أسيد الحوتري يكتب السحاب الذي جاء بطوفان الأقصى
عكف المحتل الصهيوني في السنوات الأخيرة، على خلق واقع جديد في القدس عموما عبر محاولته الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، وفي المسجد الأقصى خصوصا عن طريق عمله على تقسيم المسجد الأقصى مكانيا وزمانيا كما فعل بالضبط في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل الذي قسّمه المحتل إلى مسجد وكنيس لليهود.
لذلك كثف المستوطنون الصهاينة في الأعوام الماضية من اقتحاماتهم للمسجد الأقصى في أمكنة وأزمنة محددة، لإقامة صلوات تلمودية حتى يُبنى على هذا الأمر واقع جديد في المستقبل بحيث يتم اقتطاع جزء من المسجد الأقصى ليكون كنيسا لليهود، وليكون هذا الكنيس بؤرة توسّعيّة تسيطر لاحقا على كامل المسجد الأقصى، ليُهدم بعد ذلك، وليُشيّد على أنقاضه “هيكل سليمان” المزعوم، وهذا ليس بسر بل هو ما يردده المتطرفون الصهاينة جهارا نهارا وفي كل مناسبة.
إن الاعتداء على القدس الشريف وسكانه، وعلى المسجد الأقصى وزائريه وصل إلى ذروته في السنوات الأخيرة حين أصدرت المحكمة العليا للمحتل قرارا بإخلاء الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس، وحين قامت حركة استيطانية متطرفة في 18 مايو 2021، بتنظيم مسيرة كبيرة أطلقوا عليها “مسيرة الأعلام” أو “رقصة الأعلام” احتفالا باحتلال شطري مدينة القدس وفق التقويم اليهودي، حينها أعلن منظمو المسيرة عن رغبتهم باقتحام المسجد الأقصى، فقامت شرطة الاحتلال بإفراغ المسجد القِبْلِيّ من المصلين والمرابطين، وانتشرت في باحات الأقصى وعند أبوابه لتأمين اقتحام المسيرة له.
وفي محاولة منها لردع قطعان المستوطنين الصهاينة عن تدنيس أولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله الذي عرج منه إلى السماء، قامت حركة المقاومة الإسلامية في قطاع غزة بمنح مهلة للمحتل قدرها ساعة واحدة حتى تفض “مسيرة الأعلام” التي سعت إلى اقتحام المسجد الأقصى، لم يستجب العدو، فبدأت الحركة معركة أطلقت عليها “سيف القدس” أطلقت فيها المقاومة الصواريخ على بلدات العدو، فدوت صفارات الإنذار وانفضت “مسيرة الأعلام. كان مجموع ما أطلقته فصال المقاومة من غزة أربعة آلاف صاروخ، واستمرت المعركة لمدة أحد عشر يوما.
لم تتوقف اعتداءات الصهاينة على المسجد الأقصى والقدس والمقدسيين بعد معركة “سيف القدس”، بل استمر المحتل في مواصلة نهجه الرامي إلى تقسيم المسجد الأقصى مكانيًا وزمانيًا، ففي 15 من نيسان الموافق أبريل 2022، الموافق 14 رمضان 1443 هجريًا، قامت قوات الاحتلال باقتحام المسجد الأقصى مُستخدمة قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص الحي، مما أدى إلى إصابة 150 فلسطينيًا. وجاء هذا الاقتحام في أعقاب إعلان عدة منظمات دينية يهودية متطرفة عن نيتها إقامة شعائر دينية في باحة المسجد الأقصى بمناسبة عيد الفصح اليهودي، وعلى إثر هذا الاقتحام جرت اشتباكات استمرت 11 يومًا بين الفلسطينيين، في القدس والضفة الغربية وغزة، والاحتلال.
وترك المحتلُ، فلسطينيي الضفة الغربية عالقين في حالة شبه سلام، وفلسطينيين غزة غارقين في حالة شبه حرب دائمة خاضوا فيها عدة معارك مع المحتل وهي: معركة الفرقان “2008 / 2009″، واستمرت 23 يومًا، حجارة السجيل 2012، واستمرت 8 أيام، العصف المأكول 2014، واستمرت 51 يومًا، صيحة الفجر 2019 استمرت يومين، سيف القدس 2021، استمرت 11 يومًا، ومعركة وحدة الساحات 2022 التي استمرت يومين.
استشعرت حركات المقاومة الإسلامية في غزة أن خطرا عظيما بات يتهدد مدينة القدس والمسجد الأقصى خصوصا، والقضية الفلسطينية عموما، وذلك بسبب سيطرة اليمين المتطرف على مقاليد الحكم في كيان العدو، ومواصلة قطعان المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى تحت حماية الجيش، واستمرار الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى، والاعتداء على الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، ومواصلة حصار غزة منذ 2007.
لذلك قررت حركة المقاومة الإسلامية في غزة بدأ معركة أطلقت عليها “طوفان الأقصى”، استكمالا لمعركة “سيف القدس” التي بدأتها الحركة 2021، المعركة التي انتصرت بها الحركة لمدينة القدس وما تعرضت له من اعتداءات على المقدسيين وأملاكهم وعلى المسجد الأقصى.
وهكذا ستكون معركة “طوفان الأقصى” انتصارًا للمسجد الأقصى مرة أخرى عقب الاقتحامات التي تعرض لها عام 2022، كما وستعيد هذه المعركة القضية الفلسطينية إلى الأولويات العربية والإسلامية والعالمية ليعمل العالم بعدها على قيام دولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشريف وذلك لتجنب وقوع صراع جديد قد يكون له نتائج مدمرة على المنطقة وعلى العالم أجمع.