وداد أبوشنب تكتب ذاكرة أريكة
لا شيء في الجوار يعزز لدي نعمة النسيان المطلوبة، كل شيء يصيح ملء الذاكرة المنفتحة على أشد الجراح اتّساعا في روحي، أريكة تحدّق بي كطفل نسيته والدته من الطعام ومن حضنها!! أريكة تشربت روحَه ونفسَه وصدى أنينه، تنافسني لوعة الشوق ومعاناة الفقد وتنظر إليّ بعينيها الدامعتين دوما، تصيح بي كلما خطّت فرحةٌ مستعارة ملامحَ ابتسامة على وجهي، تجدّد في دواخلي لواعج الذكرى التي حاولتُ تلوينها بخيوط الحب والأمل ذخيرة لهذا اليوم.
لا شيء غير حديث أريكة التصقَ هو بها حدّ التوحّد، تسامرني ليلا بطيب الحديث، فإذا ما استسلمتُ لنسيم الذكريات العطرة، عادت لتنكأ جرحا غير مندمل، ولتعزف سيمفونية العتاب: كيف تضحكين والأماكن خاوية إلا من الذكريات!
الذكريات كالحياة كمزهرية ورود اصطناعية فرحتها مؤقتة جدا، وأثرها زائف جدا، لا يلبي معايير السعادة الحقيقية، رغم الرضى ورغم اليقين ورغم الأمل الساكن فينا على سبيل الحذر لا أكثر!! وعلى سبيل العبث لا أقل!!
كانت تلك الأريكة تسبِّح الله في الر؟واح والغدوِّ وتحمده وتحوقل وتنشر حولها ذبذبات إيمانية تشبعَتْ هي بها منذ زمن، ولسان حالها يقول: أنا ما رح أخلِّد بهالدنيا، كلنا إلى زوال!!
تتسلّل إليّ تلك الذبذبات وأحاول صدها بكل ما أوتيت من يقيني بالله، وألملم قديمي لأحفظه في بوتقة النسيان، علني أجد في ذلك شفاء لروحي المعنّاة ومواساة لأصداء المكان الرحيب الكئيب! فتنتفض الأريكة من زاويتها المتخمة بالأنين، -كأنه لم يرحل! – السبيل إلى النسيان وعد شائك مستحيل، وطريقٌ نحو الخيانة!
تهتز الأريكة كأنما تعدِّل جلسة من عليها، وتحدّق بي مليا، بعينيها المسحوبتين تنفث ألمها في روحي وتؤجِّج خافقي، تسرِّب عُقَدَ تأنيب الضمير إليّ عقدة عقدة! تكاد من حسرتها تصرخ لقلة حيلتها، ثم تدعوني لاستخدامها لملء المكان (الفراغ)!
دعوة مريبة، من ذات النبض المتلاحق، كنّا هي وأنا على طرفي نقيض، هي تشدّه إليها وتحتويه وتضمّه بأنانية غير اعتيادية، وأنا على الطرف الآخر أحاول دفعه إلى الحركة والتحرّر من الجلوس والركود.
أُدرك تماما أن دعوتها مغرضة كسائر نواياها ضدي، لأنّها لن تنسى يوم اقتلعتُه منها ليحيا من جديد..!! ذلك المشهد الذي لن تمحوه معاول النسيان، عالق بيني وبينها، وشيء ما يمنعني أنا صاحبة الرأي والنفوذ في هذا الحيز الصغير أن أتخلص منها! شيء يربطني به كما يربطها، ورغم التنافر بيننا، إلا أنّ الذاكرة واحدة، قناة إذا ما شُقّت، هوى كلانا في درك الخيانة أو العدم!!