بقلم/ حسام عبد القادر مقبل
“الحياة ذكريات جميلة وحزينة، سعيدة ومؤلمة، قد تكون مليئة بالإنجازات، أو بالإخفاقات.. وتبقى الصورة هي التي تسجل هذه الذكريات وتحتفظ لها لتصنع تاريخنا”.
سعيد سالم.. الأستاذ
في أوائل التسعينيات وأثناء الدراسة بقسم الإعلام بجامعة الإسكندرية، كنت أتدرب في جريدة الأيام، التي كانت تصدرها جامعة الإسكندرية ويرأس تحريرها الكاتب الصحفي الكبير محمد شاكر رحمه الله مدير مكتب الأخبار بالإسكندرية وقتها، وكانت تصدر كل أحد، وأخرجت أجيالا عديدة من الصحفيين، وكنت أنا وصديقي العزيز منير عتيبة دائما نشجع بعضنا البعض، ونقوم بالاشتراك في عمل تحقيقات أو حوارات صحفية وكانت تحتل مساحة كبيرة في صفحات جريدة الأيام، وهو ما كان يشعرنا بالسعادة الغامرة وإنجازاتنا الصحفية الكبيرة في رأينا وقتها.
وكان – وما زال- الأستاذ سعيد سالم الأديب الكبير، من نجوم الأدب في الإسكندرية ومصر بشكل عام، وقررنا أن نجري معه حوارا، وذهبنا إليه في منزله، واستقبلنا استقبالا جميلا، وكان سعيد بنا جدا، وبنشاطنا الصحفي، وعرف عن منير أيضا كتاباته الأدبية التي تحمس لها كثيرا، أجرينا الحوار وتم النشر، وكان هذا الحوار بداية صداقة كبيرة بيننا وبين الأستاذ سعيد سالم، صداقة بين التلاميذ والأستاذ، ودائما لما أذكر في أي تجمع أن الأستاذ سعيد سالم أستاذي، يندهش البعض ويتساءلون “كيف هو أستاذك؟.. هو أديب وأنت صحفي.. هو مهندس في الكيمياء وأنت خريج إعلام” فأضحك وأقول أن الأستاذية ليست أبدا شرط أن تكون في التخصص، هو أستاذي في الحياة، وفي أشياء عديدة، هو يعتبرني أنا ومنير أبناءه، وشعرت بهذا الشعور بقوة عندما سافرت إلى كندا، وكان غاضبا جدا مني أني سافرت وهاجرت، ودائما يسأل عني ويطمئن أني بخير، شعور جميل جدا يصلني رغم بعد المسافات الآن بيني وبينه.
وقد لا يتذكر الأستاذ سعيد سالم أبدا حوارنا معه لجريدة الأيام السكندرية، وأيضا لقاءنا معه عندما ذهبنا لمقابلة نجيب محفوظ في فندق سان ستيفانو القديم، حيث كان يلتقي أثناء الصيف بأصدقائه الحرافيش، وكان سعيد سالم واحدا منهم، والذي شجعنا على الحضور، وكنا – أنا ومنير- نشعر بالرهبة من الجلوس وسط كل هؤلاء النخبة من المثقفين ومعهم الكبير نجيب محفوظ.
وكان سعيد سالم يتابع جيدا رحلتنا سواء الأدبية مع منير أو الصحفية معي، وعندما أنشأنا دار نشر “الصديقان” في أواخر التسعينيات كان من المتحمسين لنا جدا، ونشر معنا كتاب أو أكثر.
ورغم أننا لم نكن نلتقي كثيرا إلا أنه كثيرا ما كان يزورني في مجلة أكتوبر أو مكتبة الإسكندرية، ويجلس معي يطمئن على أحوالي، وكان كثيرا ما يجدني غاضبا من موقف وأحكي له ويسدي لي النصيحة بكل إخلاص.
وسعدت بتنظيم أكثر من ندوة له عن مشواره الأدبي الكبير ورحلته في الأدب والحياة خلال معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، ومعرض دار المعارف للكتاب بالإسكندرية، شارك فيها كبار الكتاب والنقاد، وبعد لقاء من هذه اللقاءات طلبت منه إجراء حوار مطول معه لمجلة أكتوبر، فرحب وطلب مني أحدد الوقت والمكان، وفي كافتيريا مكتبة الإسكندرية الشهيرة أجريت الحوار معه والتقطنا الصور التي أعتز بها وأكتب عنها اليوم، وكان من أهم الحوارات التي أجريتها في حياتي الصحفية.
سعيد سالم بعيدا عن الألقاب، ابن بلد، الجدعنة والشهامة جزء أساسي في شخصيته وتشعر بها من تصرفاته أكثر من مجرد أقواله، لا يخاف أحد، يقول رأيه مهما كلفه هذا الرأي، ولست هنا في معرض تناول تاريخ سعيد سالم الأدبي أو استعراض الجوائز التي حصل عليها، لأن الحديث عن هذا يطول ويحتاج مقالات عديدة، ولكني أعرض جزءا بسيطا من شخصيته الاجتماعية وأستاذيته لكثير من الأجيال.
حسام عبد القادر مقبل – صورة في حدوتة