أ.د عصام البرام يكتب الكتابة… بين الإبداع الفكري والخيال الإبداعي

تختلف الأعمال الأدبية من مبدع أو كاتب الى آخر وفقاً للإمكانيات الذاتية من تجارب وثقافة يحملها المبدع، وقدرته على تقديم محتوى مميز وأصيل ينفرد به عن غيره، بالإضافة الى شروط ينبغي له ان يصل اليها أو محاولة السعي للارتقاء اليها بغية الحصول على نتاج إبداعي يقرأه المتلقي بتفاعل مع النص المكتوب. وعليه، فعلى الكاتب المبدع أن يُظهر الأصالة والابتكار.. وأفكاراً جديدة وأساليب مبتكرة تخرج عن المألوف، وتقديم رؤية فريدة للأحداث والشخصيات والمفاهيم في نصوصه.
فالمبدع أن يكون لديه عمق الفهم الإنساني والقدرة على استكشاف مشاعر وأفكار وتجارب إنسانية بعمق، بحيث يستطيع القارئ الشعور بأن النص يتحدث إليه مباشرة، أو يعكس جزءاً من تجربته الحياتية، بالأضافة الى إتقانه اللغوي، إذ يعد الأسلوب اللغوي من أهم الأدوات التي تميز الأديب والكاتب المبدع، حيث يظهر تميزه من خلال انتقاء المفردات وتوظيف الأساليب البلاغية والرموز، بطريقة تضفي جمالاً على النص وتزيد من تأثيره، وله القدرة على السرد والبراعة في استخدام اللغة والأسلوب الذي يصل الأفكار بطريقة تجذب القاريء أو المشاهد، فالسرد القوي يجعل العمل ينبض بالحياة، ويجعل العمل الأدبي، قصةً أو روايةً أو فلماً سينمائياً، أكثر تأثيراً وعمقاً.
فالأديب أو الكاتب، يمتلك من المهارة في إثارة مشاعر القارئ، ويوظّف الخيال والتصورات، سواء كانت السعادة أو الحزن أو التأمل، بحيث يثير القارئ بشكل عميق عما يقرأ، فالمبدع يتقن بناء عوالم متخيلة أو تصوير مشاهد واقعية بطريقة تجعل القارئ يشعر وكأنه جزء من متن النص، ومن خلال قدرته على تخيل عوالم جديدة وأفكار نادرة، فالخيال الواسع؛ هو الإحساس الذي يُبنى عليه الإبداع، إذ يساعد المبدع على تجاوز المألوف وابتكار قصص أو أفكار غير تقليدية، ويمنح الكتابة بعداً جمالياً وفنياً.
إن أمكانية المبدع على تخيّل عوالم جديدة وابتكار قصص أو أفكار عميقة ناضجة الخيال ومتجددة، تمنح العمل تميزاً وجاذبية تترك وقعاً على نفسية القارئ أو المشاهد. كما ينبغي على الأديب والكاتب المبدع، ملاحظة التفاصيل الصغيرة في الحياة اليومية وتحويلها الى أفكار وإلهامات؛ فالتفاصيل الدقيقة تضيف الى العمل مستوى آخر من الدقة والإتقان، مما يجعل التجربة أكثر واقعية وقوة وتأثير. وعليه أن يملك عيناً ترى ما لا يراه الآخرون، سواء في الشخصيات أو الأحداث أو التفاعلات الإنسانية، وأن يُظهر قدرته على ملاحظة التفاصيل الدقيقة، سواء في وصف الشخصيات أو البيئة أو التفاعلات بين الأحداث، مما يضفي واقعية على العمل ويزيد من تعمقه، وعلى النص المكتوب؛ أن يمتلك روح التفاعل بين الواقع والمجتمع، ويقدّم نظرة نقدية أو تحليلية للواقع، بحيث تُعبّر نصوصه عن قضايا إنسانية واجتماعية تعكس تفكيره العميق، وتصل الى القارئ وتلامس احتياجاته وتطلعاته.
فالنصوص الإبداعية، ينبغي أن تمتلك عمق جدل الحياة الإنسانية، أي إنها تلامس الإحساس العميق ومشاعرها وتجاربها، فهذا يساعد على خلق شخصيات حقيقية وواقعية، بالإضافة إلى قصص تُلامس القلوب وتثير القارئ وتشبع رغبته ومتعته بالقراءة المستمرة. كما إن المبدعين أن يحملوا على رؤية الجمال في كل ما يحيطه، ولديهم الاحساس بالجمال، سواء في البساطة أو التعقيد، أو في اللحظات العابرة أو المتأملة، هذا الحس الجمالي ينعكس في كيفية تصويرهم المشاهد أو وصف الشخصيات والأماكن ومدى ما ترسمه فكرتهم وخيالهم.
لذا على الكاتب والأديب المبدع، أن يسعى الى امتلاك الثقافة والمعرفة الواسعة، والاطلاع الواسع على مختلف المجالات الفكرية والفنية والتاريخية، فالثقافة العامة والمتنوعة، تضيف عمقاً الى الأعمال الفنية، حيث تُسهم في بناء شخصيات وأحداث مستندة الى فهم شامل للتأريخ والفلسفة والمجتمع والسياسة، مما يساعد على إثراء العمل بمرجعيات متعددة، وإعطائه بعداً أعمق، فالمعرفة تمكّن المبدع من طرح رؤى متعددة ومناقشة أفكار معقدة بطريقة سلسة وسهلة ومثيرة لاهتمام، وامتلاكه الجرأة الفنية في تناول الموضوعات الشائكة والتعبير عن الأفكار غير التقليدية.
كما ينبغي له أن يكون مستعداً للخروج عن الأنماط المعتادة، واستكشاف ما هو جديد وغير مألوف. ومما لا شك فيه، فأن التجربة الشخصية لها أهميتها الكبيرة، فعلى المبدع الاستفادة من تجاربه الشخصية وإعادة صياغتها بأسلوب فني، لكي يضفي على العمل أصالة وصدقاً، فعندما يعبّر المبدع عن مشاعره وتجربته بصدق، يصل الى القارئ بصدق وبشكل أقوى.
ومن الجدير بالذكر، إن على المبدع ان يمتلك القدرة على نقد أعماله ومراجعتها باستمرار لتحسينها، فالأديب والكاتب الجيد، لا يكتفي بالمسودة الأولى، بل يعيد النظر فيها ويعمل على تطويرها حتى تصل الى أفضل صيغة ممكنة، فإذا تمكن المبدع من تجميع هذه الصفات، يمكّنه أن يخرج بعمل يمتلك من قوة الجذب والتأثير، ويظل خالداً في ذاكرة القرّاء أو المشاهدين، بغض النظر عن نوع الفن الذي يمارسه لإنتاج عمل مهم وعبقري له تأثير على القارئ أو المشاهد في مختلف الفنون الأدبية والفنية والسينمائية، فينبغي أن يتمتع المبدع الأدبي أو الكاتب بهذه القدرات على الأقل؛ ليشعر مَنّ يطلع على إبداعه بالاهتمام والتقدير لقلمه وفكره وخياله. إن تقبّل المبدعون للنقد والعمل على تحسين مهارات الكتابة عندهم، كذلك الفنون الابداعية الأخرى، فهو جزء لا يتجزأ من رحلة المبدع نحو إنتاج أعمال عبقرية.
فالمبدعون، عندما يمتلكون قدرة التعبير على نقل المشاعر والأفكار بشكل دقيق ومؤثر بحيث يستطيع القارئ أو المشاهد أن يتفاعل مع الشخصيات والمواقف بشكل طبيعي، وينغمر في تفاصيل الأحداث، أولئك هم الذين يمتلكون من ناصية الإبداع حقاً. كذلك عليه البحث والدراسة، فالمبدع الأديب أو الكاتب؛ أن يجري بحثاً دقيقاً حول الموضوعات التي يتناولها، لضمان تقديم محتوى ذو مصداقية وعميقة، سواء في سرد القصص الأدبية أو بناء الشخصيات والأحداث الدرامية. إن شغفهم والانغماس في عملهم الإبداعي يضيف روحاً الى أعمالهم، ويجعله أكثر صدقاً وجاذبية للمتلقي، حيث يشعر القارئ او المشاهد بأن العمل قد كُتب من قلب وعقل مفتوحين، ذلك إن الأعمال العظيمة غالباً ما تتطلب من الجرأة في تقديم أفكار غير تقليدية أو موضوعات مثيرة للجدل، مع تجاوز الحدود المألوفة في التفكير والتعبير. فعلى الكاتب أو المبدع، أن يكون صادقاً مع نفسه ومع عمله، فيحترم رؤيته الفنية دون أن يُملي عليه الآخرون ماذا عليه أن يؤلف من كتابةً أو تصوير أو رسم أو موسيقى، وغيرها من الفنون الإبداعية الأدبية والفنية.
من هنا ندرك، إن العمل العبقري يتطلب التوازن بين كل ما تقدم، مع التركيز على تطوير المهارات باستمرار والانفتاح على التجارب الإنسانية المختلفة، بما يساهم في إنتاج عمل أدبي أو فني أو سينمائي. الخ بحيث له تأثير دائم على المتلقين. فالإبداع ليس نتاج الإلهام فقط، بل يحتاج الى جهد مستمر وعمل دؤوب، والقدرة على الإصرار والانضباط على التفرغ، والالتزام بالعمل على المشروع الإبداعي حتى إتمامه، تلك هي سمة أساسية لدى المبدعين الناجحين، والتي تجعل الأديب والكاتب والفنان مميزاً، وتجعل كتاباته ذات قيمة وإبداع يخلده الزمن ويميزه عن غيره من الأدباء. كما يكون عمله الإبداعي ذو تأثير عالمي، سواء كان أديباً أو كاتباً أو فناناً أو سينمائياً، أو غير ذلك من الفنون الإبداعية.