الأديبة الجزائرية خديجة مسروق تكتب ظهور الرواية في الوطن العربي
عرفت الرواية طريقها إلى الوطن العربي بوساطة كتاب راهنوا على نجاح هذا الفن, قاموا بزرع هذه البذرة في تربة غير تربتها الأصلية , فأينعت و أثمرت .وأصبحت لها مكانة كبيرة . هؤلاء الكتاب تعرفوا على جنس الرواية عن طريق احتكاكهم بحضارة الغرب و تأثرهم بالأدب الغربي .فخاضوا تجربة الكتابة الروائية , و كانوا قد بدأوا مشوارهم الإبداعي بترجمتهم للأدب الأجنبي.
فكيف كان ظهور الرواية بالوطن العربي ؟ ومن كان له السبق إلى ذلك ومتى كان ؟
لم تظهر الرواية في البلدان العربية في زمن واحد . ظهرت مبكرا في بعض البلاد و تأخر ظهورها كثيرا في بلدان أخرى .و يعود ذلك إلى نسبة انفتاح بعض البلدان على حضارة الغرب , ومدى تأثر كتابها بأدب غيرهم من الغربيين .و تحفظ بعضهم على أدب الغرب , ووقوفهم موقفا سلبيا أمام ثقافة الآخر , على اعتبار أنها ثقافة دخيلة يمكن أن تخلخل ثوابت الهوية العربية .
يذهب أغلب الباحثين في نشأة الرواية في الوطن العربي , بأن لبنان كانت الدولة العربية السباقة لاحتضان هذا الفن ,ثم تلته سورية . فالمعروف ان لبنان أكبر الدول العربية إنفتاحا على حضارة الغرب . وتعد مهبطا للأدباء من جميع أنحاء الكرة الأرضية , منذ قديم الزمان .
في العام 1859 الكاتب اللبناني خليل الخوري كتب روايته ‘ وي ..إذن أنا لست افرنجيا ‘ , ثم نشر الكاتب السوري فرنسيس فتح الله مراش في العام 1865روايته ‘ غابة الحق ‘ .و يمكن القول بأن هذه المرحلة تعد مرحلة تأسيسية للفن الروائي بالوطن العربي .
إلى أن ظهر حسين هيكل في مصر بروايته الخالدة , فكان ميلاد رواية ‘ زينب ‘ التي كتبها في العام 1914 , التي يجمع أغلب الدارسين و النقاد على إنها أول رواية عرفها الأدب العربي . و يمكن أن نطلق على هذه المرحلة بالمرحلة التأصيلية لفن الرواية عند العرب .و منذ ذلك الحين بدأت عدوى انتشار كتابة الرواية في البلاد العربية .وتعرف القاريءعلى هذا الجنس الأدبي الجديد الوافد من بلاد الغرب , وأعجب به كثيرا .
وقد عرف المشرق العربي فن الرواية كما ذكرنا في بداية المقال قبل المغرب العربي بسنوات طويلة .لأسباب أبرزها يعود إلى الاستعمار الذي ظل جاثما على أنفاس شعوب منطقة المغرب العربي , وتأخر خروجه من هذه الأراضي , الذي عطل حركة التطور العلمي و الثقافي بها إلى زمن طويل .
فقد ظهرت الرواية في فلسطين في العام 1920 .حيث أصدر الكاتب خليل بيدس أول رواية في هذا العام بعنوان ‘ الوارث ‘ , بعد حركة كبيرة من الترجمة لنصوص روائية أجنبية عرفها الأدب الفلسطيني .و في العراق يعد الكاتب محمود أحمد السيد رائدا للقصة العراقية . حيث كتب في العام 1927رواية بعنوان ‘ جلال خالد ‘ . وهي سردية تتعلق بمذكرات صديقه , إلى جانب سيرته الشخصية . وكان قد استعمل المؤلف مصطلح القصة تعبيرا على سرديته لتحديد جنسها , ويقصد بها جنس الرواية .و في العام نفسه ‘ 1927’ صدرت أول رواية في اليمن بعنوان ‘ فتاة قاروت ‘ للكاتب اليمني أحمد عبد الله السقاف .و قد أثار بعض النقاد اليمنيين سجالا حول هوية هذه الرواية , باعتبارها كتبت في المهجر ــ كتبها في اندونيسيا ــ فميلادها في بيئة خارجية يجعلها من أدب المهجر , و لا يحق تصنيفها كرواية يمنية . و اعتبروا رواية ‘ سعيد’ للكاتب اليمني محمد علي لقمان التي صدرت العام 1939 أول نص روائي يمني أصيل يولد على أرض اليمن ..
و عدت رواية ‘ نهم للكاتب السوري شكيب الجابري التي صدرت العام 1937 ,أول رواية فنية سورية , ذات طابع رومانسي . و عرفت المملكة السعودية فن الرواية في الخمسينيات من القرن الماضي , على يد الكاتب أحمد بن حسين دمنهوري , الذي كتب رواية ‘ ثمن التضحية ‘ العام 1959 التي اعتبرت أول رواية سعودية مكتملة فنيا , بعد ظهور بعض المحاولات السردية التي لا ترقى إلى مستوى الرواية . ليطلق على هذه المرحلة بمرحلة النضج الفني الروائي السعودي .
أما المغرب العربي الكبير فقد عرف هذا الفن في أواخر الخمسينات . حيث أصدر الروائي التونسي محمد العروسي المطوي روايته ‘ ومن الضحايا ‘ في 1956 بدا فيها متأثرا بالرواية الأوروبية من حيث السرد و تقديم الشخصيات .و بعدها بخمس سنوات صدر أول نص روائي بليبيا للكاتب الليبي محمد فريد سيالة بعنوان ‘ اعترافات إنسان ‘ في 1961 .
و تأخر ميلاد الرواية في المغرب الأقصى و الجزائر. ففي 1966 كان الروائي المغربي عبد الكريم غلاب قد كتب روايته ‘ دفنّا الماضي ‘ التي نحا فيها منحى تاريخيا صور فيها الفترة الاستعمارية للمغرب الأقصى .و كانت رواية ‘ ريح الجنوب ‘ للروائي الجزائري عبد الحميد بن هدوقة التي صدرت في 1971 أول عمل روائي فني يظهر على مستوى الأدب الجزائري .اعتنق فيها ابن هدوقة التيار الواقعي .
و لا يمكن إنكار بعض المحاولات السردية التي عرفها الأدب في الوطن العربي , غير المكتملة فنيا , و التي تعد إرهاصا لظهور فن الرواية به.
و تنوعت موضوعات الرواية العربية في بدايات ظهورها , و تعددت تيارات انتماءات كتابها .فالرواية المشرقية اعتنق كتابها غالبا التيار الرومنسي ,بينما تناول الروائيون في المغرب العربي موضوعات خاصة بالثورة و الاستعمار , و ظاهرة الإقطاع , ووضعية المرأة , و قضايا أخرى تعالج موضوعات الإنسان في المجتمع المغاربي .فكان المذهب الواقعي هو المذهب المعتمد بالنسبة للروائيين المغاربة في بدايات كتاباتهم لفن الرواية .
أخيرا يمكن القول إن الرواية في كثير من الدول العربية رغم الكم الهائل من الإصدارات التي تنتج كل عام, إلا أنها ما تزال لم تأخذ طريقها نحو التطور .فكثير من الروائيين العرب لم يتمكنوا من الخروج من المحلية بعد , وأغلب الأعمال الروائية العربية التي تصدر اليوم تنقصها التقنيات و الفنيات التي يمكن أن تلحقها بركب الرواية العالمية .