سلوى إبراهيم: حين يصير الماضي عبئًا
حاورتها تبارك الياسين

تقدّم رواية «الضائع» للكاتبة سلوان إبراهيم صورة إنسان يطارد ظله القديم؛ إذ يجد مراد نفسه محاصرًا بذكريات لا تهدأ، وبحبّ معلّق ترك في داخله أثرًا لا يُشفى. تكشف الرواية كيف يتحوّل الماضي من ذكرى جميلة إلى عبء ثقيل يوجّه الحاضر ويُربك الطريق، في سردٍ بسيط وشفّاف يلامس وجدان القارئ.
حوار تبارك الياسين
1. ما الدافع الأساسي الذي جعلك تكتبين «الضائع»، وهل مراد وُلد من تجربة واقعية أم من خيال صرف؟
ج.ليست تجربة واقعية، لكنها نظرية… اعتمدت على فكرة تغير آلية التفكير مع العمر، فأنا أعتقد أننا نتعلق بمراحلنا المبكرة من النضوج، ولكننا إذا أعدنا قراءة تاريخنا بعقلنا في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات نجد أننا أخطأنا، أو ربما أننا تحاملنا على أنفسنا…
المراهق يعتقد أنه يعرف، وكل ما مضى العمر نكتشف
أننا في الحقيقة ما زلنا لا نعرف
2. لماذا اخترتِ أن يبدأ الحب في المراهقة ويعود في مرحلة النضج بعد طول انقطاع؟
ج. أجبت نصفه في الأول.
في المراهقة تشتعل الرغبة، ليس جسديا فقط، بل هي الرغبة في الاقتراب والتواصل. لكن هذه الرغبة تتغلف برؤى من حولنا التي نطبقها على أنفسنا دون وعي أنها ليست لنا.
المراهقة هي أعظم مرحلة عاطفيا، وطالما اتهمت بالسذاجة وقلة العقل.
3. في رأيكِ، هل تُعتبر سلمى قدَر مراد الذي تهرّب منه، أم هي مجرّد فصل جميل من حياته؟
ج. لا أعرف إن كانت هناك علاقاتٌ قدرية، أنا أحب أن أؤمن أن العلاقات هي اختيار.
في حالة مراد وسلمى… سلمى كلنت قصة لم يضع لها نهاية، فظلت عالقة في خلاياه. هي ميكروب نائم احتاج فرصة ليستيقظ، وهذا ما حصل عندما رآها بعد طول انقطاع.

4. الزواج عند مراد بدا عقلانياً أكثر منه شعورياً… هل كان ذلك نقداً للمؤسسة الاجتماعية للزواج؟
ج.العقلانية أمر مرتبط بخوارزميات العقل، بآليات التفكير والتحليل والربط… هل كان زواجه عقلانيا؟ هو كان محسوبا وفق معادلة، لكن أساس المعادلة لم يكن خاصا بمراد نفسه، بل كانت معادلة استنسخها على نفسه. اذا كانت المعادلة خاطئة فالجواب حتما خاطئ.
هو ليس نقدا للمؤسسة الاجتماعية للزواج، هو نقد لتفكير شاب ذكي، عقله يعمل أكاديميا وتخطيطيا، لكنه لم يتصل مع نفسه، فلم يعرف ماذا تحتاج هذي النفس.
5. ما الدور الذي يلعبه المكان في الرواية، خصوصاً المزرعة وبيت سلمى، وهل يمثلان ذاكرة أم ملاذاً؟
ج.بيت سلمى في المدينة كان الحاضنة الأولى للقصة، وكبشر نحن نعيش العالم بأبعاده الأربعة، المكان يلازم الزمان دائما، والذكريات ترتبط بالاماكن كما ترتبط بالاشخاص والاصوات والروائح.
اما المزرعة فهي تمثل حالة سلمى، انعزالها في مبنى على تصميم أثري، بعيدا عن العمل والمدينة والبشر. سلمى المتماسكة إطارا في الحقيقة احتاجت ملاذا يجمعها ولوحاتها القديمة، التي خصصت لها غرفة بترتيبها تشبه المعابد. هي أيضا علقت بقصة لم تضع لها نهاية، حاولت الهروب منها بالهروب من بيتها القديم ومن المدينة ومن العمل، لكنها أخذتها معها عبر لوحات رسمتها يدها جزءا من القصة.
6. الصراعات الداخلية تفوقت على الأحداث الخارجية… هل قصدتِ ذلك لتسليط الضوء على العالم النفسي للشخصيات؟
ج.نعم هي قصة عن الاتصال مع النفس، وليست قصة الحدث الخارجي.
7. لو كان بإمكان سلمى أن تتكلم بصوتك الآن، ما الجملة التي كانت ستقولها لمراد؟
ج.لا اعرف ان كان لسلمى ان تتكلم بصوتي، لاني لو كنت مكانها ما كنت سمحت لقصتي بالهروب من يدي. ان كانت لتتكلم بصوتي ربما كان عليها الاعتذار.
8. أيهما أكثر إيلاماً في نظرك: حب يتحقق ثم ينتهي، أم حب يبقى معلّقاً دون اكتمال؟
ج.حب تحقق حتى لو انتهى هو جائزة، تجربة عظيمة، فرصة للتطور، مهما كان جرحه مؤلما، أما حبٌّ معلق -مثل كل القصص المفتقدة نهاية، هو مرض بطيء يأكل صاحبه رويدا رويدا. أفضل ألما واضحا سريعا تفهم أسبابه وبالتالي طرق علاجه، عن ألم غامض باهت متخف لا تدرك وجوده إلا عند اقتراب النهاية
9. هل ترين أن النهاية كانت منصفة لمراد وسلمى؟ أم أنها تركتهما في ضياع جديد؟
ما أصعب ما قد يحصل لهذين؟ أن يجدا نفسيهما في علاقة سامة؟ يجدا… لا يضيعا… لكنهما الآن في عمر عقلي يسمح لهما برؤية المهم والأهم، ويسمح لهما بتحمل مسؤولية قراراتهما، ويسمح لهما بحب الذات. بعض النرجسية في الحقيقة صحية، من يحب ذاته يعلم أن لا يؤذيها
10. إذا عاد بك الزمن أثناء الكتابة… هل كنتِ ستغيّرين مصيراً ما في الرواية؟
ج.عندما كتبت رواية الضائع… اعتقدت أنني كنت مجرد وسيلة استخدمتها الرواية في كتابة نفسها، لم يكن لي سلطة حقيقية عليها، ربما ما كنت أضفت الفصل الأخير (الخاتمة).



