أخبار ثقافيةأخبار خارجية وشئون دوليةأخبار عاجلةالرئيسية

الرواجفة يعاين شعرية النسق الروائي

 

عمّان- متابعة أوبرا مصر

يقدم د.ليث الرواجفة في كتابه “شعرية النسق الروائي” قراءة نقدية معمّقة في علاقة السرد الروائي العربي بالأنساق الثقافية الكامنة والمضمرة، تلك التي تعمل في “المنطقة المعتمة”؛ خلف اللغة والحكاية، وتعيد تشكيل وعي القارئ والعالم في الوقت نفسه.
ينطلق الرواجفة في كتابه الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” (2026) من فرضية نقدية أساسها إعادة النظر في مفهوم النسق، وتجاوز التعامل معه بوصفه قيداً ثقافياً، إذ يرى الباحث أن النسق بنية يمكن أن تتحول من القبح إلى الجمال بفعل السرد، ومن الظاهر إلى الخفي، ومن المباشر إلى الشعرية، وهذا ما يجعل من الرواية مساحة قادرة على تفجير المعاني، وتفكيك التوترات، وإعادة بناء الوعي.
يقدّم الكتاب الذي جاء في 160 صفحة، تصوراً ناضجاً للنسق، بوصفه دلالة مضمرة ليست من صنع الكاتب أو القارئ، بل تتشكل تلقائياً من خلال العملية الثقافة، وتظهر في مناطق العتمة في السرد؛ بمعنى أنها تحتاج إلى بصيرة نقدية لاكتشافها وإعادتها إلى سياقها الصحيح.
ويتوزع الكتاب على مقدمة وخاتمة وفصلين هما: “تفكيك الأنساق الروائية: رحلة في الهامش والعتمة”، و”شعرية النسق الدميم: من كينونة الذات إلى جوهرها”، وفيهما حلل الرواجفة القوى الثقافية الكبرى التي تشكل السرد العربي حيث قسّم المرجعيات الثقافية إلى ثلاث طبقات رئيسية هي: المرجعية الكلاسيكية التي يتعامل السرد من خلالها مع التراث بوصفه النموذج الثابت الذي يُعاد إنتاجه ويُستنسخ في الحكايات والشخصيات، وفيه تغدو الرواية امتداداً للموروث لا مجال فيها للخروج عليه؛ والمرجعية الحداثية التي تُعيد النظر في التراث، وتعمل على تقويضه ونقده، عبر تفكيك البنية التقليدية للسرد، واعتماد تقنيات جديدة مثل المونولوج الداخلي وكسر الزمن الخطي، والتجريب على مستويات اللغة والحكاية؛ ومرجعية ما بعد الحداثة إذ يصبح التراث مجرد جزء من نسيج سردي متناثر، يدمج الماضي بالحاضر والمستقبل، وتتعدد الأصوات وتتفكك المركزيات، ويغيب الصوت الواحد لصالح السرد المفتوح.
ويضع الكتاب هذه المرجعيات ضمن سياق تطوري متسلسل، يوضح كيف تحوّل السرد العربي من التقديس إلى التفكيك وصولاً إلى خطاب ما بعد الأيديولوجيا، حيث تتحرر الرواية من الانحياز الخطابي لتقدّم فهماً أكثر تعددية وتركيباً، ويقدم الرواجفة تطبيقات من نماذج روايات عربية على ما ذهب إليه، من مثل “شمس بيضاء باردة” لكفى الزعبي، حيث يقرأ نسق الوحدة والاغتراب بوصفه انعكاسا لقلق اجتماعي داخلي، و”فستق عبيد” لسميحة خريس حيث تكشف الرواية عن الأنساق الكولونيالية والعنصرية الكامنة داخل التاريخ والسرد، و”حرب الكلب الثانية” لإبراهيم نصر الله التي تفتح الباب أمام مفهوم “ما بعد الإنسان” عبر نسق التوحش وانهيار القيم، و”دفاتر الورّاق” لجلال برجس وفيها يتجلى صراع الأجيال والذاكرة، و”بوهيميا” لخالدة مصاروة التي تحلل نسق الذكورية وموقع الأنثى داخل منظومات سردية متجذرة، و”هنا الوردة” لأمجد ناصر التي تكشف نسق الانفصام الذي يعبّر عن تشتت الهوية.
ويمنح الناقد د.ليث الرواجفة مساحات واسعة لتحليل موضوعة الهُوية بوصفها نسقاً مركزياً في السرد، يتشابك مع المكان والزمان والشخصيات، ويتحول إلى بؤرة صراع بين الذات والآخر، وبين التراث والحداثة، وبين الانتماء والاغتراب، كما يتناول الكتاب نسق الأيديولوجيا وما بعدها، مبيّناً كيف تحررت الرواية العربية من الخطابات الكبرى، واتجهت إلى تقديم سرديات مفتوحة لا تخضع لمركزيات أو زوايا قراءة مغلقة.
كما يتوقف الباحث عند ما يطلق عليه “نسق التوتر”؛ حيث تتحول حالة الاضطراب النفسي والاجتماعي للشخصيات إلى انعكاس مباشر لصراع المجتمع وثقافته، وتصبح الرواية مرآة للتشتت الإنساني والبحث عن معنى في عالم مضطرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى