أخبار ثقافيةأخبار عاجلةأراء حرة

صباحي أنتَ قراءة هيرمينوطيقية-أسلوبية-نفسية في القصيدة العاطفية الرمزية لدى زبيدة الفول

""عماد خالد رحمة _ برلين. ""

تنهض قصيدة “صباحي أنتَ” للشاعرة د. زبيدة الفول بوصفها أنشودة وجدانية شفيفة، تقيم جسراً بين الذات الشاعرة و”الآخر-الحبيب”، وتفتتح فضاءً تأويلياً ذا طبقات، تتداخل فيه الصور الرمزية، والدلالات النفسية، والنبضات الأسلوبية المرهفة. إنها ليست مجرد قصيدة غزلية، بل خطاب حميميّ مشبّع برموز كونية وفلسفة عشق تلامس الوجود والمعنى.

_ في سياق المنهج الهيرمينوطيقي – الفهم بوصفه تأويلاً للحب والمعنى.
1. فهم الوجود من خلال “أنت”:
في قولها:
“صباحيَ أنتَ، ومَن سواكَ يُضيءُ لي / دربَ القصيدةِ والحنينِ الخافِقي”
تُعيد الشاعرة تعريف الوجود من خلال الحبيب، فيصبح “أنتَ” هو البدء والنور والسبب، في تأويل يجعل من الآخر ليس مجرد معشوق، بل محوراً تأويلياً يضيء القصيدة والحنين، أي يضيء الذات الشاعرة من الداخل. هنا تتجلى هيرمينوطيقا الذات – حيث لا يكون المعنى خارجاً عن الذات، بل متحققاً في ضوء علاقتها بالآخر.
2. اللغة كوسيط وجودي:
الشاعرة تتعامل مع اللغة بوصفها “مجازاً وجودياً”، لا أداة نقلٍ فقط، فنجدها تقول:
“كلماتُكَ البيضاءُ تُورقُ داخلي، / كالآيةِ العُظمى، ووجدِ المُعتقي”

في هذا البيت، تُفهم الكلمة بوصفها طقساً وجودياً، أقرب إلى الكشف، إلى “الآية”، إلى لحظة الخلاص. هذا تأويل يتجاوز المعنى المعجمي للكلمة، إلى معناها الباطني، وهو ما ينسجم مع رؤية بول ريكور في أن “الكلمة ليست ما تُقال، بل ما تُضيء وتفتح من أفق”.

ثانياً: التحليل الأسلوبي – خصائص الجمال الإيقاعي والتراكيب الشعرية.
1. الإيقاع الداخلي وموسيقى التكرار:
يحضر التكرار بوصفه أسلوباً تعبيرياً وشعورياً، كما في تكرار “صباحي أنت”، و”ضحكتك”، و”كلماتك”، و”يا أنت”؛ هذا التكرار لا يؤدي وظيفة جمالية فقط، بل هو تكرار انفعالي يضخّ في النص إيقاعاً وجدانياً، يوازي النبض الداخلي للذات العاشقة.
2. توظيف التوازي البنيوي، تقول الشاعرة زبيدة الفول:
“ضحكتكَ الأولى انبلاجُ مفاتني، / وهديلُ وجدي، وانثناءُ المِعْرَقي”
كما تقول :
“ما زلتَ تسكنني صباحًا خاشعًا، / فكأنني قمري، وأنتَ المشرقي”

في هذه الأمثلة، نجد توازياً في البناء التركيبي، مع مفاجآت بلاغية تُعيد تشكيل العلاقة بين الصورة والمجاز. استخدام “المشرقي” مثلًا يعكس انحيازاً للشرق بوصفه موطناً للروح والنور، خلافاً للصورة الغربية التقليدية للآخر.
_ في سياق التحليل النفسي الرمزي – حضور الأنا والآخر واللاوعي العاشق.
1. الحبيب كرمز للكمال النفسي:
من منظور كارل يونغ، تمثل صورة الحبيب في القصيدة “الأنيموس” – أي الجانب الذكوري المتخيل في نفس الأنثى، الذي يعكس توقها للكمال الداخلي. الحبيب ليس رجلاً بعينه، بل تمثيلٌ للمطلق، للكمال، للوجه الذي تبحث عنه النفس في مرايا العالم.
2. القصيدة كمرآة للذات العاشقة:
“ما بينَ نبرتكَ الرقيقةِ دهشةٌ / تمضي، وتوقظُ ما تشاءُ بمِهْرقي”

الدهشة، هنا، هي لحظة اللاوعي حين يصطدم بالنداء الداخلي. تُحرّك القصيدة منطقة الوجدان اللاواعي وتستدعي التوق القديم للاندماج. “المهرق” هو الذات النازفة من فرط التوق، الباحثة عن الشفاء عبر صوت الحبيب.
3. اللغة كأداة استبطان وتطهّر:
في قولها:
“تمضي حروفي في هواكَ مَشرَّعةً / للريحِ، لكنْ لا تميلُ لمنطقي”

تبوح الشاعرة بانكسار المنطق أمام العاطفة، ما يشير إلى تصدّع التوازن العقلاني في لحظة العشق. إن الحروف هنا مشاعٌ بها، والريح تمثل تيارات اللاوعي، والانجذاب الغريزي الذي يتجاوز الفهم التقليدي.

_ في سياق الرموز والصور الكبرى في النص.
الرمز الدلالة المحتملة.

الصباح الولادة، البداية، الكشف
الضحكة النور، الحياة، التجلّي الروحي
الكلمة البيضاء الصفاء، الإلهام، اللغة المقدسة
المشرق المصدر، الأصل، شمس المعنى
العطر الأثر الباطني للحب، الحضور الخفي

_ في سياق فلسفة الحب في القصيدة:

تسأل الشاعرة د. زبيدة الفول:
“يا أنتَ! كم في الحُبِّ من فلسفةٍ؟ / كالعطرِ… لا يُخفى على المُتذوقِ”

بهذا البيت المفتاح، تتوّج القصيدة بوعيها الذاتي، فتتأمل في فعل الحب ذاته كحالة فلسفية. الحب، كما العطر، لا يُرى، بل يُشمّ، يُحسّ، ويترك أثره في الخلايا والمخيال. تقول الشاعرة ضمناً إن الفلسفة الحقيقية هي في التجربة، في الملموس الذي يتجاوز النظرية.

خاتمة: نحو قراءة تأويلية مفتوحة.

تفتح قصيدة “صباحي أنتَ” فضاءً تأويلياً غنياً لا يُختزل في بعد واحد. إنها قصيدة:
شعورية تلامس الوجدان.
فلسفية تُفكر في الحب بوصفه وجوداً.
رمزية تستدعي اللاوعي وتحاكي “أنيموس” الذات.
جمالية تتقن لغة الصورة والمجاز والإيقاع.

إنها قصيدةُ “أنا” تكتمل بـ”أنت”، لا بوصفه رجلاً فقط، بل مرآةً داخلية تنعكس فيها رغبة الشاعرة في المعنى، والخلاص، والانتماء إلى ضوءٍ أبدي.

بقلم الكتور: عماد خالد رحمة- برلين

نص القصيدة

صباحي… أنتَ

صباحيَ أنتَ، ومَن سواكَ يُضيءُ لي
دربَ القصيدةِ والحنينِ الخافِقي

صوتُكَ انحدارُ الكوكبِ المشبوبِ من
وترِ السما، وسكونُهُ المتأنّقي

ضحكتكَ الأولى انبلاجُ مفاتني،
وهديلُ وجدي، وانثناءُ المِعْرَقي

في ضحكتِكْ: أسرارُ هذا الكَوْنِ لو
باحتْ، لضاعتْ في الغيابِ المطلقِ

كلماتُكَ البيضاءُ تُورقُ داخلي،
كالآيةِ العُظمى، ووجدِ المُعتقي

تمضي حروفي في هواكَ مَشرَّعةً
للريحِ، لكنْ لا تميلُ لمنطقي

ما زلتَ تسكنني صباحًا خاشعًا،
فكأنني قمري، وأنتَ المشرقي

من أينَ جئتَ؟ ومَنْ سَماكَ مرشدي؟
وكأنّ فيكَ النورُ من أفقٍ نقي

صباحيَ المعنى، وموجُ تبسُّمٍ
ينسابُ منكَ على الزمانِ الأزرقِ

ما بينَ نبرتكَ الرقيقةِ دهشةٌ
تمضي، وتوقظُ ما تشاءُ بمِهْرقي

يا أنتَ! كم في الحُبِّ من فلسفةٍ؟
كالعطرِ… لا يُخفى على المُتذوقِ

صباحيَ الأوّل، والأخيرُ، ومرفئي
إنْ ضلّ قلبي، أو تكسّرَ مِدفقي

د. زبيدة الفول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى