاعرة، وقد أكدت ذلك بقولها (تستمتع برؤية الدوامات) فعدم الاكتراث هنا يصاحبه الاستمتاع بآلامها وما تعانيه، ومن ثم جاء قولها (لم تعبأ لغرقي) متوافقا تماما مع شخصيته، وأما الحالة الثانية فهي الهروب وعدم تحمل المسؤولية على أفعاله؛ فهو الذي أوقع الأنا الشاعرة في شباكه منذ البداية ووعدها بالوعود البراقة التي لم تكن سوى قلاع من ورق (وأنت تبني قلاعا من ورق) وإذا كان هو الذي سعى إلى الإيقاع بها (تعقبني الصياد – صياد الحزن) فإن عليه أن يتحمل المسؤولية، ولكن الكناية هنا (تراجعت بكل خفة) قد كشفت عن تلاعبه بها، واستهانته بمشاعرها التي سعى جاهدا كي يتملكها، وعندما أذعنت له ألقى بها في دوامات الحزن، وتركها تعاني وحدها متسقا بذلك مع طبيعته النفسية، وتكوينه الفكري، أما العنصر الثالث من العناصر التي دارت حولها الكناية في النص فهو الآخر/المجتمع، وقد كان أشد قسوة من الآخر/الرجل؛ لأنه لم يضمد جراحها، فإذا كان الآخر/الرجل قد جرحها وتلاعب بها فإن الآخر المجتمع قد قسا عليها أكثر؛ فقد تنوعت أفاعيله بها (يدافع عن صياد الحزن بالجرح – كلما رتقت قلبي جاء من يفك الرتق – يجد لذته في الضغط عليه – من ينثر عليه الملح– من يبصق عليه – من يبكي – من يضحك – أُعَيَّر بجرحي – لم يكترث أحد بي) لقد كان الآخر/المجتمع أشد قسوة من الآخر/الرجل/المحبوب؛ لأن أفعاله كانت أشد تنوعا، وأكثر حدة تنكيلا بها؛ فهو قد دافع عن الظالم وظلمه فكان بذلك أشد قسوة؛ لأنه لم يكتف بأن تخلى عن الأنا الشاعرة، ولم يقف بجوارها لتستعيد حقها، ولكنه أمعن في ظلمها حين وقف مع الظالم، ودافع عن ظلمه، كما أنه أعاد إيلام الأنا الشاعرة (كلما رتقت قلبي جاء من يفك الرتق) ولها أكثر من دلالة فقد تكون دالة على تعييرها بتجربتها كأنها سبة، وهو ما عبَّر عنه النص صراحة (أُعَيَّر بجرحي كأنه سبَّةٌ) وقد تكون دالة على إعادة نصب الشباك لها مرة أخرى؛ لتقع فريسة لصيَّاد آخر يلهو بها وبمشاعرها، وقد تكون دالة على تذكيرها دائما بأنها أخطأت في أنها ربط مشاعرها بإنسان لاهٍ مستهتر تلاعب بها، وهكذا تتعدد دلالة الكناية هنا، ولكنها تعبر في كل الحالات عن إعادة فكِّ الرتق مرة أخرى؛ لتعاني من جديد، وكذلك تزداد قسوة الآخر/ المجتمع من خلال التندُّر بمعاناة الأنا الشاعرة (من يبصق علي – من يضحك) وفي النهاية تغلق الشاعرة الدلالة بقولها (لم يكترث أحد بي) في إشارة واضحة على إدانة الجميع. لقد ساعدت الصور التشبيهية والاستعارية والكنائية في النص في الكشف عن ملامح الدلالة التي عبَّرت عنها شبكة العلاقات اللغوية، وتحولت شبكة العلاقات البلاغية إلى معادل للعلاقات اللغوية في النص، وتآزرت معها في الكشف عن البنى الفكرية المنسوجة بعناية وإتقان، والتي تشكل في النهاية الرؤية الفكرية للنص، وهنا تضع الدراسة عصا الترحال لتكتفي بهذه الإشارات موقنة أن النص يشتمل على الكثير الذي يمكن قوله في هذا المجال.
تبـــًّا لي
حنان ماهر
كحصاةٍ أمسكتَها وألقيتَها في مجرى الحزن
تستمتعُ برؤيةِ الدوامَّاتِ
لم تعبأ لغرقي
تبًا لك
راقبت نبضة هربت باللوعة ورجعت لقلبي بالحنين
فاض الحزن..
كاد أن يبلل حذاءك
تراجعت بكل خفة
هنيئًا لك الهروب
كان القمر يطل خجولًا من بين غيوم شرودي
وأنت تبني قلاعًا من ورق
أرسلت همسة تناهي
لا تُنطق من شفتين
بل من جرح ارتطامي بالقاع
يا لحظي
أنا السمكة التي صادفت عصا موسى
فشقتني نصفين
أنا البقرة الفاقع ألمها
ذبحوها وسلخوها ما إن وجدوها
أنا الصيد البريء
تعقبني الصياد أصابني في مقتلي
أُعَيَّرُ بجرحي كأنه سبة
لم أجرح نفسي يا قوم وكيف؟
كلما رتقت قلبي جاء من يفكُّ الرتق
من يجد لذته في الضغط عليه
من ينثر عليه الملح
لا يُسْمَعُ تأوُّهٌ أو يُرى دمعٌ
يدافع عن صياد الحزن بالجرح
ألمي مشاع
يكتب على حوائط
أرى من يبصق عليه
من يبكي من يضحك
لم يكترث أحد بي
تبًا لي