أ.د منال خيري تكتب مصر والأموال الساخنة … الفرص والتحديات
ما هي الأموال الساخنة
الأموال الساخنة هي ببساطة مجموعات من الأموال بالعملة الأجنبية (غالبا الدولار) التي يحركها المستثمرون الدوليون بسرعة وبشكل منتظم بين الأسواق المالية، في محاولة للاستفادة من أعلى أسعار الفائدة قصيرة الأجل
هذا يعني أن الأموال الساخنة تنتقل باستمرار من البلدان ذات معدلات الفائدة المنخفضة إلى البلدان ذات المعدلات الأعلى. بمعنى أنه إذا كانت أسعار الفائدة على أدوات الديون قصيرة الأجل مرتفعة في بلد ما، فإن هذه الأموال ستتحرك إليها لتحقيق الأرباح.
تجذب البنوك الأموال الساخنة إلى الاقتصاد من خلال تقديم شهادات إيداع قصيرة الأجل بمعدلات فائدة أعلى من المتوسط. لا تتعلق الأموال الساخنة فقط بعملات الدول المختلفة، ولكنها قد تشير أيضا إلى رأس المال المستثمر في الشركات المنافسة.
من يتحكم في هذه الأموال؟
بشكل أساسي، هي أموال يمتلكها مستثمرون دوليون، وبطبيعة الحال يحركونها عبر مؤسسات استثمار خاصة بهم وبيوت خبرة منوط بها إدارة ثرواتهم وتعظيمها، وعادة ما تركز هذه المؤسسات كما سبق الإشارة على تحقيق الربح السريع والمرتفع.
هذا يعني أنهم قد يوجهون هذه الأموال إلى الأسواق الناشئة وتحويلها إلى العملات المحلية، من أجل الاستثمار في أدوات الدين قصيرة الأجل حال كانت الفائدة عليها مجزية بالنسبة لهم، وبالتالي يحولون هذه الفوائد إلى الخارج مرة أخرى مع الاحتفاظ بأصل رأس المال المستثمر، ولذلك هي أحدى أشهر وسائل المضاربة الرامية لتحقيق الربح بأي وأقصر طريق.
كيف تؤثر على الاقتصادات؟ (الفوائد والمخاطر)
تؤثر هذه التحويلات المالية على سعر الصرف ومن المحتمل أن تؤثر على ميزان مدفوعات الدولة وبالتالي موقفها من توافر السيولة النقدية الأجنبية، والتي تعني في حال الوفرة مزيدا من الاستقرار التجاري والاقتصادي وثبات سعر الصرف، والعكس تماما في حال العجز.
في المثال المصري، عقب تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار في عام 2016، ليقفز سعر الصرف بأكثر من 100% فوق 19 جنيها من ما دون 9 جنيهات، ومع تقديم أسعار فائدة مرتفعة، ساعد ذلك في جذب تدفقات كبيرة من الأموال الساخنة إلى البلاد.
عند مرحلة ما في السنوات الماضية، كانت مصر البلد المفضل لاستثمارات الأموال الساخنة لأنها حظيت بأعلى معدل فائدة حقيقي (معدل الفائدة الرئيسي مطروحا من نسبة التضخم) في العالم.
تراجع سعر الصرف لاحقا إلى 15.70 جنيه للدولار، لكن الأهم أنه ظل مستقرا عند هذا الحد لسنوات، وهذا الاستقرار يعني انسيابية حركة الاستثمار والتجارة، إلى جانب شيء من اليقين فيما يتعلق ببناء التوقعات والخطط المستقبلية.
في حال قام البنك بتخفيض أسعار الفائدة، أو إذا قدمت مؤسسة مالية منافسة معدلات أعلى، يكون المستثمرون على استعداد لنقل أموال الأموال الساخنة إلى البنك الذي يقدم صفقة أفضل. وعموما تتدفق الأموال الساخنة خارج البلدان والقطاعات الاقتصادية ذات الأداء الضعيف.
هذا ما حدث في مصر بداية عام 2022، عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في أمريكا برفع أسعار الفائدة لديه، وتزامن ذلك مع زيادة التضخم في مصر، وبالتالي أصبح السوق الأمريكي أكثر جاذبية وقل العائد الحقيقي للاستثمار في الجنيه، علاوة على زيادة المخاطر العالمية التي حفزت المستثمرين على التمسك بالدولار كملاذ آمن ضد الأخطار المالية.
في الأشهر الأولى القليلة من عام 2022، خرج من مصر ما يزيد على 22 مليار دولار من هذه الأموال الساخنة، ما ساهم بشكل كبير في شح السيولة الأجنبية وتصاعدت الضغوط على الجنيه الذي اضطرت البلاد للسماح بانخفاضه مرات عدة منذ مارس العام الماضي ليبلغ وقتها 29.70 أمام الدولار.
قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إن الحكومة لم يعد بإمكانها الاعتماد على مشتريات الأجانب من سندات الخزانة لتمويل ميزانيتها، ويتعين عليها العمل على تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر بدلا من ذلك.
عودة الأموال الساخنة لمصر :
عادت الأموال الساخنة إلى مصر مجددا، عقب القرارات التي أصدرها البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس وتحرير أسعار الصرف، وهو سيناريو مكرر لما حدث عقب قرارات مماثلة في نوفمبر 2016.
ومن أبرز المؤسسات الأجنبية العائدة الى الاستثمار فى أدوات الدين فى مصر، حسب مصادر حكومية، «جولدمان ساكس»، و«سيتى بنك»، و«مورجان ستانلى».
وبلغت قيمة الأموال الساخنة التي تدفقت على مصر عبر ما ضخه المستثمرون الأجانب، أكثر من 3 مليارات دولار منذ تعويم البنك المركزي للجنيه، ومن المتوقع أن يزيد الرقم إلى 30 مليار دولار قبل نهاية العام،
كشف وزير المالية الدكتور محمد معيط، أن حجم تدفقات النقد الأجنبي المتوقعة بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ستتجاوز 20 مليار دولار، حيث إن مؤسسات التمويل وشركاء التنمية الدوليين سوف يدعمون الاقتصاد المصرى بحزم تمويلية إضافية.
وأضاف أن تدفقات النقد الأجنبي ستشهد انتعاشة، حيث أن الحزمة المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي المقدرة بـ 7.4 مليار يورو تعزز أيضًا مسار الاستقرار الاقتصادي، الذى بدأ ينعكس إيجابيًا في تحسن نظرة مؤسسات التصنيف الائتماني لمستقبل الاقتصاد المصرى، وقد كان فى مقدمتها «موديز».
واتفق الاتحاد الأوروبي مع مصر، خلال القمة المصرية الأوروبية على تقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو (8.1 مليار دولار)، لدعم الاقتصاد المصري.
ووفق الاتفاق بين الجانبين، فإنه سيتم توزيع مزيج المنح والقروض، الذي أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حتى عام 2027.
وفي اليوم التالي لإعلان البنك المركزي المصري عن قراراته الجديدة، وقعت مصر مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي اتفاقية الحصول على حزمة تمويلية بقيمة 20 مليار دولار تتوزع على 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي و12 مليار دولار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
ومما سبق يتضح أنه على الرغم من بعض مزايا تدفق الأموال الساخنة ، إلا أنه يجب ألا يعول عليها بصورة ما لتوفير السيولة الدولارية ،وفى هذا الصدد نرى انه من الافضل الاعتماد على موارد ذاتية للنقد الأجنبى من خلال تشجيع الاستثمار المشترك ، وتشجيع الاستثمار المحلي ومنحه كافة المزايا وخصوصا الانتاج الموجه للتصدير ، و الإحلال محل الواردات
المصادر
https://sputnikarabic.ae/20230118/%D8%AC%D8%B4%D8%B9-%D8%A3%D9%85-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1-%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84-%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AE%D9%86%D8%A9-%D9%88%D9%85%D9%86-%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%84-%D9%81%D8%AE%D8%A7-%D9%84%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85%D8%9F-1072432255.html
https://bloom-gate.com/?p=65315
https://www.elbalad.news/6138039
أ.د/ منال محمود خيري
أستاذ مناهج الاقتصاد – جامعة حلوان
ورئيس لجنة التعليم بحزب حماة الوطن.