متولي بصل يكتب السيدة الأولى
عمل ُ زوجها في مبنى التنظيم والإدارة، أكسبهم مهابة واحتراما بين الجيران، في الحي القديم، بجوار مسجد النفيس؛ وكانت نظرات الحسد تلاحقها هي وزوجها وبناتها الثلاث في كل ذهاب وإياب، ومع أن حياتهم كانت تسير على وتيرة واحدة لا تتغير ولا تتبدل؛ إلا أن الشائعات التي تتناقلها الألسنة كانت تؤكد أن مكاسب زوجها من وراء منصبه الحساس والمهم كبيرة جدا !
تعودت أن تتجنب مخالطة جيرانها، وكذلك فعل زوجها؛ فلم يهتم قط بمصاحبة أي شخص من جيرانه؛ لدرجة أنه لا يعرف اسم أي واحد منهم، سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا! وعلى العكس كان الجميع يعرفون عنهم كل صغيرة وكبيرة؛ من كثرة مشاجراتهما معا ! فقد كانت مشاجراتهما شبه يومية، و استمرت حتى بعد وفاة أمه، ويبدو أن أسبابها أصبحت تنحصر في وجود أخته المعاقة، وإقامتها معهم في الشقة؛ فقد كانت تعتبر وجود هذه الأخت المريضة خطرا على مستقبل بناتها؛ فمن سيرحب بالزواج من فتاة لها عمة مجنونة !
أصبحت أكثر شراسة من ذي قبل، فلم تكن مستعدة للانتظار حتى وفاة أخته هي الأخرى؛ لتنفرد بمملكتها الصغيرة، وتشعر فيها بالأمان، رغم أن هذه المملكة لم تكن سوى شقة رغم أنها كبيرة المساحة إلا أنها قديمة جدا !
كثيرا ما كانت تحاول أن ترسم لنفسها صورة السيدة المهمة؛ زوجة الرجل المهم، وكذلك كان زوجها يحاول أن يضع نفسه في صورة جميلة، تليق بمنصبه المرموق الذي وصل فيه إلى درجة أنه لا يوجد بناء في دمياط مهما كبر أو صغر يمكن أن يرى النور إلا بعد الحصول على موافقته وتوقيعه شخصيا، ومن دون ذلك التوقيع يصبح هذا البناء في حكم العدم !
حاولا كثيرا ولكن سرعان ما كانت هذه الصورة المنمقة تهتز، وتصبح مشوشة بسبب مشاجراتهما التي لا تنتهي، وبسبب المشاكل التي تسببها أخته المعاقة، رغم أنها معظم الوقت حبيسة غرفتها !
وكم حاولت أن تقنع زوجها بأن يدخل أخته مصحة نفسية وعقلية؛ لكنه كان يرفض بإصرار، وكانت دائما تخوفه قائلة :
– يا حمدي البنات كبرت، وفي أي لحظة ستفاجأ بعريس يطلب يد واحدة منهن، ماذا سيكون رأيه عندما يرى أختك المجنونة ؟!
– يا سهام، أرجوك لا تقولي عنها مجنونة، هي معاقة ذهنيا، وليست مجنونة !
– مجنونة ومليون مجنونة؛ ألا ترى الفضائح التي تسببها لنا كل يوم، إنها لا تكف عن الصراخ من النافذة، ومعاكسة الرائح والغادي، إذا كنت لا تريد الاعتراف بهذا الأمر فأنت حر، ولكن حرام عليك تضر بناتك، وجود أختك سيبعد الخطاب والعرسان !
– الزواج قسمة ونصيب، وإن شاء الله سيكون نصيب بناتنا خيرا !
– قسمة ونصيب لكن نأخذ بالأسباب يا حمدي، ابنتنا الكبرى سارة أنهت دراستها منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك لم يتقدَّم لها أحد حتى الآن، وسلوى وسمية نفس الموضوع، مع إن كل واحدة منهن كسرت العشرين !
في كل مرة كان يؤكد لها أنه يعرف مصلحة بناته، وحريص عليهن، وفي نفس الوقت كان يصر على أن أخته خط أحمر، وأن خروجها من الشقة مستحيل !
تمسكه بوجودها معهم كان يثير جنونها؛ لدرجة أنها فكرت أكثر من مرة في التخلص منها، حتى إنها في صباح أحد الأيام بعد أن ذهب هو إلى عمله، وكانت البنات غارقات في النوم، تسللت إلى حجرة أخته، وتحايلت حتى خرجت بها من الشقة! كانت معظم المحلات في ذلك الوقت مغلقة، ذهبت بها إلى محطة القطار وهناك اشترت تذكرة ذهاب إلى القاهرة ولم تتركها إلا بعد أن تحرك بها القطار ثم عادت إلى الشقة في هدوء ونامت وكأن شيئا لم يحدث!
كانت تعرف أن القاهرة كبيرة وأن جميلة ستضيع في الزحام كانت تقول لنفسها وهي راقدة في سريرها :
– جميلة عبيطة ومجنونة، لسانها معلق، وكلامها غير مفهوم، وليس معها أي شيء يدل على شخصيتها أو عنوانها، أكيد هي لن تعود انتهت المشكلة الأزلية؛ حمدي سيحزن أسبوعا، وربما شهرا، لكنه في النهاية سينساها، وسنعيش حياتنا في هدوء مثل باقي الناس !
عاد زوجها في الثالثة عصرا كعادته، فوجدها هي والبنات غارقين في البكاء! أخبرته أنها عندما استيقظت من النوم اكتشفت اختفاء جميلة؛ وأنها خرجت هي والبنات للبحث عنها في الشوارع ولم يعثرن لها على أثر!
هاج وماج وخرج كالمجنون يبحث عنها؛ وانتصف الليل ولم يعد؛ فأصابها القلق والأرق ثم فوجئت بمكالمة هاتفية من المستشفى التخصصي تخبرها أن زوجها محجوز في العناية المركزة نتيجة إصابته بجلطة ! صرخت، ووقعت على الأرض منهارة، وهي لا تصدق ما قيل لها وارتفع نحيبها، وهي تقول بذهول :
– إلى كل هذه الدرجة تحب أختك ! لو كنت أنا التي اختفيت لما أصابك كل هذا الحزن .. .. جلطة .. .. إلى هذه الدرجة !
في المستشفى شعرت ببشاعة جريمتها، وهي ترى زوجها بين الحياة والموت، والخراطيم الصغيرة الدقيقة مغروسة في عنقه، وأجزاء من جسده، وهو غائب عن الوعي! حتى إنها فكرت أن تسافر إلى القاهرة، وتبحث عن جميلة، لتنقذه فقد كان يبدو كمن يعاني من سكرات الموت!
جاءتها مكالمة هاتفية على هاتف زوجها الذي كانت موظفة في قسم العناية قد سلمته لها، مع بعض المتعلقات الأخرى التي تخص زوجها، على الجانب الآخر سمعت صوتا جهوريا صك طبلة أذنها، وهو يبلغها أن جميلة عنده في الحفظ والصون، وأنه سيحضرها معه في الصباح في أول قطار قادم إلى دمياط، اندهشت وتساءلت كيف عرف صاحب الصوت رقم هاتف زوجها! وكيف عرف أن جميلة من دمياط! مستحيل تكون أخبرته؛ إنها لا تستطيع ذلك!
مع شروق شمس اليوم التالي، كانت تجلس على أحد مقاعد المحطة، حرصت ألا تحضر معها أحدا من بناتها، فقد كانت خائفة من أن تفهم البنات إشارات وكلمات جميلة، ويعلمن أن أمهن هي المسئولة عن كل ما حدث .
فوجئت بأن القادم مع جميلة امرأة وليس رجلا كما فهمت من الصوت الجهوري الأجش الذي كلمها ! امرأة خمسينية قوية جلست إلى جوارها بعدما أجلست جميلة؛ التي كانت تبدو في حالة يرثى لها! فاجأتها بصوتها الغليظ الغريب وهي تقول :
– بنتكم كانت واقعة في مصيبة ! كيف تتركونها وحدها؟! حرام عليكم؛ أولاد الحرام في كل مكان مثل الكلاب المسعورة !
– لا، هي ليست بنتنا، هي أخت زوجي الباشمهندس حمدي
– حمدي! الكلمة الوحيدة على لسانها حدي حدي يا حبيبتي كانت تنادي على أخيها !
– هو حضرتك من القاهرة ؟!
– لا حضرتي من طنطا !
– طنطا! هي نزلت في طنطا ؟!
– يا هانم، هي تعرف طنطا من طنط ؟! قلت لك أولاد الحرام في كل مكان، والله العظيم بنتكم كان زمانها في خبر كان.
– كلك شهامة، الحمد لله أنك وجدتها قبل أن يصيبها مكروه !
– مكروه ، يا هانم أنا كنت واقفة أمام الفرش، على رصيف المحطة، سمعت المحروسة تصرخ، وسنجة البلطجي يشدها من شعرها كالذبيحة، ويجرجرها أمامه، ولما تجمَّع الناس لنجدتها؛ ثار كالثور الهائج، وادعى أنها أخته، وأنه يريد أن يعيدها إلى البيت، وطبعا كل الخلق من خوفهم صدقوه !وحتى من لم يصدقه لم يستطع أن يفتح فمه ! لأنه بلطجي وفاجر !
– يا حبيبتي، الله يلعنه أكيد كانت نيته سوء !
– كانت نيته يغتصبها، وكان ممكن بعدها يقتلها، ويرميها؛ لكن والله العظيم ما هانت علي َّ، تركت الفرش، وقمت له، وخلصتها منه !
– لكن حضرتك قلت ِ أنه بلطجي، وأكيد سينتقم منك !
– بلطجي على نفسه يا هانم، معذورة لأنك لم تسمعي عني، أنا بفضل الله قدارة والناس كلها تعمل لي ألف حساب، ما يغرك مظهري! سبحان من حنن قلبي على بنتكم !
قبل أن تنصرف لتلحق بالقطار الذي سيعود بها إلى طنطا، أخرجت من ملابسها ورقة وسلمتها لها، وهي تقول :
– الورقة المكتوب فيها العنوان، ورقم التليفون كانت في القلب الموجود في العقد !
تذكرت أن حمدي كان حريصا على ألا يفارق هذا العقد رقبة أخته، كان دائما يصر على أن ترتديه !
في المستشفى مجرد أن رأى حمدي أخته؛ تحسنت حالته، وتماثل للشفاء سريعا، وكأن روحه قد عادت إليه من جديد!
عاد حمدي إلى البيت، وبدأت سهام تتقبل وجود جميلة على كره منها، بعدما رأته من تعلق زوجها بها، إنها لم تر في حياتها أخا يحب أخته كل هذا الحب ! وبدأت الأيام تمر وهي تحلم بطريقة تتخلص بها من هذه الشوكة المغروسة في حلقها، ولكن دون أن تسبب لزوجها أي ضرر أو أذى، واهتدت إلى أن أنسب طريقة لذلك هي تزويجها !
ولكنها عندما عرضت الأمر على حمدي؛ قابلها بالرفض الشديد! حاولت أن تقنعه بكل الطرق؛ فلم تفلح إلا عندما طلبت الطلاق؛ عندها أظهر لها الموافقة، وهو يقول لها بثقة :
– لا يوجد في هذا العالم إنسان عاقل سيفكر في الزواج من فتاة في الثانية والثلاثين بينما عمرها العقلي ست سنوات فقط معقول جميلة تتزوج .. .. جميلة إذا احتاجت تشرب تقول ( إمبو ) .. .. حرام عليك ِ يا سهام !
لم توهن كلماته من عزيمتها، وطافت بكل مكاتب تسهيل الزواج، وأنفقت الكثير من وقتها ومالها، ومرت شهور وهي تسعى ولكن بلا جدوى؛ حتى سمعت بالشيخة سندس إنها عجوز شبه مقيمة في جامع البحر الكبير، البعض يسميها الخاطبة، والبعض الآخر يسميها أم الحنة، ولكن الجميع ينادونها الشيخة سندس ! بلغت شهرتها الآفاق في لم الشمل، وتزويج من يبغي الزواج؛ لدرجة أن من يعرفونها يقولون عنها أنها تزوج العفريتة ! وكان هذا بالضبط ما تبحث عنه سهام .
قبل أن ينقضي الأسبوع، فوجئت ببركات الشيخة سندس تحل عليها، أخبرتها في الهاتف أنها وجدت ابن الحلال الذي يناسب جميلة، صحيح هو أصغر منها، فهو في السابعة والعشرين من عمره؛ إلا أنه حاصل على بكالوريوس ؛وكان سيكمل دراسته، ويحصل على الماجستير، والدكتوراه، ولكن القدر لم يمهله؛ صدمته سيارة وكانت نتيجة ذلك أن أصبح معاقا حيث تأثر مخه بدرجة كبيرة، وظهر ذلك في كلامه، وحركاته، وقالت لها إن له شقة في دمياط الجديدة جاهزة ومفروشة بأرقى الأثاث وأن أخته واسمها إيمان هي المسئولة عنه وسوف تحضر معه!
في الموعد المحدد فتحت الباب، وأخذت تتحرك في الشقة ذهابا وإيابا، وهي لا تصدق أن جميلة ستتزوج، ولم تهدأ دقات قلبها إلا عندما رأت بعينيها العريس الموعود يصعد درجات السلم بمساعدة أخته؛ استقبلتهما بحرارة وحفاوة شديدة، كما لو أنها تستقبل عريس ابنتها، ثم أدخلتهما حجرة الاستقبال، كان يعرج بساقه اليسرى، وذراعه اليمنى تتدلى بجانب جسده، وظهره محني بشكل ملفت، ويده السليمة ورقبته لا تكفان عن الاهتزاز، فيده ترتعش باستمرار، ورأسه تهتز بطريقة غريبة، ولكنه رغم كل هذا كان وسيم الوجه، طفولي الملامح،أجلسته أخته ثم جلست بجواره، وهي تقول :
– أخي أشرف العريس وأنا أخته إيمان أظن الشيخة سندس أخبرتكم بكل شيء !
– يا أهلا وسهلا يا أستاذ أشرف .. .. يا أهلا وسهلا يا أستاذة |إيمان .. .. تمام الشيخة بلغتني كل شيء.
وما أسرع ما دخلت الابنة الصغرى سمية ومعها عمتها جميلة في أبهى زينة ثم انسحبت لتلحق بأختيها المختبئتين وراء الباب تتابعان ما يدور بشغف! الكبرى سارة كانت تتعجب فالعريس رغم ما يبدو عليه من بلاهة وسذاجة إلا أنه كان وسيما جدا؛ لدرجة أنها قالت بتحسُّر :
– حظك نار يا عمتي، عريسك قمر !
أما سمية وسلوى فكانتا غارقتين في نوبة من الضحك مما يدور بين أشرف وجميلة !
مرت الأيام، وسهام تحاول بكل الطرق إتمام الزواج المرتقب، رغم ما يبديه زوجها من معارضة شديدة ! وفي إحدى الليالي بينما كان أشرف يجلس مع جميلة، وكانت أخته إيمان تجلس مع سهام، أراد أشرف أن يذهب إلى الحمام، فقامت أخته لتساعده حتى وصل باب الحمام، ونسيت أن تنتظره، وعادت لتكمل حديثها مع سهام، وعندما خرج أشرف لم يجد أخته ولم يفطن إلى العينين اللتين كانتا تتابعانه في صمت من وراء الستائر! كان بين الحمام وحجرة الاستقبال ممر طويل، وعلى الحائط بجوار باب الحمام مرآة كبيرة، وقف أمامها يعدل هندامه، وفجأة، فرد عموده الفقري، وحرك ذراعه التي لم يكن يحركها؛ ذهلت سارة وهي تراه يتحرك بكل سلاسة! إنه سليم، ذراعه، ساقه، كل شيء فيه سليم، فلماذا يمثل دور العاجز الأبله ؟!
أخبرت أمها بما رأته، ولكنها في البداية لم تصدق، وظنت أنها حيلة من زوجها، لإفشال الزواج، ولكنها عندما تبينت صدق ابنتها قالت لها وهي ترجوها :
– الموضوع عجيب، وغريب فعلا يا سارة، لكن أصلا أبوك رافض موضوع زواج عمتك، ولو أخبرناه بما قلته لي الآن ستظل عمتك في الشقة، ولن تتزوج أبدا أرجوك ِ يا حبيبتي لا تخبريه !
– لكن يا ماما، عريس الغبرة هذا لماذا يمثل دور العاجز العبيط؟! ثم إننا لم نر إلا أخته، أين باقي أهله أليس له أب أو أم وأين زوج أخته لماذا لا يأتي ؟!
– يا حبيبتي، المهم نخلص من جميلة، يتزوجها أولا وإذا ظهر إنه لص أو نصاب فهو الخسران !
– يا ماما، افرضي أنهم عصابة من عصابات تجارة الأعضاء .. .. لا، إنها في الأول والآخر عمتي أخت بابا، سأخبر أبي بكل شيء، لن أسمح بأن تكون عمتي المسكينة ضحية لهؤلاء النصابين !
في الزيارة التالية، بعدما جلس أشرف وأخته كالمعتاد، حرص حمدي أن يكون موجودا، وبعد أن دارت صينية الشاي بقليل، وبدأ مفعول المخدر يسري؛ قام حمدي بربط وتوثيق أشرف وأخته بالحبال التي كان قد أحضرها لهذا الغرض! وعندما أفاقا هددهما بأنه سيبلغ الشرطة إن لم يخبراه بالحقيقة، قالت إيمان وهي تحاول أن تخفي هلعها :
– من مصلحتك ألا تبلغ الشرطة لأنك وقتها أنت الذي ستدخل السجن وليس أنا أو أخي !
– أنا الذي سأدخل السجن! لماذا لأنني ربطتكما بعد أن عرفت أنكما عصابة من النصابين ؟!
– لا، ستدخل السجن لأنك موظف مرتشي !
هربت الدماء من وجهه، ولكنه حاول أن يتمالك نفسه، أمام زوجته وابنته الكبرى سارة، فقال لها :
– كنت أحسبكما عصابة تتاجر في الأعضاء، كما قالت ابنتي لكنني الآن فهمت ماذا تريدان من أختي، ولكن كيف عرفتما بهذا الأمر ؟!
– زوجي محاسب في نفس البنك الذي فتحت فيه حسابا باسم جميلة من سنين !
– يا مجرمين، يعني الزواج كان خطة لسرقة أموالي !
أصاب الذهول سهام وسارة اللتان كانتا تنظران إليه، وهما لا تصدقان ما يحدث، وفجأة صرخت سهام بحرقة :
– تضع أموالك في حساب أختك المجنونة، وتبخل على زوجتك وبناتك!
– يا مجنونة أنت ِ زوجتي، ولو وضعت المال في حسابك ستتم مصادرته، إذا تم اكتشاف أمري .. .. يا سهام، أنا عملت كل هذا من أجلك أنت والبنات، كله من أجل تأمين مستقبلكم !
– وكم يبلغ هذا المال يا حمدي؟
ردت إيمان بخبث :
– تحب أعرَّفها أنا .. .. يُستحسن تفكنا وتتركنا نرحل في سلام، وأحب أعرَّفك أن زوجي يعرف كل شيء، وإذا تأخرنا أكثر فسيبلغ الشرطة، صدقني، ستجد رجال الشرطة أمام باب شقتك إذا تأخرنا أكثر!
بعد أن كشف الجميع أوراقهم؛ خرج أشرف وأخته إيمان، وذهبا دون رجعة، لكنهما تركا شرخا كبيرا لا يمكن علاجه، أو إصلاحه، ولم يكن هذا الشرخ هو ما حدث بين حمدي وسهام بسبب الملايين التي يضعها في حساب جميلة، فقد كان قادرا على إرضاء زوجته بأن يضحي ببضعة ملايين يجعلها تحت تصرفها، لكن الشرخ الكبير الذي لم يفطن إليه أحد، كان هو الكسر الذي أصاب قلب جميلة، فهي رغم إعاقتها الواضحة، وعدم قدرتها على التعبير عن مشاعرها؛ إلا أن قلبها كان قد تعلَّق بأشرف، وأصبحت تنتظر قدومه بفارغ الصبر، وعندما انقطعت زياراته، وأغلقوا عليها باب حجرتها؛ حتى لا تستطيع الخروج للبحث عنه، أصابها حزن شديد؛ فامتنعت عن الطعام، وقلت حركتها، وساءت حالتها بصورة ملحوظة، وقبل انقضاء الشهر، حلَّقت روحها بسلام؛ وخلت الشقة أخيرا لسهام؛ لتصبح ولأول مرة السيدة الأولى في بيتها، ولكن العجيب أنه بعد وفاة جميلة، انتقلت الأسرة إلى رأس البر؛ وظهرت عليهم آيات الغنى والثراء حتى ظن من يعرفونهم أن جميلة قد أورثتهم تركة ضخمة !