أخبار عاجلةالرئيسيةدراسات ومقالات

الهيرمينوطيقا التأويلية لقصيدة “مُتَيَّمـةٌ بالنور” لهبة الفقي: رحلة بين النور، الهوية والوجدانيات الصوفية:

بقلم : عماد خالد رحمة _ برلين.

 

قصيدة “مُتَيَّمـةٌ بالنور” تأتي ضمن الشعر الديني ومدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مترافقة مع روحانية عالية تعكس التقاء الهوية الإنسانية بالإيمان الصوفي. ومن خلال الهيرمينوطيقا يمكن الكشف عن مستويات المعنى العميقة في النص، التي تجمع بين وهم الكينونة (الذات المتألقة بالنور الإلهي) وصلابة المصلحة (الحياة الواقعية التي يحكمها العقل والتجربة الإنسانية)، مع تقديم رؤية متماسكة للبنى النفسية والعاطفية للمتحدثة الشعرية.
–1. الهيرمينوطيقا التأويلية:
القصيدة تبدأ بصورة “مُتَيَّمـةٌ بالنور”، وهو تعبير مركزي يُعيد إنتاج رمزية النور في النصوص الصوفية التي تشير إلى الهداية الإلهية والمعرفة الروحية، كما يظهر عند ابن عربي في قوله: “الحق نور لا يطالعه إلا من أضاء قلبه”. هنا، الهيرمينوطيقا تسمح لنا بفهم النص كرحلة وجدانية تتجاوز الكلمات لتكشف علاقة الإنسان بالله، والروح بالمصدر النوراني للمعنى.
النص يعيد تأكيد الفعل اللغوي كشكل من أشكال العبادة: “أُعَوِّدُ أنفاسي على شَهقة اللقا” و**”أُطْعِمُ ثغر الأمنيات ليَنْطِقا”**، حيث تصبح اللغة وسيلة للوجود الرمزي الذي ينسج علاقة بين النفس والقداسة.
—2. التحليل الأسلوبي:
القصيدة تعتمد على أسلوب التكرار الموزون (مُتَيَّمـةٌ بالنور) لتعزيز وحدة الموضوعية الروحية والوجدانية، وتوظيف الأفعال المضارعية المستمرة (أُعَوِّد، أُطْعِم، أُسافر) لإيحاء الحركة المستمرة للروح نحو الرسول.
_الصور الشعرية غنية بالرموز:

_النور: دلالة على الهداية والقدسية.
الطيور، الأنهار، الأجنحة: رموز للتحليق الروحي والانفتاح على المعنى الإلهي.

_المسافات والرحلات: استعارة للمسار الروحي الطويل والمشقّة التي يمر بها العاشق الإيماني.
-3. التحليل الرمزي والديني:
القصيدة تستند إلى بنية رمزية صوفية:
الرسول صلى الله عليه وسلم يمثل نقطة ارتكاز الوجود الإيماني.
النص يدمج بين المدح المباشر والوصف الرمزي للصفات الإنسانية النبوية: النور، الرحمة، الهداية، والتقوى.
الرمزية هنا تتفاعل مع البعد النفسي للمتحدثة: الإحساس بالفقد، الشوق، والهُيام بالنور، بما يعكس الوجود الكلي للروح في حضرة الحقيقة النبوية.
–4. المنهج السيميائي:
من منظور سيميائي، يمكن قراءة النص كـ نظام علامات:
كل صورة شعرية هي دلالة على وجود الرسول في الحياة الروحية: “مِداد الضّوء في كل محنة”، “نهار الأنوار”، “سراج بأنوار الهداية”.
الرموز تعمل على إعادة إنتاج الإيمان عبر اللغة، حيث تصبح الكلمات حاملات للوجود الصوفي أكثر من كونها مجرد أداة تواصلية.
–5. البنى النفسية:
القصيدة تظهر تفاعلاً نفسياً عميقاً:
الذات المتيقظة روحياً: النص يعبّر عن شوق دائم وإحساس بالانتماء الروحي.
_التفاعل الوجداني: الشاعرة تعكس التمزق الداخلي بين الشوق للوصول إلى الرسول وصعوبة المسافة: “سيبقى على قدر المسافة مُرْهقاً”.
_التحوّل النفسي: الرحلة الشعرية تمثل تطهيراً للنفس، حيث تتحول مشاعر الاشتياق إلى طاقة روحية ومعنوية، ما يعكس مفهوم التحوّل الصوفي.
–6. الهيرمينوطيقا بين الهوية والجذر الإيتمولوجي:
القصيدة توظف اللغة العربية الفصحى الكلاسيكية مع صور صوفية عميقة، ما يعكس الجذر الإيتمولوجي للنصوص الدينية، ويؤسس لهوية شعرية متميزة:
استخدام التكرار الموسيقي والإيقاع الشعوري يخلق إحساساً بالاستمرارية والخلود، وهي خصائص أساسية للمديح النبوي.
النص يعيد إنتاج العلاقة بين الفرد والقدوة النبوية، بين الذات والرمز، وبين الشوق الإنساني والارتقاء الروحي، وفق مبادئ الهيرمينوطيقا التي تربط النص بالمتلقي.
–7. خلاصة وتوصيات تطبيقية:

قصيدة “مُتَيَّمـةٌ بالنور” ليست مجرد مدح تقليدي، بل نموذج غني للدراسة النقدية التأويلية:
هي نص هرمنوطيقي صوفي يمزج بين اللغة والرمز والوجدانية.
تظهر فيها الذات العاشقة في صراع دائم بين وهم الكينونة (الشوق والافتتان بالنور) وصلابة المصلحة (المسافة، تحديات الواقع).
_ البنية النفسية للشاعرة تظهر التحوّل الروحي كغرض شعري أساسي، ما يجعل النص مفيداً لتدريس الشعر الديني والتحليل النفسي للأدب الصوفي.
من حهتي كناقد يمكنني استخدام هذا التحليل في:
_ مناهج الأدب المقارن بين الشعر الصوفي العربي والشعر الديني العالمي.
_ دراسات نقدية نفسية لفهم البنى العاطفية والوجدانية في النصوص الشعرية.
_ التثقيف الديني والتربوي عن طريق الشعر كأداة لربط القيم الروحية بالممارسة الأدبية.

نص القصيدة:
…….
مُتَيَّمـةٌ بالّنــورِ
أُعَــوِّدُ أَنْفـاسي عـلى شَهْقَــةِ اللِقــا
وأُطْـعِــمُ ثَـغْـــرَ الْأمْنِيــاتِ لِيَنْطِقــا
وأَدْري بأنَّ الشَّــوقَ خَيْــلٌ لِجامُهــا
سَيَبْقى على قَـدْرِ الْمَسافَــة مُرْهِقـا
تَطيــبُ قُلــوبُ التّـائِقيــنَ بِـدَمْعَــةٍ
فما بالُ قَلْبـي كُـلَّمــا تــاقَ أُحْــرِقـا؟
أُسافِـرُ مِـن ضيـقِ المْجــازِ قَصيـدَةً
تَشُـــقُّ خَيـــالاتٍ وتَعْبُــــرُ مَنْطِقـــا
تَمُــدُّ جَنــاحَيْهــا إلـى خَيْــرِ وِجْهَــةٍ
تُـراوِدُ مَعْنـىً فـي السَّمـــاءِ مُحَلِّقــا
مُتَيَّمَـــةٌ بالنّــــورِ مــازِلْــتُ خَلْفَـــهُ
أُرَبّــي جَميـعَ الْمُفْـــرَداتِ لِتــورِقــا
مُتَيَّمَــةٌ بالنّــورِ مُــذْ جـــاءَ سَيِّــدي
سِــراجًــا بأنــوارِ الْهِــدايَـةِ مُشْـرِقا
لأَجْــلِ جمـــوعِ الْعــاشِقيــنَ أَتَيْتُــهُ
وَحَــرْفـي بِأَزْهــارِ الْمَحَبَّـــةِ طُـوِّقــا
“مُحَمَّــدُ” وانْثالَــتْ بِشـاراتُ رَحْمَةٍ
وَأَيْنَــعَ فَجْـــرٌ بالسَّمــاحَــةِ والتُّقـى
” مُحَمَّـدُ” يا تاجًا على هامَـةِ الْوَرى
وَسَعْـدًا على خَـدِّ الْوُجــودِ تَرَقْـرَقـا
ويا لَبْنَــةَ الْحَــقِّ التـي اكْتَمَلَـتْ بِهـا
رِســـالاتُ رَبّـــي قَبْـــلَ أَنْ تَتَفَتّقـــا
مشيــتَ فلا ظِــلٌّ يحيطُــكَ إنَّمــا
هُــدىً مِـنْ ثَنِيّــاتِ الْجَمـــالِ تَدَفّقـا
مَحَــوْتَ جِــراحَ الْمُتْعَبيــنَ بِلَمْسَــةٍ
وأَحْييــت كَـوْنًا كـادَ يُهْلِكُـه الشَّـقـا
“ولَـوْ كُنْــتَ فَظًّـا” ما أتـاكَ مُهَـرْوِلاً
زَمـانُ الضَّنـى كَـيْ يَسْتَريحَ ويُعْتَقَـا
عَطـاشَـى وتُشْقينـا الْحَيـاةُ بِمِلْحِهـا
وشَهْـدُ الليـالي مــنْ أَكُفِّـكَ يُسْتَقَـى
فأَنْـتَ مِدادُ الضَّـوْءِ فـي كُلِّ مِحْنَـةٍ
وحُلْــمٌ بِبـــالِ الْمُعْجِـــزاتِ تَحَقَّقــا
نَبِـيٌ كَـســــاهُ اللهُ بُــــرْدَةَ طُهْـــــرِهِ
فَسـادَ علـى كُـلِّ الْخَـلائِــقِ وارْتَقى
وَدونَ رَســولِ اللهِ هَـــلْ ثَــمَّ جَنَّــةٌ
تُلَمْلِــمُ أَحْـــلامَ الْجِيــاعِ إلـى النَّقــا؟
علـى بـابِهِ قَدْ جِئْـتُ أَحْمِـلُ مُهْجَتي
قصيدًا بأَنْــــغامِ الْحَنيـــنِ تَــأَلَّقـــا
يَــدايَ تَضُمّـــانِ الْمَــدَى وبِأَضْلُـعي
كَــأَن فَضــــاءَ الْعـارِفيــــنَ تَعَلّقَــــا
ومِـنْ غارِ أشْجاني خَرَجْتُ ولَهْفَتي
تَـمدُّ لأنْـهـــــارِ النُّبُـــوَّةِ زَوْرَقـــــا
وروحـي تَهُـزُّ الْغَيْــمَ حَتّـى يَمَسَّهــا
سَــــلامٌ إذا رَقَّ الْحَبيــبُ وأشْفَقـــا
وفي زَحْمَةِ الْأشْواقِ مازالَ خافِقي
يُـراوِغُ حُـزْنًا فـي الـدِّمــاءِ مُعَتَّقـــا
يُـرَتِّـــلُ لِلْمُخْتــــارِ أنَّــــاتِ أُمَّتـــي
فيُعْجِـــزهُ معـنىً بفيــهِ تَمَـــزّقـــا
عُـراةٌ مِـنَ الْآمـالِ بَعْضُ مَشاعِـري
وحَسْبــي دِثــارٌ مِــنْ بهائِـكَ يُنْتَقـى
فكلُّ جِهـاتي دونَ وجهِـــكَ غُرْبَــةٌ
وصَـدْرُ زَمانـي صارَ بَعْـدَكَ ضَيِّقـا
فَيـا خَيْـرَ مَـنْ طـافَ السَّمـاءَ بِلَيْلَـةٍ
ويا خَيْـرَ مَـنْ بالْأَرْضِ آمَـنَ واتَّقـى
أتَيْتُــكَ فِـي كَفَّـي بَيــاض حَمامَـــةٍ
وجــذعٌ إذا طــال الغيــابُ تَشَوَّقـا
مُتَيَّمـَـــةٌ والْحُــــبُّ أَكْبَـــــرُ نِعْمَــــةٍ
فَطـوبى لِمَـنْ في دَربِ حُبِّـك وُفِّقـا
عَلَيْـكَ سَــلامُ اللهِ مِـنْ كُـلِّ عاشِــقٍ
رآكَ بِمِـــــرْآةِ الْفُـــــؤادِ وصَــدَّقــــا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى