إبراهيم الديب يكتب “صبحي”
“صبحي”
شاب تخطى الثلاثين عاماً لم يتزوج بعد، كلما فاتحه اصدقائه أو أحد أقاربه بإيعاز من والدته التي تتمنى اللعب مع اولاده قبل أن يتوفاها الله في موضوع الزواج، يعد بعدها صبحي الذي يتعلل بالانهماك المتواصل في العمل, لمحدثه في أمر زواجه أنه في القريب العاجل سيقدم على هذه الخطوة, من تلقاء نفسه، ويخبره أيضاً أنها مسألة وقت فقط، ولكنه بعد عدة مرات من التسويف، والمماطلة لم يفعل، أو حدث أحدا بأن هناك فتاة يتمناها أن تكون شريكة حياته، أو حتى لفتت نظره ،وأخبر غيره الإعجاب بها، ويبدو أنه لن يقدم على هذه الخطوة إلا بدفعه لذلك دفعا.
صبحي حاصل على دبلوم زراعة، أهلته خفة ظله وعلاقاته الاجتماعية وحضوره وسعة صدره، وقدرته على الحكي المتواصل لفترات طويلة من الوقت، دون ملل ممن يستمع إليه، إن لم يكن من يستمع مستمتعا بحديث صبحي المبهج المرح الجذاب، بأن يعمل واسطة أي سمسار عقارات أحياناً قطعة أرض لا بأس، يتوسط في بيع جاموسة ليس هناك مانع، أو موتوسيكل صينى ماشي الحال، أو ست جواز حمام ما يضرش، صبحي يبيع ويشتري في أي شيء ، حتى اشتهر بأن أغلب عملياته التجارية التي تتم على يديه شمال، في الحقيقة هذه الأمور لا تشغل بال صبحي على الاطلاق ولا تؤرق ضميره عملية الحلال والحرام من عدمه، أو أن يدعو له أحد الناس، أو يدعو عليه، لم يناقش صبحي هذه المعضلة الفقهية بينه وبين نفسه يوماً من الأيام، فهو يعبث بالحياة وهي أيضاً تعبث به وكأن هناك اتفاق بينهما على ذلك فهي ترضى منه عيوبه وهو مستمتع بعبثها به.
اجتمع في الفترة مجموعة من أقاربه وأصدقائه الذين يحاولون دفعه لعملية الزواج، بتوصية من والدته بعد أن أخبرتهم أن صبحي كسر أل الخامسة والثلاثين عاما وأنه لابد أن يتزوج قبل أن يزحف نحو الاربعين, ووقع اختيار المجموعة على فتاة متدينة منقبة تحافظ على عبادتها بعد أن اتفقوا فيما بينهم أنه لا صلاح لصبحي إلا بزوجة متدينة تصلح من استهتاره ليكون على بينه بالحلال والحرام بعد أن تفقهه في أمور دينه ،وبعد تحديد موعد مع عائلة الفتاة.
ارتدي صبحي أجمل الثياب برفقة المجموعة التي أقنعه أن يتقدم للفتاة تتقدم الجميع والدته وبعد الترحيب بهم والموافقة على صبحي انفض الجميع, لم يتبقى غير صبحي الذي اختلى بالفتاة بناء على طلبها من أجل مشاهدتها كما نص الشرع على ذلك, فهو لم يراها، من قبل ،أما والدته فكانت تنتظر مع أم العروسة في الخارج، فبدأت الفتاة بخطبة طويلة من الوعظ المباشر الذي يفهم منه أن صبحي شمال وفلوسه حرام، ومذنب ، وآثم كبير، وذكرت كثيراً أثناء خطبتها ابن حنبل، وابن تيمية ،وتلميذه ابن القيم الجوزية، مرورا بابن باز، وصبحي يستمع إليها بتأفف و حنق شديد, وهو يلعن في نفسه الساعة التي وافق فيها على فكرة الزواج من أصله، ولكن صبره على الفتاة من أجل أن يراها فطلب منها رفع النقاب وامعان النظر في وجهها لحظة واحدة، هم واقفاً على الفور قبل أن: يحمل الأربع علب حلويات فقالت له : ماذا حدث ولما حملت علب الحلوى، فقال لها وهو يهرول بهم باتجاه الباب: أصل فلوسهم حرام …
إبراهيم الديب