أخبار عاجلةدراسات ومقالات

عباس محمود عامر يكتب الشعر .. والشعراء

تعقيبي على المقال الأسبوعي للناقد الأكاديمي الجليل د.أحمد فرحات بعنوان “إلى الشعراء”
الشعر هو أحد الأدوات التي تزيح الغبار عن الروح؛ لتغيير المفاهيم الخاطئة والعالقة في الفكر الإنساني؛ من جراء النفس الأمارة التي زرعتها العادات والتقاليد والأعراف البالية في دواخل البشر .
والشعر بخصوصيته الجذابة له وظيفة مجتمعية؛ تشرح الفضيلة والجمال للخروج من الكبت والمتاعب إلى المثل العليا، وبحث القضايا في أغوار المشاعر، وتغيير السلوك الشائن الذي طال المجتمع؛ لإسعاد الناس بالسلام وبهجة الحياة.
والشعر لو لم يلمس الإحساس ويتفاعل معه لا يكون شعرا .
لذلك الشعر هو رسالة روحية تنبع من المشاعر، والمشاعر تكمن في الروح البشرية، فالروح هي التي تكتب الشاعر شعرا وقتما تشاء، وليس الشاعر الذي يكتب الشعر إذا كان شاعرا حقيقيا.
الشعر من قديم الزمان؛ أيام الفراعنة كان يكتب باللغة الهيروغليفية يعتمد على معيارين أساسيين هما الإحساس والإبداع لو فقد هاتين الخاصيتين لا يكون شعرا بل نثرا، أما المفردة اللغوية ماهي إلا آداة لتجسيد ما تبثه الروح من مشاعر تخرج على إيقاعات داخلية؛ تتناسق مع بعضها البعض بحروف ساكنة ومتحركة تكمن في شاعرية الشاعر؛ نتيجة توسع الشاعر في قراءاته وثقافته .
أما الذي يكتب طبقا لقوالب محددة ويسمى شعرا؛ يقع تحت إطار النظم فقط؛ ربما يخسر أهم معيارين للشعر وهما الإحساس والإبداع نتيجة التقيد التام والإلتزام بقواعد الشعر وقافيته والبلاغة الشكلية المرصعة، فالناظم الجيد يتلاعب باللغة والقافية لإحداث إيقاعات تفعيلية تجذب مسامع المتلقي ليس إلا، ومن وجهة نظري لا يأخذ النظم طبيعة الشعر الحقيقي .
والناظم لا يحتاج لموهبة جبارة؛ بل يحتاج إلى ثروة لغوية تعنيه على كتابة النظم والبلاغة، وكيفية تطويع اللغة طبقا للقواعد العروضية .


أحييك دكتورنا الجليل على إبراز قدرة النظم في تركيب القوافي؛ بما تتماشي مع القواعد العروضية لإحداث موسيقى تجذب المسامع . مقالك المائز أثار رؤية شخصية لماهية الشعر .
الشاعر.عباس محمود عامر
“مصر”
==============
إلي الشعراء
بقلم
د. أحمد فرحات
هنالك عدة أنماط للنظام التقفوي؛ نظام البيت الواحد والقافية الواحدة – كما هو معروف ومتبع في الشعر العربي القديم.
وهنالك نمط البيت الواحد من قافية واحدة، وسنطلق عليه القافية الأحادية، ثم يردفه الشاعر بشطر بيت من قافية مختلفة في مثل:
الصِّبا الحُلوُ والحبُّ والحُسنُ بين اليديْنْ
هــا هنـــا في ربيعِ الحياةِ نُرى مهجتينْ
في تـــصــافٍ يـــذيـــبُ الخــجـــلْ
* * *
أقبلـي يــا هـوايَ تُحييــكِ دنيا المنى
وامرحي بين روضي وهيا لِمرْحِ الهوى
نــتــغنَّـــى بــدنــيــــا الأمــــــلْ
وهناك نمط الثنائية المزدوجة، وهي أن يقسم الشاعر قصيدته بيتين بيتين، كل بيتين لهما قافية معينة، وداخل البيتين يلتزم الشاعر بالقافية الداخلية، وتكون موافقة لما قبلها، وذلك في مثل:
رحماكَ يا قدري وقد طالَ السُّرَى والقلبُ ظمآنٌ، وروحي حــائرهْ
وأعيشُ وحدي باحثا علِّــي أرى طيفَ الحقيقةِ في الرِّحابِ الطاهرهْ
* * *
حيثُ التعبُّدُ للجَمـالِ الخالـــدِ للواهبِ الأسمى: مصوره القديرْ
هو سرُّ يَنبوع الضميرِ العابـــدِ ومنارُ حقلي والقداســةِ و العـبيرْ .
وقد يلجأ الشاعر إلى نمط آخر؛ وهو نمط الثلاثيات المزدوجة التي يتم فيها بناء المقاطع في صورة ثلاثة أبيات تتحد قافية الأشطر الأولى منها، وتأخذ الأشطر الثانية قافية متحدة أخرى في مثل:
لمن أَهــديكَ يا قلـبي و أُهديهــا هذا الشِّعرِ أم للفجرِ اُبديها ؟
فهيَّــا زهـــرة الأيــام نَرويهــا دنيــا الفن قرباناً.. ونفــديها
ويـا مَن روعــةُ الأقدار تحدوها خيـالاتٌ… ستهدينا ونهديها
وقد يلجأ الشاعر إلى نظام الرباعيات المزدوجة، وهي التي يتم فيها بناء المقاطع في صورة أربعة أبيات تتحد قافية الأشطر الأولى منها، وتأخذ الأشطر الثانية قافية متحدة أخرى. مثل قوله :
أيْ ملاكَ الروحِ هُبي مِن سُباتك
شاركيني العمر تحلو فيه كأسي
عشتِ في فكري، وحسي في ارتقابك
أسألُ الأوهامَ و الدنيا ونفسي
هذه حواءُ تغدو في إهــابك
كلُّ حواء أراها قيـد رجسِ
لم يكن لي منكِ حـتى ارتعاشك
ضلَّ عنكِ الحبُّ يا أوهامَ حسي
وأحياناً يلجأ الشاعر إلى القوافي المتعانقة، (حيث تتفق قافية البيت مع قافية البيت الذي بعده، أو القوافي المتقاطعة، حيث تتفق قافيته مع قافية البيت التالي لما بعده، أو القوافي المستقلة التي لا تماثل بينها على الإطلاق ففي المقطوعة الأولى نجد أربعة أبيات، البيت الأول والثالث بقافية، والبيت الثاني والرابع بقافية مغايرة، وهكذا في باقي مقاطع القصيدة التي تصل إلى ثمانية وأربعين بيتا، وهذا ما يسمى بالقوافي المتقاطعة، مثل:
أَوَ كُلَّمَـا غَرقَـتْ حَـيَـاتي فـي الـرُّبـا
وهَـزَزْتُ أَحْـلامِــي لِأَعْتَـنِقَ الـزّهَـرْ
وَلَقِيْـتُ فـي رُؤْيَـاكِ مُعْـتَـرَكَ السَّنا
وَهَمَمْـتُ أَلْتَهِـمُ الضِّـياءَ مِنَ القَمَرْ
وإذا كانت المقطوعات الأحادية والثنائية والرباعية تلجأ إلى التقفية المزدوجة لصدور الأبيات وأعجازها، فإن المقاطع التي تزيد عدد أبياتها عن أربعة تلجأ إلى التقفية المستقلة مثل:
في المساء الحزينِ الكئيبِ، وعينُ الدجى ساجيــة
والأسى يغمر الكونَ والقلبَ والمهجةَ الشاكيـــةْ
والصدى يندبُ الحبَّ والطُهرَ بين الرُّؤى العارية.

أوبرا مصر – دراسات ومقالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى