أخبار عاجلةملفات وحوارات

عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير: الأساطير المصرية القديمة هي فجر ضمير العالم

حوار: منال رضوان

 

*كيف جاءت فكرة كتابك الجديد “الأساطير المصرية القديمة”؟
– أهلنا المصريون القدماء عظام للغاية ومبدعو مصر القديمة عباقرة ومفكروها خالدون، وسبقوا العالم أجمع برقي فكرهم الديني قبل الزمان بزمان؛ لذا فقد فكرت أن أكتب كتابًا عن الأساطير في مصر القديمة وريادة مصر القديمة في الفكر الديني أو ما نطلق عليه ميلاد الضمير في مصر القديمة؛ كي أوضح فيه عظمة الفكري الديني في مصر القديمة. لقد أخذت على عاتقي أن يكون هذا الكتاب رحلة شيقة ومثيرة في معتقدات المصريين القدماء عبر آلاف السنين، وفي أساطيرهم المثيرة، من أجل التعرف على أساسيات الديانة عندهم، وتوضيح قصة الديانة عبر التاريخ المصري القديم، وعقائد الدفن في مصر القديمة، وأسرار العادات الجنائزية في مصر القديمة، والكتب الدينية في مصر القديمة، وحكايات الآلهة المصرية القديمة، وتقديم تلك المعبودات في معجم مبسط يوضح أشهر المعبودات المصرية القديمة. وعرضت الأمر على الناشر الكبير والصديق العزيز الأستاذ هاني عبد الله والكاتب الكبير والمحرر المبدع الأستاذ أحمد عبد المجيد فرحبا بالكتاب كثيرًا. وأشكرهما وفريق العمل بدار نشرهما العريقة التي أصدرت الكتاب بشكل ممتاز وسوقت له بشكل كبير للغاية. فلهما مني كل الشكر والتقدير والاحترام، وكذلك لمصمم الغلاف المبدع الفنان عبد الرحمن الصواف، والمصمم الداخلي، والمدقق اللغوي، وكل فريق العمل، خصوصًا الشباب الذين سوقوا لهذا الكتاب بشكل بديع في معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته الخامسة والخمسين

*كيف بدأت التحضير له؟
-بدأت الاستعداد منذ أكثر من ثلاث سنوات من العمل المتواصل الدؤوب وقراءة الأساطير والنصوص المصرية القديمة وأسس وكتب الديانة والحياة والموت والعالم الآخر في مصر القديمة، وكذلك كل ما يتعلق بمصر القديمة وفكرها الديني، وأيضًا قراءة كل كُتب ما عن مصر القديمة والديانة والأساطير والمعبودات المصرية القديمة حتى أعرف ما قد قيل، وأحدد ما سوف أضيفه حتى لا أكرر ما قاله الآخرون. وتم الاستقرار على الزاوية التي خرج بها الكتاب على هذا النحو المختلف عن الكتب الكثيرة الصادرة في نفس الموضوع. وجاء كتابي برؤية جديدة حديثة بسيطة ميسرة تناسب لغة العصر ولغة العلم ولغة الأدب بشكل جذاب وشيق يمتع القراء المعاصرين والقارئات المعاصرات.

*كيف استقبل الجمهور كتابك “الأساطير المصرية القديمة”؟
– استقبل الجمهور كتابي الجديد “الأساطير المصرية القديمة” استقبالاً كبيرًا ليس له مثيل، على الرغم من أنني قد أصدرت الكثير من الكتب من قبل، وهذا العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب قد أصدرت حوالي خمسة كتب جديدة، وكان كتاب الأساطير المصرية القديمة من أهمها وتصدر المشهد بفضل الله سبحانه وتعالى. وكان الجميع في انتظاره. والكتاب ليس عن الأساطير في مصر القديمة، لكنه موسوعة عن الديانة المصرية القديمة بكل بأوجهها ومظاهرها وموضوعاتها، والآلهة المصرية القديمة وكل ما يتعلق بالكتب الدينية والمعبودات والحياة الأولى والموت والحياة بعد الموت والعالم الآخر. وأي شيء يريد أن يعرفه الإنسان عن مصر القديمة والمعتقدات الدينية الحياتية والأخروية في مصر القديمة، سوف يجده داخل هذا الكتاب. ولقد أشاد به وكتب عنه كتاب ومثقفون كبار أمثال الروائي الكبير الأستاذ إبراهيم عبد المجيد، والكاتب والإعلامي الكبير الأستاذ إبراهيم عيسى، والمذيعة المتألقة الأستاذ بسنت بكر، والكاتب الصحفي المبدع الأستاذ صابر رمضان، والكاتب الصحفي الموهوب الأستاذ محمد شبانة، وغيرهم الكثير.

*ما أهم الأساطير التي تناولها كتابك “الأساطير المصرية القديمة”؟
-في البداية تناول كتابي عظمة الفكر الديني المصري القديم. ثم في القسم الأول، تناولت الأساطير المصرية مثل أساطير خلق الكون، وأسطورة عين شمس، وأسطورة منف، وأسطورة الأشمونين، وأسطورة طيبة، وأسطورة إيزيس وأوزيريس، وأسطورة صراع حورس وست، وأسطورة إله الشمس رع (أو “أسطورة هلاك البشرية”)، وأسطورة البقرة السماوية، وأساطير رحلة إله الشمس، وأساطير ولادة الطفل الملكي، وأساطير نهاية الكون. وختمت ذلك القسم بالتعرف إلى مغزى الأساطير المصرية. وفي القسم الثاني، تناولت أساسيات الديانة المصرية مثل الكون، والملكية، والعالم الآخر، والنصوص الطقسية والسِحرية، والصلوات والترانيم، والمعابد، والطقوس والاحتفالات الرسمية، والسِحر، والوحي، والديانة الشعبية. وفي القسم الثالث، أوضحت تاريخ وتطور الديانة المصرية. وشرحت ذلك التطور في فترات ما قبل وبداية الأسرا، وفي عصر الدولتين القديمة والوسطى، وفي عصر الدولة الحديثة، ثم تناولت الملك أخناتون وديانة ربه الجديد المعبود آتون، وقدمت الترنيمة العظيمة للرب آتون، ثم ذكرت تطور الديانة المصرية القديمة في الفترات اللاحقة. وفي القسم الرابع، شرحت عقائد الدفن في كل الفترات الزمنية مثل عصور ما قبل التاريخ، وعصر ما قبل الأسرات، وعصر الأسرات المبكر، وعصر الدولة القديمة، وعصر الانتقال الأول، وعصر الدولة الوسطى، وعصر الانتقال الثاني، وعصر الدولة الحديثة، وعصر الانتقال الثالث، والعصر المتأخر، والعصر البطلمي، والعصر الروماني.

في القسم الخامس، قدمت العادات الجنائزية مثل التحنيط، وتحنيط الحيوانات، وطقسة فتح الفم، والأثاث الجنائزي، والمراكب الجنائزية، والتوابيت، والاستعداد للآخرة، ومحاكمة الموتى. وفي القسم السادس، تناولت الكتب الدينية المختلفة عبر العصور المصرية القديمة مثل نصوص الأهرام، ونصوص التوابيت، وكتاب الطريقين، وكتاب الموتى، وكتاب الإيمي دِوُات، وكتاب الكهوف، وكتاب البوابات، وكتاب الليل وكتاب النهار، وكتاب الأرض، وكتب السماء، وكتاب نوت، وكتاب التنفس، وكتاب التنفس لحور، وكتاب عبور الخلود، وكتاب سِتنا خَع إم واس ونَا نِفر كَا بِتاح، وتعويذة الكهوف الاثني عشر، وتعويذة رع. وفي القسم السابع، تناولت طبيعة الآلهة المصرية، وأضحت معنى كلمة نِثر يعني “الإله” ودلالاتها. وفي القسم الثامن، قدمت معجم الآلهة المصرية، وبه أشهر المعبودات المصرية القديمة، والتي ذكرتها في الكتاب، وهي أهم المعبودات في مصر القديمة.

إذا أردنا أن نعرف أهم الأساطير المصرية على الإطلاق فقد كانت دون شك أسطورة إيزيس وأوزيريس. وتحكي كما عرفنا عن الحاكم الإلهي الخَيِّر أوزيريس، الذي قُتل على يد أخيه الشرير الغيور ست، الإله المرتبط بالفوضى، وقامت أخت أوزيريس وزوجته الوفية الربة إيزيس بإحيائه حتى يتمكن من إنجاب ابنه ووريث عرشه، الرب حورس. ثم دخل أوزيريس العالم السفلي وأصبح حاكم الموتى، وبمجرد أن كبر، حارب حورس عمه الشرير ست، وهزمه وأصبح ملكًا على عرش مصر، عرش أبيه الرب الطيب أوزيريس. وكان ارتباط ست بالفوضى، وتحديد أوزيريس وحورس كحاكمين شرعيين، سببًا منطقيًّا للملكية المصرية، وتتابع الملوك على عرش مصر، وتصورهم على أنهم أنصار النظام وأعداء وساحقو الفوضى. وفي الوقت نفسه، كان موت أوزيريس يعد ولادة جديدة مرتبطة بالدورة الزراعية المصرية؛ إذ كانت المحاصيل تنمو في أعقاب فيضان النيل.

من الأفكار الأسطورية المهمة الأخرى، كانت رحلة الرب رع كل ليلة عبر الدِّوات (أي العالم الآخر أو العالم السفلى، وفقًا لمعتقدات المصريين القدماء). وخلال تلك الرحلة، كان الرب رع يلتقي بالرب أوزيريس، الذي كان يقوم بدوره مرة أخرى كعامل تجديد حتى تجددت حياته، وكان يحارب كل ليلة ضد الشرير “أبوفيس” أو “عِبعب”، إله الفوضى. وكانت هزيمة “أبوفيس” والاتحاد مع أوزيريس تضمن شروق الشمس، أي رع، كل صباح في اليوم التالي، وكان حدثًا يمثل ولادة جديدة وانتصارًا للنظام (الماعت) على الفوضى (الإسفت). واستوحى المصريون أساطيرهم من دورات ومظاهر الطبيعة من حولهم، ونشأت الأساطير في وقت مبكرًا للغاية من عمر الحضارة المصرية، وكان تكرار الأحداث يؤكد تكرار حدوث أحداث الأسطورة، وبذلك كانت تجدد الماعت، النظام الأساسي للكون. وكانت من بين أهم أحداث الماضي الأسطوري، أساطير الخلق، حين شكلت الآلهة الكون من الفوضى البدائية، وقصص حكم إله الشمس رع على الأرض، وأسطورة إيزيس وأوزيريس الخاصة بصراع الآلهة أوزيريس وإيزيس وحورس ضد الرب المسبب للفوضى الإله ست. وكانت أحداث الأساطير التي كانت تمثل الحاضر آنذاك هي أساطير رحلة الإله رع اليومية عبر العالم ورحلته الأخرى في العالم الآخر، أو ما يعرف بـ”الدِّوات”.

لقد شملت الموضوعات المتكررة الحدوث في الأساطير المصرية الصراع بين مؤيدي الماعت وقوى الفوضى، وأكدت على أهمية دور الملك في الحفاظ على الماعت، واستمرارية الآلهة وتجددها، واختلفت تفاصيل تلك الأحداث المقدسة اختلافًا كبيرًا من نص إلى آخر، وبدت غالبًا متناقضة، والأساطير المصرية هي في الأساس مجازية؛ إذ كانت تترجم جوهر وسلوك الآلهة إلى مصطلحات يمكن للبشر فهمها، ويمثل كل شكل من أشكال الأسطورة منظورًا رمزيًّا مختلفًا، وساهم ذلك في إثراء فهم المصريين للآلهة والعالم. وأثرت الأساطير بعمق على الثقافة المصرية القديمة، وألهمت أو أثرت في الكثير من الطقوس الدينية، وقدمت الأساس الفكري للملكية المصرية، وظهرت مناظر ورموز من الأسطورة في الفن في المقابر والمعابد والتمائم.

إن هذه هي باختصار قصة الأساطير والديانة المصرية القديمة وما يرتبط بهما من الكثير من الأمور عن أسرار وعبقرية مصر القديمة في صياغة الضمير والفكر الديني للعالم كله منذ أقدم العصور.

إنني أتمنى أن أكون قد وُفقت في القيام بذلك على نحو علمي شيق وجذاب؛ وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وُفقت في إضافة كتاب جديد للمكتبة العربية المعاصرة.

أوبرا مصر /ملفات وحوارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى