ابتسمت وهي تمزق كشف حسابها البنكي
كان ما تبقى من ميراثها ينذر بحلول الأصفار،
انفضت جلستهما العائلية منذ قليل، تركوها ورحلوا آملين ان تحل مشكلاتها وترضي زوجها، هي الآن تصم اذنيها عن الفكرة القديمة، لن تسمع لنصيحتهم:(عيشي) ، مازالت صامتة،تفكر بهدوء، وهو غاضب لا يريد النظر في وجهها، صراخه وسط اخوتها بكل ما فعلته وتفعله لم يستحثها لترد، ليست المرة الأولى، فعند اختلافهما يبرز وجهه الآخر، يمزقها، دفاعا عن نفسه، تذكر ماكان يقوله منذ اربعين عاما، وقت أن كان قرانهما معقودا، يخرج الأسوأ وكأنه لا يدرك أنه يقضي على كل ما تبقى بدلا من أن يرممه، يصبح شرسا عدوانيا، كان يشكو من ماذا وقتها؟! لا تذكر، لكن الغريب في الأمر أنه كان يفعل ذلك بينما هي صاحبة الشكوى الأولى التي كانت تتطور إلى محاولات فاشلة للانفصال، في أسرة مقولتها الأشهر تعبيرا عن عدم امكانية الانفصال:
-جوازنا جواز مسلمين وطلاقنا طلاق مسيحيين
ألف سبب اجبرها على اتمام الزواج، لكنها دون شك أحبته، لا بأس، هي الآن زاهدة في المعركة، صارت أقدر على قراءة الشخصية بكل تجلياتها، تتأسف حين تنتابه نوبة السوقية،فهمت اخيرا أن شجاعتها ليست مفضلة مع شخص يخشى المواجهة، لكنها لم تفهم أبدا أنه اعتاد الكذب، نعم رجلها يكذب ويبرر الكذب لمن يكذب من أولاده، يدعي ان ردود فعلها عنيفة دائما، ولهذا يختبيء الجميع خلف الكذب الذي تكتشفه بمرور الوقت، عرفت لماذا تخسر معاركها، تذكرت كم مرة انحاز لأخطائهم، ولامها بشدة، وكم بذلت اقصى ما تستطيع لتثبت لهم انها ليست كما يقولون، اخيرا فهمت، لم يكن ينحاز لهم، كان في واقع الامر ينحاز لنفسه، يمحو عقله كل محاولاتها الفاشلة لاحتواء خيبتها فيهم ، تتنازل اكثر واكثر، تلغي عقلها،لتنفذ مايصر عليه، وفي كل مرة تدفع وحدها ثمن قرارات رجل لا يفكر في الغد، ولا يدخر جنيها، ولا يهتم كيف ستقتصد لمصاريف مدرسة اولادهما، أو برحلة ترفيهية، ولا يبالي إن مشي بحذاء مقطوع، عندما تنفق من مالها لا يحسب ولا يفكر، وعندما تنفق من ماله يكون. حريصا مدققا، لا ينظر إلى احتياحات السيدة التي تعيش في بيته، كانت في البداية تمازحه ، تطلب حقا على استحياء، لكنه ظل كما هو ،لا يلتفت، يعيش داخل راسه، وتعبش هي لتضبط ايقاع الحياة، جفف انوثتها، حتى انها تنظر إلى الوراء فلا ترى إلا ظلاما دامسا لنفق طويل ظلت تحفره طوال الوقت لتشق طريقها إلى النور، بينما يستمتع هو بما تحرزه من تقدم، ويلومها بعنف إذا ما أخطأت في امر وافقها عليه، تنظر إلى الأمام فتكتشف أنها لم تكن تقود عربتها كما ظنت طوال حياتها، فمن دفعوها دائما في طريق آخر كانوا حفنة مقربة من الجبناء.