أخبار عاجلةساحة الإبداع

فاطمة البسريني تكتب حالة ملل قاتلة

قصة قصيرة

ـــ هل سبقت إدانتك بارتكاب جريمة من قبل ؟
ــ نعم
ــ ما هي تهمتك ؟
ــ طعنته طعنات كثيرة لم أعدها .
ــ وقعي على هذه الورقة، هنا، وضعي كل ما في جيوبك في هذا الكيس
بسرعة.
ـ خذي الأغطية واذهبي .. لا تقومي بأي شيء سخيف.
في وقت ما من حياتك، ستصل إلى عدم الاقتناع بأي شخص أو أي شيء، وستتوقف عن الحركة الكثيرة وقد تتجمد من صفعات الحياة الكثيرة، القاسية، المتوالية.
هذا ما شعرت به أو أنها لم تشعر بشيء إلا بهذا الصقيع الكبير الذي يحتلها .
إنها لا تعرف هل هو صقيع هذه الردهات الطويلة أو الجدران الرمادية، البنية، من هذا السجن، أم هو صقيع نفسها.
لم تكن ممن يحبون الأحزان أو يستسلمون لها أبدا، كانت تملك روحا مرحة، محبة للفكاهة والضحك، فكم أضحكت من حولها بهزلها وسخريتها من العالم بكلماتها التي تبعث على البهجة والسرور.
لكن ، بعدما حصل ، فقد انطفأ الكون حولها وفي عينيها ، وأصبح كل شيء مشوشا ، مظلما .
قصتها كانت ممتعة ومثيرة في البداية، لكن ذلك أخذ في الاضمحلال يوما بعد يوم إلى أن انتهت في صمت وفجأة مرة واحدة وأخيرة، كالموت، كمن أنهك نفسه بالسهر لأيام متتالية وفي آخر يوم لم يستفق أبدا من نومه.
لم يعد باستطاعتها الصبر، وفتح صفحة جديدة كلما مرة، فقد نفذ صبرها بكل بساطة.
الأيام تمر ولا أحد يرى أنها تتحطم وتتلاشى، لا شيء يذهب ولا أحد يراها وقد دخلت في غيبوبة أفكارها.
إنه لا يهتم لها إطلاقا ، ولا أحد إلى جانبها تحكي له ، وآمالها تندثر بنظرة واحدة منه .
من الصعب عليها أن تمثل أن كل شيء على ما يرام، وتبدو غير مبالية ولا مهتمة.
كانت دائما تردد مع نفسها: ( إنها مسألة وقت فقط ).
كانت تتشبث بالصبر، رغم أنها كثيرا ما كانت تستفيق من نومها وقد أخذ منها الفزع أيما مأخذ، بعينين جاحظتين، والعرق يسيل من يديها وكل جسمها، وكانت دائما ما ترى نفسها على حافة جرف وبرغبة ملحة أن تقفز إلى عمقه.
تريد أن توقف كل ما يحدث لها، منه : عنفه، كرهه، جبنه ، تجاهله لها .
كل شيء يدفعها إلى التحرر من قبضته، كان كل الألم الذي تشعر به ملموسا، كانت تشعر أنه يخترقها، لكنها لم تكن تعرف كيف تعبر عن ذلك.
كانت تظن أنها في حاجة إلى النوم فقط، لكنها كانت تريد أن تنام لألف سنة المقبلة، فقد قتل رغبتها في الحياة.
حالة ملل مميتة من كل شيء، وخمول وإرهاق، فكر مبعثر لا تعرف كيفية تهدئته.
شعور مؤلم أن تتظاهر أن كل شيء بخير وعلى ما يرام.
سألها بعد صمت طال :
ــ والآن، في هذا السجن، ألا تشعرين بذلك الملل القاتل الذي جعلك تحسينه قبل أن تنهي حياته ؟.
أجابته وابتسامة مستهزئة على شفتيها :
ــــ لا ، كل شئ توقف ، أشعر بهدوء لا مثيل له ، واطمئنان وراحة ، هل تصدق ذلك ؟
ومع ذلك ، لا أنكر أنه مهما كان نوع المادة التي تصنع منها الأرواح ، فإنه جعل روحي وروح الشيطان، متشابهتين .
ولا أنكر أنني رغم كل ما مررت به من صدمات هذه الحياة ، لم أعرف يوما ألما ووجعا أكبر وأعظم من ألم ووجع حبه .
ـــ نعم ، لقد أحببته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى