عباس محمود عامر حب الروح .. وتعدد الزيجات
تعقيبي على المقال الإسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل أ.د.أحمد فرحات بعنوان” الست هدى.. وعلى بك الكبير” :
الزواج الرباني الحقيقي هو حب الروح، وحب الروح هو أول رسالة ربانية من قبل كل الرسل؛ أنزلها الله بين آدم وحواء أيقونة في القلب لضمان إستمرار الحياة .
“وعصى آدم ربه فغوى” هل استطاع آدم أن يكره حواء رغم أن البعض أشار إلى أن حواء هي سر الغواية؟
– آدم عشق حواء لا لثرائها ولا لنسبها كما يحدث في عالمنا هذا؛ بل خلقها الله من ضلع آدم الأيسر أنثى جميلة لا لينفر منها بل ليعشقها؛ عشقها حقا لأنها أحالت له الحياة جنة؛ فكانت سيدة الأرض .
سيدة الأرض تحمل كل خصائص الأنوثة من جمال ورقة وعذوبة وعطر، ومشاعر فياضة من الروح بالحب والحنان والحنين؛ وثقافة تؤسس التفاهم؛ تنسج الفرح من رموش الحزن وتجعل الدموع لؤلؤة من البهجة.
بهذه الخصائص تجد المرأة الساقي المهتم الذي يشعر بها دائما ولا يتخلى عنها، فيسقيها مرارا وتكرارا بمشاعره ويحتويها؛ لتظل فيها الصحة والجمال والأنوثة مثل وردة يانعة ذات أوراق ملونة مدي الحياة.
هذه الخصائص هي رصيد المرأة في الحياة؛ لو فقدت خصائصها ذبلت؛ أصبحت عشبا تأكله الحيوانات؛ لا يسرها ولا ينفعها؛ بل يضرها لتظل يائسة من حياتها فتذبل رويدا رويدا..
المرأة لا تعشق إلا رجلا واحدا يكون نسيجا من أحلامها ومقترنا بروحها، وإذا تزوجت أكثر من مرة، ربما يرجع لظروفها الخاصة لأنها دائما تحتاج إلى رجل بجانبها يحمل معها أثقال الحياة .
والرجل يعشق إمرأة واحدة إذا أحب بعضهما حب الروح، وحافظت هي على خصائص الأنوثة لديها، فتظل الوحيدة معه للأبد .
وتعدد الأزواج كما في مسرحية “الست هدى” لأمير الشعراء أحمد شوقي، وتعدد الزوجات كما في مسلسل “عائلة الحاج متولي”؛ مثل هذه الزيجات لا تمت بحب الروح بصلة بل تحكمها الظروف المجتمعية وعلم النفس الفسيولوجي .
وفي أغلب الأحيان تفاجئنا هذه الزيجات المتعددة بنتائج سلبية على المجتمع تتمثل في التفكك الأسري، وتشرد الأطفال وانتشار الفساد والإنحراف والإجرام .
إثارة الفكر والمشاعر دائما تكون مضمون مقالاتك دكتورنا الجليل في كل مرة؛ لتفجر كل الكوامن في أغوار الروح؛ لتطرح كل ما هو جميل.
الشاعر.عباس محمود عامر
“مصر”
=================
الست هدى وعلى بك الكبير
مقال
د.أحمد فرحات
اعتن بسمعتك جيدا فستثبت لك الأيام أنها أغلى ما تملك!
هكذا أرادت الست هدى أن تصفع الرجال صفعة قوية لتثبت لهم أنها على قدر كبير من الوعي بطبيعتهم، ربما كانت على حق لأنها تزوحت-وهذا حق مشروع- لكنها ليست على حق إطلاقا في تعدد الأزواج والعلاقات بشكل مخيف ومرعب، وإنجاب البنات والبنين من سبعة أزواج مختلفين، فقد ظلمت أبناءها وبناتها، وقدمت للمجتمع أسرة مفككة متناحرة، يغلب عليها حب الشهوات والأنانية، والمغامرة غير المحسبوبة في إدراك طبيعة الأسرة المصرية.
أدرك شوقي بحس الشاعر المسرحي الكبير تفكك الأسرة المصرية، وضياع قيمها ومبادئها القائمة على الفطرة السليمة، وأهمية بناء البيت المصري على أسس المحبة والتفاهم بين الإخوة فجعل شخصية مسرحيته الملهاوية الست هدى تتزوج رجلا، وبعد أن تمل منه إما بالموت أو الكره أو عدم التفاهم فتنتقل إلى علاقة جديدة ينشأ عنها طفل بريء، ثم تنتقل إلى آحر لتقيم معه علاقة ينتج عنها طفل آخر، حتى أصبحت أسرة الست هدى في مهب الضياع والتشتت والكره وغرست في بناتها حب الشهوات والأنانية بحجة أن الزواج حق مشروع.. لها أن تتزوج متى شاءت فيسخر منها القارئ ويتعجب من امتلاك امرأة كل هذه القدرة الفذة لإنجاب أطفال مشوهين نفسيا، لا أب لهم.
إن المرأة التي تقدم على الزواج من رجال متعددين وإنجاب أطفال أبرياء فإنما تقدم للمجمتع عيبا أخلاقيا، وانحرافا اجتماعيا واضخا هي بمثابة قنبلة عنقودية متعددة الأذرع؛ فكل بنت من بناتها ستكوّن أسرة مفككة كأسرة أمها، وتنفخ فيهن سمومها الشهوانية القاتلة. فأنا لا أتصور امرأة تتعرض للطلاق خمس عشرة مرة من سبعة أزواج، والغريب أنها تبحث عن الثامن!
قدم شوقي الست هدى وفي ذهنه إصلاح المجتمع المصري من هذه الآفة السامة. كما قدم مسرحية علي بك الكبير، وهو أحد أعظم الشخصيات المملوكية في تاريخ مصر، وهو مجهول الأصل، وخضع لتربية عسكرية صارمة، وقد استطاع هذا الرجل أن يصل إلى منصب شيخ البلد، وأن يعزل الوالي العثماني على مصر، مستغلًا انشغال الخلافة العثمانية في حربها مع روسيا، كما استطاع القضاء على نفوذ خصومه، وأن يُحكِم قبضته على مصر بوجهيها القبلي والبحري، ولم يكتف فقط بذلك، بل ضم إليها كل من أرض الحجاز والشام، ولكن ما لبث أن ضاع منه ملكه بعد أن انقلب عليه محمد بك أبو الدهب ذراعه الأيمن، زوج ابنته.
وقد تناول شوقي الشخصية التاريخية في هذا العمل المسرحي الذي حمل اسمها باقتدار وتمكن .وفيها أوضح شوقي أصالة علي بك ووطنيته وأنه لم يستعن بجيوش روسية(المسيحية) ضد أبي الدهب الذي يمثل الخلافة الإسلامية، وناضل حتى مات جريحا في معركة الصالحية ضد أبي الدهب بمحافظة الشرقية في الثامن من مايو 1773م.