دراسات ومقالات

ياسر عبد الرحمن يكتب صناعة النص بين مشاعر الغضب والحب

"بقايا جيل التسعينيات" لبريهان أحمد

اجتهدت الكاتبة فى مجموعتها القصصية الأولى (بقايا جيل التسعينيات) ، أن تقدم مشاهد متنوعة من الحياة أبطالها جيل يتراوح عمره من نهاية العشرينيات إلى نهاية الثلاثينيات؛ فهو جيل يمثل فترة معينة، فقد تعمدت الكاتبة حصر القضايا والبطولة لأشخاص فى جيل محدد.

وأول ما يظهر بالرواية هو أزمة العطاء، فأحيانا يكون العطاء غير محدود، كما فعلت البطلة (بسمة عمران ) فى قصة الجدار العازل، والتى بدأت بعرض حياة البطلة زمنيا بعد أن أدركت أن عطاءها لزوجها كل هذه السنوات هو عطاء لمن لا يستحق؛ فقد حرمها زوجها من الأمومة، بأن انهك جسدها بوسائل منع الحمل، وأيضا حرمها من اتمام دراستها وسخر طاقتها العلمية لخدمته لتجهيز أبحاثة ، ثم تزوج بأخرى بعدما أصبح طبيبا ناجحا ، فقط أعطت الكاتبة للبطلة فرصة لحياة جديدة، فتزوجت وتبنت طفلا وأكملت طريقها، ولكن الكيان النرجسي وهو البطل الموازي فلت بفعلته بعد أن سرق سنوات عمرها ثم تركها وأكمل حياته بسعادة، فبدا أن الكاتبة لم ترغب فى صناعة توازن حقيقى للنهاية وأنها اكتفت بنقل أحداث القصة من الواقع بتفاصيلها بلا تفعيل فني منها، أو تدخل فى الأحداث .

على العكس تماما، هو ماجرى فى قصة (الفيلا 106) إن فكرة غضب الكاتبة وتحيزها لمبادئها وأفكارها جعلها تحقق التوازن الكامل الذي يرضى ذاتها، وكشفت لنا كيف يحرك الغضب إتجاه النص، فرغم أن القصة تبدو كعرض حكاية (حدثت بالفعل كما وصفتها) تنتمى لعالم ماوراء الطبيعة لزوجان أقاما فى فيلا بمنطقة مهجورة ، فكان الزوج يرى شخصيات لا يراها أحد غيره ، ثم تقابل مع روح شريرة، لرجل حكى له كيف خانته زوجته وأنجبت طفلين رغم كونه عقيم فقتلها وانتحر، وتتصاعد الأحداث ليقتل سليم زوجته الشابة تحت تأثير هذا الكيان الشرير، رغم ان سليم كان هو المقصود بالانتقام، لأن حياته كانت قبل الزواج بها العديد من العلاقات النسائية وشرب الخمور والمخدرات، فكان نموذج مشابة للخائن الذى خان الكيان الشرير فكان قتله لزوجته جزء أول من الأنتقام ليُعتقل ثم يُعدم ولإصابته بالجنون توقفت محاكمته لكنه انتحر فى نهاية القصة وكان السرد مشوق والحوار سلس وحملت أحداث القصة العديد من المفاجآت

بريهان أحمد
بريهان أحمد

وهذا مابدا للقارئ ، مجرد علاقة بين روح شريرة تسكن المكان وبطل كان له ماضى سيء ، ولكن حين نعود لنظرية صناعة التوازنات التى ذكرتها آنفا ، ونبدأ فى تحليل المشهد ، سوف نرى الأمر بصورة مختلفة تماما؛ فغضب الكاتبة جعل البطل يتعرض لهذه الأحداث المرعبة ، وجعلت حياته تنتهى بهذا الشكل المأساوى ، فالبطل كان عربيدا فى حياته السابقة، ثم انتهى كل هذا بأن تزوج من فتاه صالحة تعرف القليل عن ماضيه وتسامحه ، ولكن المشكلة، إن الكاتبة ترفض أن تسامحه ، فكيف لرجل له ماضى سئ أن يتزوج بفتاه ذات تربية راقية من بيت عريق .

وقبل ان اتهم الكاتبة بالتنمر والعنصرية و الغضب غير المُبرر وبعدم القدرة على التسامح، توقفت لسببين مهمين …..
أولا :- تذكرت أنه لولا غضب الكاتبة، لما جاء هذا النص إلى الحياة، فهذا الكيان الشرير كان انعكاس لغضبها ، وأداة انتقام طاردت البطل (ذو الماضى السئ) إلى أن انتهى من الحياة بانتحاره ، فلو أن الكاتبة تسامحت لما كان لهذة القصة (الميتافيزيقية) أي وجود ، ولأصبحت مجموعتها تحتوى فقط على 9 قصص، وعدم وجود نص فى مستوى “الفيلا 106” يمثل خسارة فنية كبيرة للمجموعة، والتجربة كشفت لنا إن مشاعر الغضب صنعت قصة رائعة وتحقق بالغضب توازن مهم فى النص .

ثانيا :- حين نظرت بموضعية إلى المشهد قبل اتهامها بعدم التسامح ، قررت تغير منظور الرؤية وتبديل الأدوار فلو أن هناك امرأة سيئة لها ماضٍ ، وعاشت كل تفاصيل الحياة الماجنة ، ثم قررت أن تتزوج ، وتترك الماضى خلفها بلا رجعة ، فهل هناك رجل ؟ على هذا الكوكب قادر على مسامحتها ؟ حتى لو أقسمنا له جميعا انها سوف تكون مخلصة له ولن تعود الى أخطاء الماضي ، فهل يسامحها ؟… يقينا لا يغفر الرجل مثل هذه الأمور، ولا يتسامح بها مطلقا … نهائيا .. بتاتا. هى مسألة مبدأ غير قابلة للنقاش ، إذن لماذا لوم الكاتبة لكونها لم تتسامح مع البطل فهى ايضا لها مبادئ تغضب لها وترفض التسامح لأجلها وأستطيع تسمية هذا النص بالقصة التى صنعتها مشاعر الغضب وشكلتها مبادئ الكاتبة.

وعلى نفس الوتيرة ، ولكن مع حكاية واقعية عن الأسماء المستعارة فى الميديا ، وكيف تنشأ قصة حب ثم تشتعل وتتأجج المشاعر ثم …… يختفى الحساب بكل بساطة !! فمطرقة العدالة أصابت البطل (سامر) الذى تخلى عن حبيبته ، ورفض الزواج منها بحجة أن الزواج يقتل الحب ، ثم كذب وادعى انها تخلت عنه من أجل رجل آخر، فجاءت امرأة من العالم الإفتراضى ليتعلق بها ويحبها لدرجة الجنون ، ويلح عليها بالزواج فترفض، ثم اختفت تماما بإغلاق جميع حسابتها على النت لتكسر قلبة (الكاذب فى حبه سابقاً) والصادق فى حبه معها ، وتنتهى القصة انه بعد أن يأس ، يقرر أن يكتب عن تجربته ، ولكن هذة المرة يكتب الحقيقة، فهى تخلت عنه فعلاً وتركته جريحا مثلما فعل هو مع حبيبته الأولى، فمشاعر الغضب تُحرك النص وتصنع التوازنات وتضع البطل فى الموضع الذى يستحقة من الوجع والألم والحسرة، لأنه لم يشعر بألم الحبيبة التى تخلى عنها ولكن تعلم الدرس حين شعر هو بالألم .

وكما يصنع الغضب نصا جميلا فمشاعر الحب أيضا تستطيع ان تصنع نصاً جميلاً ، وهذا ما جرى فى قصة (ابن الأكرمين والزهايمر) فصنعت الكاتبة جدلية جميلة من الحب والعطاء، فى صورة علاقة انسانية رفيعة المستوى بين الحفيد (علي) وبين جده، فالجد رفض الزواج بعد وفاة زوجته ليرعى ابناءه، وقرر ترك البلد بعد وفاة إبنه المقرب اليه وزوجته ليعيش مع حفيده ويرعاه ، وكذلك عندما كبر الحفيد وأصبح طبيباً لم يجد زوجة تقبل بوجود جده فقرر “عدم الزواج” ورعاية جده ليرد له بعض العطاء ، فكان هو من حبّبه فى العلم والثقافة حتى فى الحب كان يوصية بحسن الإختيار وألا يجرح فتاه أو يخونها أو يتخلى عنها ، وعندما أصيب الجد بالزهايمر تحول النص الى مسار مختلف ، وقدمت الكاتبة للقارئ تفاصيل أعراض المرض ، ومايثر الدهشة ويجعلك تتساءل عن مصادر الكاتبة هو غزارة هذه التفاصيل، فهل عايشت مريض زهايمر فعلاً لترصد بدايات ظهوره ، والمواقف التى يعيشها المريض ، الى أن تغيب مساحات كبيرة من الذاكرة ويتم احتجازه بالمنزل وأيضا فكرة أن يتحول خطيب مفوه ، يملك مفاتيح العلوم التى تدهشك ، الى شخص يضل الطريق للعودة إلى المنزل ، رغم كونة يقف أمام مدخل العمارة التى بسكنها ، وتحولت مشكلة الحفيد إلى الشعور بالعجز عن رد الجميل لجده الذى رباه رغم أن طاقة الحب المشتعلة فى قلب الحفيد وحزنه على الجد كانت احد أجمل العطايا ، حتى لو بدت عديمة القيمة ، فمشاعر الحب هى التى كانت تحرك الأحداث فى هذا النص .


وناتى إلى عنصر مهم وهو أزمة العطاء فى المجموعة ، فبدأت الكاتبة بإهداء الكتاب إلى بعض اصحاب الفضل في ميلاد هذا العمل، ثم ذكرت إهداء إلى القارئ وهو الذى تحفظت عليه ، فالقارئ لم يقدم لها شيئا؛ بل على العكس القارئ مدين للكاتبة بسمو روحه وتفتح ذهنه بفضل رحلته التى عاشها بين سطور المجموعة القصصية ، وبصحبة أبطالها . ثم جاءت قصة (الجدار العازل ) لتكشف عن خيبة أمل البطلة التى أجزلت العطاء لزوجها ، بينما تخلى عنها فى النهاية ، وتزوج أخرى . وكذلك قصة (نأسف لعدم الرؤية ) وفيها كان البطل “إسلام” شاب كفيف يعمل بصحيفة ويصحح للبطلة “رحاب” أعمالها التى تُنشر فى الصحيفة ، بل ويقدم لها أفكارا ناجحة وجعلها تتقدم فى عملها ثم أدرك انها فقط تستغله ليساعدها .. وهذه القصة من أصعب القصص التى قدمتها الكاتبة لأنها قدمت تفاصيل حياة الشخص الكفيف كيف يعيش والصعوبات التي تواجهه فى الحياة خاصة مع عميان القلوب، وعن شعورة بالضيق لنظرة الأخرين له بالشفقة، ورغبته فى التحرر من مساعدة الناس، ومعاناته فى الخروج وعبور الطريق، وكشفت الكاتبة عن فكرة إحساسه بالألوان والورود ، فهو لا يملك بصر ولكن يملك بصيرة فائقة … والخالة كوثرفى قصة (الشيخة سلمى) التى ذهبت فى مغامرة غير محسوبة، وخاطرت بابنة اختها الصغيرة على أمل الإنجاب ، رغم كونها تعلم ان العيب ليس منها ، لكن قدمت نوعاً من العطاء “المغلوط” لإرضاء الزوج وأمه المؤمنين بالدجل والجهل وانتهت القصة بأن زوجها تزوج من أخرى ولم ينجب ، وهى تزوجت من آخر وأنجبت البنين والبنات … وكان العطاء فى قصة “ابن الأكرمين” هو الأجمل والأكثر توازناً ، وهو الوحيد الذى فض الأشتباك بين جدلية الإستحقاق من عدمه لنظرية العطاء.

ومن الظواهر اللافتة بالمجموعة هو استخدام تقنيات التكنولوجيا الحديثة ، ففى قصة “عابرة سبيل” كان البطل “سامر” وهو مؤلف قصص ورويات يتواصل مع البطلة “فاطيمة” عبر برنامج التواصل ” تويتر” ، وأحيانا كان التواصل بينهما يتم من خلال “فيس بوك” وهذه البرامج تمثل عالم افتراضى للتعارف وتبادل المعلومات والثقافات ، والبعض يسئ استغلالها فيستخدام حسابات مزيفة مثلما فعلت البطلة، كما ظهرت توظيف التكنولوجيا فى قصة “نأسف لانعدام الرؤية ” فكان “إسلام” يرسل المعلومات والدراسات إلى حبيبته “رحاب” عبر برنامج “واتس آب” ، وهو من أكثر البرامج استخداما فى حياتنا المعاصرة ، وكان الظهور الأكبر للتقنيات الحديثة داخل المجموعة من نصيب قصة “بقايا جيل التسعينيات” ، التى تحكى عن الصدمات التى لاقتها البطلة أثناء عملها بالصحافة فهى مهمومة بقضايا الوطن والحوادث التى مات فيها الآلاف نتيجة الإهمال ، وحين تكتب تجد من يعارضها ويرفض صراحتها فى الرأى ، وعانت الكثير من الأزمات منذ تخرجها فى كلية الإعلام ، فالجميع لا يتقبل “الصراحة” ويرفضون ان تقال الحقائق بلا تجميل ، فمنذ كانت طفلة وكتبت موضوع تعبير رائع بلا صور لعدم قدرتها على تحمل بشاعة الصور، فأعطاها المعلم نصف الدرجة لردها الصريح ، “رغم كون الرد بدا منطقيا له” …. وسبب تميز هذة القصة أن التكنولوجيا كانت فى المستقبل فجاءت فى شكل خيال علمى فكل صحفى أصبح له أرشيفه الخاص المحمول ويسمىI-journ) ) ( أى جورن ) تدخل من خلاله غرف العالم الإفتراضى ، سواء بتسجيل او ببث حى ، وتبدأ توجيه خطابك الإعلامى والذى كان تحت رقابة كيان من الذكاء الإصطناعى ، وكان لايسمح لها بالنشر، فهو يرفض اتهام المسؤلين بالتقصر، حتى لو كانت الحوادث او الجرائم فى عصور مضت ، واصبح الذكاء الأصطناعى يرفض “صراحة” ” الصحفية بيان” مثلما رفضها الكثيرون قبله بدءا بمعلم الفصل وهكذا رصدت البطلة أحداث كثيرة محلية ودولية ، ولم تتمكن من إيصال صوتها للعالم ليعرف الحقيقة .

والزمن فى المجموعة له طابع يصعب رصدة ، فجميع أحداث القصص تتدفق من (منطقة الذاكرة) أى من الماضى ، ويبدأ القص غالبا من الوقت الأخير، أى بعد انتهاء الصراعات والأزمات واستيعاب البطل او البطلة لطبيعة ما جرى ثم يبدأ “الرجوع فلاش باك” ” الى الماضى ليكشف للقارئ تفاصيل العلاقات الإنسانية والأزمات التى مر بها ، كما فى قصة (كفر الشيخة سلمى ) و (نأسف لانعدام الرؤية) و (جدار عازل) وأحيانا يحتوى النص على خطين متوازيين لعرض الحدث للقارئ ، لكل منهما زمن خاص فالكاتبة متمسكة بالكيان المثقف ، وبالتالى ظهر البطل الذى يكتب مذكرة أو رواية فى خط موازى لحكى الحدث ، فيجد القارئ البطل يحكى ويكتب مذكرات مثل ماجرى فى قصة (عابرة سبيل) أو يحكى ويقوم بتسجيل رواية مثل ماجرى فى قصة (الشرائط التسجيلية) أو يكتمل الجنون بروح الطفولة فيدخل البطل داخل الكتب ليستخرج التفاصيل مثلما جرى فى قصة ( الفتاه المسحورة) والتى احتوت على زمن واقعى عاشه الجد ، خارج المكتبة وزمن خيالى عاشته البطلة مع الجنية فى عالمها المسحور ، ومن أصعب التداخلات الزمنية فى النص ما جاء فى قصة (بقايا جيل التسعينيات) فكانت التحركات الزمنية إرتدادية ، كشفت من خلاله أحداث القصة فتحركت الكاتبة بين الماضى البعيد جدا والمستقبل البعيد ، ثم تعود اللى الماضى وهكذا ، حيث انها كانت ترغب فى نقل رسائل من الماضى إلى جيل المستقبل ليعرفوا ويتعلموا من الماضى، ولكن بدا ان المستقبل يحمل نفس أخطاء الماضى بكل تفاصيلها بدءا من فساد الإدارة وانتهاءً بعدم الرغبة فى الاعتراف بالخطأ أو التغير إلى الأفضل
ومما لاشك فيه هو امتلاك الكاتبة للجرأة فى طرح القضايا وامتلاكها ل “الصراحة” التى سببت لها الكثير من المشاكل وهى أيضا كيان مشاكس بالفطرة فنجدها تفتح النار على من يكتبون وتكاشفهم بكلمات قد تكون صحيحة جزئيا ، فتقول فى قصة “الليل مع فاطيمة ” ، والتى رفض البطل فيها الزواج من حبيبته ، ثم ادعى فى رواية أنه الضحية . فكتبت الكاتبة على لسان بطلها فى لحظة اعتراف خاطفة .(يبدو أننا ككتاب نكذب بكل صدق ونزيّف الحقائق بكل براعة ونحن المهزومون) وفى قصة بقايا جيل التسعينيات ، تحولت المشاكسة الى معركة دامية انهزمت البطلة فى جميع جولاتها ، لكن الكاتبة نجحت من خلال هذا العمل الفنى فى نشر رسالتها أمام الجميع . وفى قصة “الفيلا 106″ جعلت والد الزوجة التى قُتلت وزيرا وفسر ذلك سرعة تحرك إجراءات القبض على البطل . والقصة التى أثارت دهشتى فى جرأتها هي (حبال دايبة ) التى تحكى قصة حب بين فتاة مسلمة وشاب غير مسلم ، وطرح فكرة مدى تقبل المجتمع الشرقى لهذا النوع من العلاقات ، وهل يختلف الأمر فى المجتمع الغربى ، ولخطورة القضية تم معالجتها بذكاء فنى وبشكل حاسم من الكاتبة ، فقررت ” رقية ” السفر وقطع علاقتها “بفادى” نهائيا ، حيث انها علاقة غير مقبولة مجتمعيا ودينيا .

وانحازت الكاتبة لفكرة المرأة الحكيمة صاحبة العقل الراجح ، التى تبادر بحل الأزمات ، والتى واجهت الدجل والجهل فى قصة (كفر الشيخة سلمى) والتى قررت حتى لو “متأخر جدا” ان تهتم بنفسها وبدراستها ، كما حدث فى قصة (الجدار العازل) والتى قررت أن تتخلى عن حبها لانعدام المنطق فيه كما جرى فى قصة (حبال دايبة) والتى خدعت الكاتب الكاذب ولقنته درسا قاسيا قد يغير مسار حياته ، مثلما حدث فى قصة (عابرة سبيل) ولا ننسى البطلة الخارقة “بيان” التى واجهت العالم عبر الأزمان ، برغبتها الحكيمة فى تغير المستقبل من خلال التعلم من دروس الماضى ، وانتهت معركتها بمواجها كيان غير بشرى يحاربها بالوكالة عن البشر الميئوس فى تغير طبيعتهم الفاسدة ، ورغم هزيمتها انتصرت لها الكاتبة التى تعتبرالأب الروحى لكل ابطالها .
وجاءت العلاقات الإنسانية فى أغلب قصص المجموعة مريضة وغير سوية ، وغير قادرة على استيعاب أزمات الحياة ، فكانت تتأرجح بين التخلى عن الحبيب والكذب وتقمص دور الضحية وبين العطاء لمن لا يستحق مع وجود واضح لشخصيات نرجسية وأنانية ، ووصلت ازمة العلاقات الإنسانية المختلة إلى درجة القتل والسحروالخيانة والإستغلال بكل الطرق ، وبالمجموعة قصتان فقط بهما علاقات إنسانية سوية ، أعادت التوازن للحالة النفسية للقارئ ، وليس من قبيل الصدفة ان تكون القصتين بين الجد والحفيد … والجد أو الجدة هما أكبر مصدر لطاقة الحب الموجودة فى هذا العالم ، فجاءت القصتان تحملان الشعور الأصدق فى الحب والتضحية والإخلاص وكل المعانى النبيلة المفتقدة فى الحياة ، منها قصة (ابن الأكرمين والزهايمر) وقصة (الفتاة المسحورة) وفى القصتين كان الجد هو المعلم والصديق ، ومساحة الحنان التى تحتوى البطل. وفى هذة القصة الأخيرة استخدمت الكاتبة أدوات الكتابة للطفل فقدمت المعلومات حول الشوارع الشهيرة فى مصر والعالم العربى ، التى تحتوى على أعرق المكتبات وأجمل الكتب ، واستخدمت كلمة التعاويذ ، وهى التى تُقرأ على الكتب الأكثر قدما فتجعل القارئ لدية قدرة مختلفة عند قراءتها ، وذكرت ان كل شارع به مكتبات عريقة لديه كائنات سحرية تحرسة ، ففى تونس تحميه “الفراشات الحارسة” و بالمغرب تحميه “الثعالب الناطقة” ثم رافقتها جنية فى رحلة عبر الكتب ، “ولكى تنهى البطلة رحلتها عليها ان تقول كلمات مفيدة تعلمتها من قراءة الكتب ” فكل ماقدمته الكاتبة هى أدوات واساليب يحبها الطفل منها المغامرة والتشويق والرحلات وعالم الكائنات السحرية والمعلومات المتدفقة بسلاسة وبساطة . فبساطة الأسلوب من اهم أدوات الكتابة للطفل والكاتبة كانت تبث القيم وتقدم التوجيهات بأسلوب سردى مشوق ، ولغة بسيطة سهلة الإستيعاب ، وأعتقد ان هذا النص جاء كعزف منفرد يكشف عن موهبة مختلفة للكاتبة ، وأن لديها القدرة لتوجية خطاب ناجح للطفل هذا لو أرادت أن يكون لها تجربة مستقلة جديدة فى هذا المجال ، وهو نوع من أصعب الكتابات وأخطرها .
والخلاصة أن المجموعة القصصية قدمت نماذج انسانية رائعة ، أثارت الكثير من الجدل ، وطرحت العديد من القضايا ، وكل كلمة جاءت بهذة المجموعة تبشر بخطوات جيدة لكاتبة مبدعة قادمة على الطريق .

 أوبرا مصر  – دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى