محمد رضوان يكتب حين يكتمل كل شيء للإنسان ويغيب الرضا

في لحظة ما من العمر، لا يكتشف الإنسان أن ما ينقصه هو المزيد، بل يكتشف أن ما يثقله هو غياب الرضا. قد تبدو الحياة من الخارج مكتملة: عمل مستقر، علاقات قائمة، وإيقاع يومي منتظم، ومع ذلك يتسلل شعور خافت بالتعاسة. ليس لأن شيئًا ناقص، بل لأن قلبه لم يتعلّم بعد كيف يرضى بما هو حاضر.. ولم يعتد الحمد على ما معه.
الفراغ الداخلي لا ينشأ من قلة ما نملك، بل من انقطاع الصلة بين الإنسان وما بين يديه. كثيرًا ما يأتي هذا الفراغ بعد تحقيق ما كان يُظن أنه مفتاح السعادة. يصل الإنسان إلى أهدافه، ثم ينتظر الفرح فلا يجده، لا لأن الإنجاز بلا قيمة، بل لأن الرضا لم يكن حاضرًا ليستقبله. فالسعادة لا تُقيم في الإنجاز ذاته، بل في قدرة القلب على القبول والامتنان، وفي نظرته لما تحقق لا لما تأخر.
منزوع الرضا هو أكثر الناس قابلية للشعور بالتعاسة. لأنه يربط شعوره بالحياة بما ينقصه لا بما يملكه، وبما يتمنى لا بما يعيش. وكلما حقق هدفًا، انتقل مباشرة إلى غيره، وكأن الرضا مؤجل دائمًا إلى محطة لا يصلها أبدًا. هنا لا يكون الفراغ علامة بحث عميق، بل نتيجة طبيعية لقلب لا يستقر على حال، ولا يسكن إلى نعمة.
كثيرون يظنون أن الهروب من الفراغ يكون بالمزيد من الانشغال أو العلاقات أو الطموحات الجديدة، بينما الحقيقة أن الفراغ لا يُملأ إلا بالرضا. فالقلب الذي لا يرضى، لو وُضعت الدنيا بين يديه، لشعر بالخواء نفسه. لأن المشكلة ليست في الواقع، بل في زاوية النظر إليه.
الرضا لا يعني الاستسلام، ولا قتل الطموح، بل يعني أن تعيش ما وصلت إليه بوعي وطمأنينة، لا بجوع دائم للمقارنة. أن تسعى، نعم، لكن من دون أن تجعل سعادتك رهينة لما لم يتحقق بعد. أن تعترف بما لديك، وتقدّره، وتمنحه حقه في الشعور.
حين يجلس الإنسان مع نفسه ويسأل: لماذا أشعر بالفراغ؟ قد تكون الإجابة الأبسط والأصدق: لأنني لا أرضى. لا أرى ما أُنجز، ولا أحتفي بما تحقق، ولا أسمح لنفسي أن تهدأ. الرضا هنا ليس ترفًا روحيًا، بل ضرورة نفسية، من دونه يتحول النجاح إلى عبء، والحياة إلى سباق لا نهاية له.
في النهاية، الامتلاء الحقيقي لا يأتي من إضافة المزيد إلى الحياة، بل من تغيير علاقتنا بما فيها. الرضا هو ما يجعل القليل كافيًا، والكثير مطمئنًا، والطريق محتملًا. ومن يفتقد الرضا، يفتقد السعادة، مهما بدا كل شيء حوله كاملًا؛ فهو بمجرد لهاثه وراء رغبة جديدة ويحقق ما يظن أنه يريده، سيعود إلى الفراغ ذاته ثانية ذلك الفراغ الذى اتسع للأشياء كلها لكنه لم يتعلم أن يسع الرضا.



