ساحة الإبداع

عبد الهادي شلا يكتب “فانوس” عــَازف الربَــابـَة

في نهاية الزقاق..بعد الانعطافة الأولى، وعلى الجهة اليُسرى باب متهالك، وبالكاد مما يحمل من رُقَع ٍخشبية يمكن لصبي أن يفتحه أو يُزحزحه كي يدخل إلى بيت ” أبو كامل “..

في حوش البيت.. الأوزات الصغيرات عن أكل بقايا قشر البطيخ والسباحة في الطشت الصدء و المرح بين عشر دجاجات، وديك يزهو بذيله الملون.. مـا توقـفت!!

غريب “ابو كامل ” فعلى بساطته وعمله منذ الفجر إلى المغرب في الفـُـــرن .. إلا ان له مزاجا خاصا ،ومتعـةَ نَفِسـهِ بتربية الطيور، وما استغرب أي من جيرانه حين عاد من الفُـرن يحمل على كتفه “جـِديا” صغيرا ليضيفه إلى مجموعته الخاصة من الطيور والدواجن التي يكتظ بها حوش البيت!!

في كل يوم خميس ، وبعد المغرب.. يتحسس ” فانوس ” طريقه إلى بيت أبو كامل، فهو رجل ضـرير، يغطي عيونه بنظارة سوداء ذراعهـا الأيسر مثبت بقطعة ” بلاستر “.. ذو بشرة سمراء ، بكوفية مجللة بخطوط سوداء.. يتعمم ، و سيقانه الضعيفة تبدو من قِصـَرِ قُمبـازه وهو يجر حذاءه البالي بقدمين مثقلتين.

أكثر الجيران بقدومه من ضربات عكازة الخشبي على جدران الزقاق الضيق يتحسس طريقه ..عرفوا
بينما ربابته العتيقة… تـأبـط!!

بكل قوته بعكازة على باب بيت ” أبو كامل ” ..طَـرَقَ

أبو كامل من داخل البيت أذِنَ له بالدخول، و هو يُعـاود الطـَرق مستنجدا أن يَفتح له الباب فما استطاع زحزحته ويده ألأخرى تتأبط الرَبـَابة..

“ابو كامل” من مجلسه على الحصير في ساحة البيت منه..ضحك..أنت عَجـَّزت وكبرت يا “فانوس”..مُداعـبــا!!

يأخذ ” فانوس” مكانه بجوار” أبو كامل” على الحصير البالية ، و ربابته إلى الجدار.. قد أســندهـا!!

هل البطات والدجاجات في القفص.. فانوس : ســأل ؟

إطمئن..فلن تعبث طيوري بربابتك يا فانوس..ألــــ !!! أبو كامل بكلمة بذيئة.. رمــاه

كل شيء معد للسهر حتى الفجر..الشاي والقهوة والسجائر ” الهِيشـَة ” تملأ مِحماس القهوة وشمامة كبيرة ..”أم كامل ” قطَّعَتـها ،بعد أن جهـزت العشاء من البادنجان والبطاطا المقلية وسلطة الدقة الغزاوية وطبق من الحمص وآخر من الفول السابح في زيت الزيتون..وفحلين بصـل!!

هل أحضرتي الطرشي والمخلل والفلفل الأحمر..فانوس سـألها ؟

حضرت لك ” الطَـفَحي ” ….أم كامل بعصبية.. أجـابته!!
ضَبـَط إيقاع ربـابته.. وعـَزَف

” فانوس ” على غير عادته الليلة… سـَلْطـَن!!

في الزقاق الضيق.. لا صوت سوى همس الجيران السهارى …فالصغار نيام فهي ليلة الجمعة !!

جــار ، من بعيد .. الله ينور عليك يا فانوس.. يا أعمى…هــتف !!
ابو كامل من مكانه..بكلمة بذيئة جدا.. جـاره قَـَـذَفَ!!

ليلة صيفية .. و” فانوس ” يشدو بقصة ابو زيد الهلالي والزيناتي خليفة، وعنترة ، وقيس، بعد أن أمر بالصلاة على النبي وآله وصحبه .. ، وأبحـر بالزقاق الضيق وأهله على ظهر ربابته بأنغامها الحنونة .

صوت جار قريب..ينصر دينك يا ” فانوس ” ..فتحت المواجع.. أين هم هؤلاء الرجـال رحمة الله عليهم؟؟!!

صوت الربابة مع نسيمات الليل الصيفي يسرح من بيت إلى بيت، وروايات ” فانوس ” تشق سكون الليل الهادئ، بينما همس الجيران وتسامرهم ..تراجـعَ ..إبتعد..إخـتفى….نــــاموا !!
لما ” ابو كامل ” في النوم .. غـَطَّ ، وشخيره عــلا..عن العزف..” فانوس ” توقــف .

أكمل يا “فانوس” الـــ..!!
بصوت خفيض يشبه الهمس” أبو كامل ” أمــره !!

حـَزَّ على الوتر مـرتين،ومـا زاد..”أبو كامل” مع الأوزات والدجاجات النائمات..الـرُز..أكَــل!!

في الصباح ” أبو كامل” زمجـر ولَعـن اليوم الذي تعرف على” فانوس ” ومن البيت..طــرده

و أشيائه وربابته..في وجهه ألقاها، بينما حذائه تحت إبطه، عن الباب الثقيل المتهالك كي يخرج إلى الزقـاق وينجو من غضب أبو كامل “فانوس ” .. تحــسس !!؟؟

ما الخــبر..ما الأمــر..جيرانه في الزقاق الضيق..ســألوا ؟

لا بد أنه مرة أخرى..فعلهــا !!

” فانوس ” في فراشه…. قد بـــالَ!!

عبد الهادى شلا

ساحة الإبداعأوبرا مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى