نسرين معتوق تكتب عندما تؤرِّخ كلماتُ شاعرٍ حكايةَ وطن

قرأتُ بشغفٍ واستمتاعٍ كتاب «محمود درويش: وطنٌ في شاعر» للأديبة الشاعرة الدكتورة عزة بدر، والكتابُ دراسةٌ نقديةٌ إبداعيةٌ استثنائيةٌ في الوقت نفسه وبامتياز؛ إذ لم يتناول فحسب مجمل أعمال الشاعر الفلسطيني الغائب الحاضر محمود درويش، بل تجاوز ذلك بأن قدّم، بالتوازي مع تناوله لأعمال الشاعر، سردًا تسلسليًّا لسيرته الذاتية، مما أضفى على العمل النقدي بُعدًا إنسانيًّا بديعًا زاده عمقًا وثِقَلًا.
ذلك البعد الإنساني هو نفسه الذي لا بد أن تشعر به وأنت تقرأ أو تستمع لأعمال الشاعر محمود درويش، وقد شكّلته تلك الأحداث السياسية والاجتماعية التي عاصرها الشاعر ولازمته منذ تهجيره وأسرته من قريته «البروة» عام 1948م، ومرورًا بنزوحه من مكانٍ إلى مكانٍ داخل وطنه الأم فلسطين، ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية، ومن ثَمّ انتقاله إلى حياة الشتات التي أمضى فيها أغلب حياته متنقّلًا بين عدة دول، وحتى عودته بعد اتفاقية أوسلو التي رفضها، وكان إبرامُها سببًا في استقالته من منظمة التحرير الفلسطينية.
محمود درويش متعددُ الثقافات، منفتحُ الأفق، وقد استطاع، ومن خلال دواوينه، أن ينقل لنا واقعَ وشعورَ الإنسان الفلسطيني؛ سواء كان في الداخل تحت الاحتلال، أو كان في الشتات يطرق كلَّ أبواب العودة يوميًّا ولا يعود، يرتحل حاملًا بيتَه في صدره، وفي قلبه وطنٌ سليب.

محمود درويش الذي أبدع حين كتب:
«كنتُ أحسب أن المكان يُعرَف بالأمهات ورائحةِ المريمية؛ لا أحد قال لي إن هذا المكان يُسمّى بلادًا، وأن وراء البلاد حدودًا، وأن وراء الحدود مكانًا يُسمّى شتاتًا ومنفى».
استطاعت الكاتبة، بعبقريةٍ فريدة، ومن خلال اختياراتها للنصوص الشعرية للشاعر الراحل، أن تدمج بين الرؤية النقدية والتشريح النفسي الدقيق لمحمود درويش، الذي انعكس على أعماله، وبين التوثيق لحقبةٍ زمنيةٍ طويلة من تاريخ القضية الفلسطينية بتسلسل أحداثها، وبكل المستجدات السياسية التي عاصرتها وأثّرت فيها.
عبقريةٌ نقلت الكتابَ من كونه دراسةً نقديةً تتناول أعمالَ شاعرٍ إلى مرجعٍ يوثّق لقضيةٍ مركزية: قضيةِ أمةٍ، وهي القضية الفلسطينية.
«محمود درويش: وطنٌ في شاعر» عملٌ رائعٌ يستحق القراءةَ والاقتناء، كما يستحق أكثر من قراءةٍ نقديةٍ تُوفيه حقَّه من الدراسة والتحليل والتقدير أيضًا.