الأديب متولي بصل يكتب واإسلاماه
أماه !
هل يوجد بجوارك أيُّ براح ؟
أتمددُ فيه وأرتاح
هل يوجد في قبركِ موضعُ قدمٍ لي ؟
فأنا وجميع مدينتنا
أمسينا مثل الأشباح !
جعنا يا أمي
جعنا وظمئنا وتعرَّينا
ولبسنا الخوف رداء فوق رداء !
وشربنا الذل مذابا في الأقداح !
ما عدت أفرق بين قبور الموتى
وبين بيوت الأحياء !
فهنا أرواح تسري بلا أجساد
وهنا في سوق مدينتنا
أجسادٌ تمضي بلا أرواح
أنا أحسدُ قطط الشارع حين تموء
وتعكّر صفو مزاج السادة والنبلاء
أحسد كل كلاب الحارة
حين تؤرق نوم السادة كل مساء
وكل صباح
وأنا في صمتي مسجون
لا أملك حق الإفصاح !
***
أماه !
أسمع من يصرخ وينادي
وامعتصماه !!
أطفالا وشيوخا ضعفاء
وشبابا يا أمي ونساء !
أسمعهم كالغرقى يصيحون
واإسلاماه !!
أسمعهم وهم جرحى ينادون
واإسلاماه !!
لكنْ لا أحدَ هنا يهتم !
أعرف يا أمي من هم
أعرف من هم
وأراهم وأشم بأنفي رائحة الدم !
لكنْ لا أحدَ هنا يهتم !
ماتت بالصمتِ ضمائرُنا !
دُفِنت من زمنٍ نخوتنا !
وصار رجال مدينتنا
جُبناء !
اتخذوا الصمت شعارا
حتى صار اسم مدينتنا
ا ل خ ر س ا ء !
الناس هنا صاروا نِعاجا
وأرانبَ تأكل ودجاجا !
تشغلهم كسرة خبزٍ
شربةُ ماء
يقتلهم ألا يجدوا – عند المرض –
شريط دواء
في سوق مدينتنا يبيعون
كرامتهم وهويتهم
ومنهم من يشري إسلامه
ليل نهار
انتزعوا لون العِزةِ من رايتهم
ونزعوا رأس النسر
ووضعوا مكانه رأس نعامة
أو رأس حمار !
يا أسفاه !
***
أماه !
أين هو البطلُ المغوارُ
والسيفُ المسلولُ البتَّارُ
والفرسُ العربيُّ الكرارُ ؟!
أم كانت محض حكاياتٍ
تُروى للصِبيةِ ليناموا !
نمنا يا أمي ولم نكبر
وظللنا جميعا أطفالا !
نلهو ونلعب رغم الشيبة ِ
ونأبى أن نصطفَّ رجالا !
واأسفاه !
***
أماه !
كم طفل عربي يُذبحُ كالشاة!
يُسلخ كالشاة !
تُقطع رأسهُ ويداه
ويعَلّقُ مثل شريحة لحم
ويبولُ عليه الأعداء
ونحن هنا صُمٌّ بُكمٌ
عُميٌ لا نملك أي حياة
كم عِرضٍ عربي يُنتهكُ الآن !
يُغتصبُ الآن !
ونحن نشاهدُ في التلفاز مباراة
ونصيحُ ونهتفُ في شغفٍ :
يحيا صلاح !
يحيا صلاح !
يحيا صلاح !
يا الله !
ما بين صلاحٍ وصلاح
ألمٌ وشجونٌ وجراح !
خيبات .. .. نكبات
أتراح تتلو أتراح !
ما بين صلاحٍ وصلاح
أجيالٌ لا تعرف قيمةَ
أو حتى معنى عروبتنا !
أجيال لم تؤمن يوما
بأن الأرض هويتنا !
أجيال لا يشغلها إلا
أن تأكل وتعيش وتتكاثر
تتكاثر تتكاثر تتكاثر !
حتى إن كان تكاثرها
زنا وسِفاح !
واأسفاه !!