أخبار عاجلةدراسات ومقالات

الجميلي أحمد يكتب : “الحنين والهامش: اطلالات علي شعر محمود الحبكي”

الجميلي أحمد يكتب : “الحنين والهامش: اطلالات علي شعر محمود الحبكي”

 

يعتبر جنوب مصر، بما فيه من مناطق مثل قنا وأسوان وسوهاج واسيوط، موطناً لثقافة غنية وتاريخ عريق في إنتاج الشعراء والأدباء. فهي منطقة تمتاز بجمال طبيعتها وتنوع ثقافتها وتراثها الغني، مما يلهم الكتّاب والشعراء لإبداع أعمالهم. بالإضافة إلى ذلك، تاريخها العريق وتقاليدها العميقة تعزز الفضاء الإبداعي وتمنح الكتّاب والشعراء القدرة على استخلاص الإلهام من تراثها الغني وتجاربها الحضارية المتنوعة.

ضمن هؤلاء الشعراء يأتي شاعر العامية الكبير محمود الحُبَكى، والذي أثرى بأعماله الشعرية الحياة الثقافية، وهو محمود أحمد عطاالله شمروخ، وُلِد في الأول من يونيو عام 1959م. يتمتع الحُبَكى بمسيرة حافلة بالإبداع والتميز في عالم الشعر، حيث قدّم العديد من الأعمال التي تشهد على موهبته وقدرته على التعبير الفني الراقي.

بدأت مسيرته الأدبية بنشر ديوانه الأول “صمت الوقت” عام 1992م، ومنذ ذلك الحين وهو يبدع ويتألق في عالم الشعر. حاز على جوائز عدة منها جائزة المشروع المصري الإيطالي عام 1996م، وجائزة “أخبار الأدب” في شعر العامية عام 1998م، مما يُظهر اعتراف الجمهور والنقاد بقيمة أعماله الأدبية.

من أبرز أعماله الشعرية ديوان “الهامش” الذي صدر عام 2015م، وديوان “لمَّا ينام حرس العيون” عام 2022م، إضافة إلى ديوان “صدى موت” الذي فاز بجائزة الشاعر الكبير عبد الستار سليم في عام 2023م.

تتميز أعماله بالغنى اللغوي والعمق الفكري، وتجسد رؤية فنية تعكس الحياة بأبعادها المختلفة. كما أنه نشر قصائده في العديد من الجرائد والمجلات المعروفة كما كتب لإذاعة جنوب الصعيد برنامج “تلغراف” وألّف تتر المقدمة الصباحية له.

وهنا نحن اليوم نبحث داخل أعماله ونفرد للمتلقي بعضا من جماليات أعمال الحبكي
ففي قصيدة ( خُد دورك ) … والتي يقول فيها

كُنت أركب أبويا حمار ب هزار
كان يكنس كل الدار
يلِف يدور
و ساعات كنت أركبه بالمندار
ألخبط وشّه
أشد شنابه
وأقوله شنابك زى الصرصار
بيشبِّك إيده ف إيدى
يآخدني معاه مشوار
كل عيال الشارع كانوا يخافوا
لو شافوا أبويا معاى
يدوني حاجاتهم
ويطبطبوا علي كتفي ويضحكوا بمرار
ولما يغيب
أقرض في ضوافرى تقولش فار
يتلَم عليّ دبان الشارع كُلّه
وأصغر عيِّل يضرب فيّا
ويآخد التار
بمجرد أبوى ما يهل
الكل فرار
وأموت بهزيمتي في حُضنه
كأن سكوتي حوار
وأبويا كِبِر
ولا عاد بيهمِّل دِكِّته ليل ونهار
ف عملت حمار
إركبني يا بوى
خُد دورك
قاعد تحتك
دوس علي روحي براحتك
شاور
قول
إختار
غطيته ونام
وأنا لسه في وضع حمار
مستني أبوى
يآخد دوره
مستني قرار

القصيدة تتناول قصة تعبيرية مؤثرة تجسد علاقة الابن مع والده، وتستخدم الصور الشعرية لتوصيل الفكرة بشكل ملموس وعاطفي.

يبدأ الشاعر بصورة الحمار التي كان يركبه والتي تمثل الطفولة والبراءة، ويتداولها بين الوقوع والنقوض، مما يشير إلى تباين المشاعر والتجارب التي مر بها.
تظهر صورة الأب كشخصية قوية وحاضنة في القصيدة، حيث يرافق الابن ويتحمل مشاق الحياة بشكل رمزي، ويظهر التبادل العاطفي بينهما في اللحظات التي يكونان معاً.
تتواجد صورة الاعتماد والانتظار بين الأب والابن، حيث ينتظر الابن بشغف عودة والده ليأخذ مكانه ويتحمل المسؤولية.
يتم استخدام الصورة النهائية لتوضيح الارتباط العميق بين الأب والابن، حيث يكون الابن مستعداً لتقديم الدعم والمساعدة لوالده بكل ما يحتاجه.
مواطن الجمال والصور التي استخدمها الشاعر تتمحور حول العواطف الإنسانية والعلاقات الأسرية، وتبرز بقوة من خلال استخدام الصور الشعرية والرموز البسيطة والمؤثرة التي تعبر عن الحنان والانتماء والتبادل العاطفي بين الأب والابن.

تظهر القصيدة تضحية الأب من خلال تصويره وهو يتحمل المشقة والتعب لصالح أبنه، مما يعكس الرابط العميق الذي يجمعهما.
يتم استخدام الصور الحيوية والواقعية مثل “يلِف يدور” و “ألخبط وشّه” و “يتلَم عليّ دبان الشارع كُلّه” لإضفاء الحياة والواقعية على القصيدة، ولتعزيز الاندماج العميق للقارئ مع المشاعر والأحداث التي تصفها القصيدة.
يتم استخدام الصور الصوتية مثل “يآخدني معاه مشوار” و “وأموت بهزيمتي في حُضنه” لإبراز العواطف والمشاعر التي يشعر بها الشاعر تجاه والده، ولتحقيق التأثير العاطفي المرغوب.
تستخدم الصورة النهائية لتوجيه رسالة قوية عن التضحية والانتماء الأسري، مما يدفع القارئ للتأمل في قيمة العلاقات الأسرية وأهميتها في حياة الإنسان.
نجح الحبكي باستخدام هذه الصور الشعرية والموضوعية، في توصيل رسالته بشكل مؤثر حول قيمة العائلة والتضحية.

الشاعر محمود الحبكي
الشاعر محمود الحبكي

أما في قصيدة ( بنتي ) ……. والتي يقول فيها

بنتي اللي لسَّه يا دووووب
بتتهجَّي الحياه
علِّمتها الله
علِّمتها ..
جغرافية الكون
اللي مرسومه في سماه
علِّمتها
إن الجبال
إن الشجر
إن البشر
الكل خاشع في الصلاه
بس ب ( لُغاه )
بنتي اللي لسَّه ما خربشت
خدِّى وﻻ دهنت شفاه
علِّمتها إن القمر
ينفخ في عين الليل ضياه
إن النهار
بيحل شعر الشمس
ف تنوَّر خُطاه
علِّمتها
إن اللي بيدير كل أمر
في كل نفس
في كل روح
وف أى أرض وإتجاه
هو اﻹله
بنتي اللي لسَّه ما سنَّنت
وﻻ قرقشت
في العيشه
أو صبحت فتاه
علِّمتها
إن الحساب واحد أحد
ﻻ قبله وﻻ بعده عدد
هو المدد
يرزق جميع الخلق
وﻻ تنقص يداه
بنتي اللي لسه ما فرَّقت
بين جمرة النار
أو نواه
علِّمتها
ما تقولشي ( واء )
علِّمتها
مالهاش سواه
علِّمتها
تفتح عينيها لفوق
وتتنفس هواه
علِّمتها
إن البلاد
بالعباد
بالطغاه
الكل زايل
مهما راح يبلغ مداه
إﻻَّه ….
بنتي اللي لسه يا دوب
بتتهجي الحياه
يآااااااااه
علَّمتني
إن في عينيها البريئه
كل شئ أقراه
معناه
الله
الله
الله

قصيدة “بنتي” للشاعر محمود الحبكي

والتي يظهر فيها الشاعر بدايةً حنانه وتفانيه في تربية ابنته الصغيرة، حيث يصفها بأسلوب مليء بالحنان والاهتمام.
يستخدم الحبكي صوراً واضحة وبسيطة لتوصيل فكرته، مثل “بنتي اللي لسَّه يا دووووب بتتهجَّي الحياه”، مما يجعل القارئ يتفهم بسهولة الشعور العميق الذي يكنه الشاعر نحو ابنته.
تتخلل القصيدة صور دينية وتربوية تعكس القيم والمبادئ التي يحاول الشاعر تعليم ابنته إياها، مثل أهمية الصلاة والتضحية والتقوى.
يستخدم الحبكي تقنيات قصيدة العامية المصرية بشكل متقن، من خلال استخدام المصطلحات والعبارات الشائعة في الحياة اليومية باللهجة المصرية.
تتجلى قوة الحب والتضحية الأبوية في النهاية، حيث يظهر الشاعر تعظيمه لشخصية ابنته ومدى تأثيرها العميق عليه.
بهذه الطريقة، تعبر قصيدة “بنتي” عن العلاقة الجميلة والمميزة بين الأب وابنته بشكل مؤثر ومباشر.

تتميز هذه القصيدة بالعديد من الصور الجمالية والدرامية التي تعزز مضمون القصيدة :
ومنها صورة الابنة الصغيرة التي “تتهجَّي الحياة”، وهي صورة تعبر عن براءة الطفولة وجمالها البريء.
“في عينيها البريئة كل شيء أقراه”، هذه الصورة تظهر قوة العاطفة والتأثير العميق الذي تمتلكه الابنة على قلب وعيني الشاعر.
“القمر ينفخ في عين الليل ضياه”، هذه الصورة الجميلة تعكس الجمال الرومانسي والسحري للطبيعة وتأثيرها الساحر على الإنسان.
“النهار يحل شعر الشمس”، صورة تعبر عن الطبيعة وتأثيرها المبهج والمنعش على الحياة.
“بالعباد بالطغاة الكل زائل”، هذه الصورة الدرامية تعبر عن فناء الحياة الدنيا وقدرة الزمن على إنهاء كل شيء.
بهذه الصور التي استخدمها الحبكي والتي نجح في تضمينها داخل قصيدته يكون قد وصل لاكتمال دائرة القصيدة بكل جمالياتها

وننتقل معا إلي قصيدة ( كل ما أفتكر بأموت ) والتي كتبها الحبكي عام ١٩٨٧م يقول فيها

شنطتي من نَفْس قُماش مَريلتي
ريحة كُتُبي مدمّس
بُقَع الزيت ترسم في خطوط الفقر
كُمِّي كان يمسح لي ريالتِي
دايماً كُنت الآخر
علشان منظرى مش ولا بُد
حتي نشيد الصُبح
كان أستاذ الحِصَّه الأولي
يقول لي إوعي تكُح
دموعي كُنت أبلعها
كُنت بأبص في عين العَلَم الحمرا
نفسي كُنت أقلعها
هَتَفت نشيد أحوالي في سِرِّى
زَغَر لي
صفا … … إنتباه
جَزمِتي صوتها ينكّس راسي
دخول الفصل
حَسَب الشكل العام
تختتي كانت بعد الآخر
حتي ما كُنتش ألاقي كراسي
قيام …. …. قيام
ال مَدَفعشي المصاريف يطلع
أطلع مع نَفسِي المكسوره
زفيرى كان يملا السبوره
إيديَّا بتنخُر سقف الفصل
ياريت ينهد علينا جميعاً
أكرَه كل زمايلي إلا حسين
لما يشوفني
كانشي يعوفني
يقسم كل حاجاته معاى في الفُسحه
يمسح كل هزايم الفصل اللي بتكبر جواى
طَلقَه … … …
بيتنا العشوائي بيكره دَقْ الهُون
طموحي كنت بأشوفه في سِتّي
لما تنام علي روحها وهيَّ بتعمل شاى
خَدت شهادتي ب عَفْش البيت
القوى العامله مضَغَت إسمي
رَفَعَت ستِّي إيديها وفضلت تدعي
تدعي … تدعي لِحَد ما ماتت
رُحت مكمِّل مشوار ستِّي
وفضلت
أدعي
وأدعي
وأدعي
وبَرضَك مُتْ
___

القصيدة تعبر عن تجربة شخصية مؤثرة تحمل في طياتها مشاعر الحزن واليأس والأمل. يتناول الشاعر في القصيدة مواضيع متعددة مثل الطفولة، الفقر، الصراع الداخلي، والعلاقات الاجتماعية.

يصف الشاعر ذكريات طفولته من خلال الشنطة ورائحة الكتب وبقع الزيت، مما يرمز إلى تجربته الفقيرة والبسيطة.
يعبر عن وجوده الدائم كـ”الآخر” وعدم التباهي بمنظره وتجربته الحزينة في المدرسة.
يظهر الصراع الداخلي من خلال تجربته مع الدموع والرغبة في التحليق بعيدًا عن الواقع المرير.
يتناول العلاقات الاجتماعية والدعم الذي يجده
ينتهي الشاعر بالتفاؤل والأمل حيث يظهر تضحيته ودعاؤه لوالدته واستمراره في الصلاة والدعاء حتى الموت.

وقد استخدم محمود الحبكي مجموعة من الصور في القصيدة ليأكد علي شاعريته وحرفية استخدامه للصور الشعرية ومنها
“ريحة كُتُبي مدمّس”: هذه العبارة تستحضر صورة جميلة لرائحة الكتب، وهي تفتح أبواب الذاكرة لتذكر اللحظات الجميلة التي قضاها الشاعر في قراءة الكتب.

“بُقَع الزيت ترسم في خطوط الفقر”: تصوير مؤلم لواقع الفقر، لكنه في الوقت ذاته يظهر جمالية في الوصف والصورة التي يرسمها الشاعر.

“علشان منظرى مش ولا بُد حتى نشيد الصُبح”: تشير هذه العبارة إلى جمالية اللحظات الصباحية وجمال الطبيعة في تلك اللحظات.

“دايماً كُنت الآخر”: صورة تعبر عن الاحتراق الداخلي والعزلة، ولكن في الوقت نفسه تُظهر جمالية في العبارة والتعبير.

“جَزمِتي صوتها ينكّس راسي”: صورة تستحضر صوت الجرس في المدرسة، والذي يمثل بداية جديدة وفرصة للتعلم والتجدد.

“طموحي كنت بأشوفه في سِتّي”: تظهر هذه العبارة صورة جميلة لطموح الشاعر وأحلامه التي يتمنى تحقيقها في مستقبله.

القصيدة تحتوي على العديد من الصور الجمالية التي تصور اللحظات الحزينة والمؤلمة بشكل يثير الشعور بالتأمل والجمال لكن كي ننتقل إلي قصيدة اخري نكتفي بهذا القدر من الصور التي نحج في رسمها الحبكي.

قصيدة ستائر وهي قصيدة يكتفي بها لتجعل الحبكي شاعرا متميزا يتصدر المشهد الشعري والتي يقول فيها

عُقب الباب بيدخِّل خيط بيشف كسوفي
طبلة وِدني بتسمع صوت سريان
الروح في عروقي
أنفخ بطن كفوفي ف تِورَم
صوت الكنبه بيعشق عضمي
تحف نواحي الأوضه خلايا الدم
ف يبدأ هضمي
بلاط الضهر بينخر في المستور
دستور علي كرسي عجين ملتوت
قرقوشة صدرى تنيخ تتفتفت م الزهجه
للحيط لهجه
الدبله تضيق في صباع رجلي
تعرج لي الشهوه بنُص لسان
وأنا لسَّه بأعلِّق في هدومي
جميزِك ينزل فوَّاقي
ف أبُص لك من غير رَقَبَه
تضحك لي وترسم لي طواقي
الليل حافي
والنوم مربوط علي حَنًك الباب
أنقاضي تسيح في حواشي عينيها أدوخ
أنبوبة القلم الجاف رَشَحَت
غيٍّرت بطاقتي الشخصيه وغيَّرت النوع
مطبوع مرفوع من عرقوبي
بس بطوعي
متوتر وأنا لسَّه بشمعي
عضتني سنان السوسته اللنج
شربت البنج
أتشكَّل كيف ما باعوز
إبليس وعريس
وأبوِّز من غير بوز
وأضرب بالجٌوز
ف يرن الكاس واتقشَّر زى الموز
قشعرت شعرت بماء الوجه إتكب
قليت سمكات الزينه
في طاسة الخضَّه صحيت
عضِّيت شراييني إنفجرت في المحظور
خشب البراويز بيكلبشني
حايم يا حمام حنن ضلعي
مخطوف لوني
في العتمه تبُص إيدينا لنُقَط الضِعف
لما بأبربش بيريِّش قلبي يطير في الفخ
غشيم ومرقِّع خياشيمي
وأغوص في هواكي إلخ
سكوت بيدغدغ كل مواطن سر الآه
والجو الليله مالهوشي غلاف
ولا عمره بيسأل مين عرَّاه
للشوك غزّه
في الشوك لذّه
ع الشوك هزّه
بتصفِّي رصيدى في كل بنوك الدم
الليل بيغطي يوطي ب خيشته
ويمسح في البصمات
وأنا لسه بأرتب أعضائي
ألواني إندلقت ع الفساتين
تطرح بساتين البنت فواكه برد الصيف
أتعزبل منِّي لأني النني يغني
ويعكس في التصاوير
مرهون علي رمش يلوِّن لوحتي حنين
ولا عمرى أصيد في عَكَار خدِّك
ولا أحدف نخلِك وأتشعلق
عنقود القلب إتبعتر طاب
بقَّع دمي
لما بأغمي
بأشوفك وأشفِّك وألفِّك وأزفِّك
رغم إني ما كُنتش م الخُطَّاب
_____

القصيدة كما نرى مليئة بالصور الجمالية التي تعكس الحالة النفسية والمشاعر الداخلية للشاعر.
ومنها

“عُقب الباب بيدخِّل خيط بيشف كسوفي”: تشير هذه الصورة إلى الانطباعات والأحاسيس الداخلية التي يعيشها الشاعر، حيث يصف دخول الظلام والكسوف إلى حياته وقلبه.

“طبلة وِدني بتسمع صوت سريان”: تظهر هذه الصورة الحسية صوت الحياة والنشاط الذي يمر عبر عروق الشاعر، مما يعطي إحساسًا بالحيوية والحركة.

“ف يبدأ هضمي”: صورة تعكس اندماج الشاعر مع بيئته والتأثير الذي يمارسه عليها وعلى حياته.

“الليل حافي والنوم مربوط علي حَنًك الباب”: تعكس هذه الصورة الاكتئاب والعزلة التي يعيشها الشاعر، حيث يشير إلى صعوبة النوم والشعور بالوحدة في الليل.

“متوتر وأنا لسَّه بشمعي”: تظهر هذه الصورة الحسية حالة التوتر والقلق التي يعاني منها الشاعر، مما يضيف للقصيدة عمقًا وتعقيدًا.

“لما بأغمي بأشوفك وأشفِّك وألفِّك وأزفِّك”: تعكس هذه الصورة العلاقة العميقة والعاطفية التي يشعر بها الشاعر نحو الشخص المعني، وتظهر الرغبة في الالتقاء والاتحاد معه.

باختصار، القصيدة كما ذكرت مليئة بالصور الجمالية التي تصف الحالة النفسية والمشاعر الداخلية للحبكي بطريقة مباشرة وعميقة.

أما عن قصيدة ( الهامش ) التي يقول فيها

يبلعني أسفلت القلَق
حكَّت دماغي في الرصيف
يجرفني هامش من ورا المخاليق
وكأني دون الناس
أرقب خطاوى الخَلْق والأحداث
قلبي اللي فاتح درفتينه سكُّهم
وش النهار في عينيا متوارب
تعصرني أحضان الشوارع بالجَفا
أقرا اليُفط وش وقفا
خبَّي الطريق وِشّه
تبهت ملامح كل شيء فيَّا
مهزوزة صورة الأهل في عينيا
ريق المواسم مُر
زَعق الطريق ما يمُر
غربلني وحداني
يبعد وأنا الداني
خَد منِّي ما أداني
ليه الطريق بيضيق ؟
ليه الطريق ما يطيق ؟
قَدَم الغريب بالذات
لو حتي فراداني
طير المغارب حط
فوق حِجرى بيواسي
دلدلت انا راسي
خبيت دموع عيني
نقَّر في كراسي
عدودة الغربه

فالقصيدة تصوّر حالة الانعزال والغربة التي يعيشها الشاعر، حيث يتأمل في تفاصيل الحياة من الهامش، ويشعر بالضياع والقلق. يتجلى ذلك في تشبعه بالأسفلت والرصيف، ويشعر بأنه دون الناس، مراقبًا خطاويهم وأحداثهم من مكانه الخاص. يُظهر الشاعر حيرته واستفهامه لماذا يضيق الطريق ولا يطيق؟ ويختم القصيدة بصورة تعبيرية عن الشعور بالحزن ، وتفكيك للمشاعر داخليًا.

القصيدة أيضا تعتبر في تصوري المتواضع لوحة فنية لعب فيها الحبكي علي رسم أكثر من زاوية لها فالصور الشعرية كثيرة فمثلا

عندما يقول

“يبلعني أسفلت القلَق”: تصوير للشعور بالقلق والضغوطات التي تغمر الشاعر، وكأنه يُبتلع بواسطة الأسفلت الملتهم.

وعندما يقول

“حكَّت دماغي في الرصيف”: تشير هذه العبارة إلى الانعزال والتفكير العميق الذي يختلج في داخل الشاعر أثناء وجوده في الهامش.

وعندما يقول

“يجرفني هامش من ورا المخاليق”: تعبر عن الشعور بالغربة وعدم الانتماء إلى المكان أو المجتمع، والشعور بأنه مختلف وفريد من حوله.

وعندما يقول

“أقرا اليُفط وش وقفا”: تصوير لقراءة اللافتات والمؤشرات في الطريق، والتفكير في موضوعات مختلفة ومتنوعة.

وعندما يقول

“خبَّي الطريق وِشّه”: يعكس هذا البيت شعور الشاعر بالضياع وعدم الاتجاه الواضح في حياته.
وعندما يقول

“ليه الطريق بيضيق ؟ ليه الطريق ما يطيق ؟”: تعبر هذه الأسئلة عن الشعور بالاكتئاب والحيرة من عدم فهم الطريق أو انسجامه مع الحياة.

ومن كل ما سبق نجد القصيدة تجربة للشاعر في الهامش، وتعبر عن الشعور بالغربة والضياع، مما يعكس الصراعات الداخلية والتحديات التي يواجهها.

“خاتم الوجدان”

وفي الخاتمة التي تحمل في طياتها قصة شاعرٍ، يمشي بين هوامش الأحلام والوجدان، منحوتٌ بدقة يُعكِس

أعماق القلب، ومرصع بألوان الغروب والإحساس الإنسان. تمتاز خواتمه بخيوط الشعر المتداخلة،

تحكي قصة الهامش والضياع والاختناق، وتتلألأ بألوان الأمل والبحث عن الطريق، في صراعٍ مستمرٍ بين الحنين

والحراك. يحمل نقشًا لكلمات مزدحمة، تعبر عن هواجسه وأفكاره وأحلامه، وفي كل خط يرسم تفاصيل الشجن،

ويعلو صوت الصمت في رحاب الصمت الكبير. اتمني أن تكون دراستي هذه تليق بالشاعر الذي يملك قلبًا، يغوص

في أعماق الهامش والوجدان، ويصيغ الكلمات بعناية ورقة، ليخلد مشاعره في قصائدٍ وألحان. مملوءًا بالشغف،

ومرصعًا بألوان الحياة والإبداع، ليحمل في كلِّ حجر قصة شاعرٍ، ينبض بالحياة والعطاء. أنه الشاعر الجنوبي الصديق

محمود الحبكي

                                                                                                                الجميلي أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى