حين يصير الهامش ملحمة: السخرية كذاكرة للطفولة والفقر في رواية يوسف غيشان
حوار تبارك الياسين

ليست ملحمة على الهامش مجرد استعادة لطفولة قاسية، بل إعادة كتابة للهامش بوصفه مركزًا للحياة والمعنى. في هذه الرواية شبه السيرية، يحوّل يوسف غيشان الفقر والحرمان في مادبا الستينيات والسبعينيات إلى مادة سردية نابضة بالسخرية والحكمة، حيث يصبح البقاء اليومي فعلًا ملحميًا لا يقل شأنًا عن بطولات الأساطير. عبر تناص ذكي مع ملحمة جلجامش، وتحديدًا حكمة القناعة التي تنقذ الإنسان من وهم الخلود، ينسج الكاتب نصًا يضحك ويبكي في آن، مستعيدًا شخصيات شعبية ومشاهد خاطفة تكشف هشاشة الواقع الاجتماعي والسياسي، وتمنح الذاكرة الساخرة قدرة نادرة على تحويل الشقاء إلى معنى، والهامش إلى رواية تستحق أن تُروى.
حاورته تبارك الياسين
1.ما الذي دفعك إلى افتتاح الرواية بمقطع من اللوح العاشر في ملحمة جلجامش، تحديدًا نصيحة سيدوري صاحبة الحانة لجلجامش بالقناعة بالحياة اليومية البسيطة؟ هل كان هذا الاختيار مدروسًا ليضع الرواية
في حوار مباشر مع الملحمة الأم؟
–
ليس ثمة من أو ما يدفعني، في الواقع هذا تصرف عفوي، لكني أحاول معكم أن أجد له سببا معقولا نسبيا. كانت هذه النصيحة بمثابة حجر سنمّار العجيب الذي أدى إلى مقتله مرميا من فوق القصر الذي بناه…… لو سمع جلجامش هذه النصيحة وعاد عن مغامرته لخسرنا هذه الملحمة العظيمة ..هذا البنيان الهائل في سعي الإنسان للخلود والانتصار على الموت.
– ربما أكون قد أخفيت حجر سنمار تحت اللحاف، أو ربما جلست عليه لعشر سنوات أو أكثر حتى استطعت بناء ملحمتي… ملحمة الهامشيين.
٢. في ملحمة جلجامش، يسعى البطل إلى الخلود بعدالسخرية هي العنصر الأبرز في أسلوبك، كيف استخدمتها لكشف هشاشة الأوضاع الاجتماعية والسياسية في الأردن خلال الستينيات والسبعينيات، مثل أحداث النكسة 1967 واللجوء الفلسطيني؟
أنا لم أفكر أبدا في الاسقاطات السياسية لما كتبته. أعتقد أن هذا دور النقاد أو المتذوقين – إن وجدوا- فعلا لا يستطيع الكاتب أن يتواجد في مكانين في ذات الوقت،إلا في ميكانيكيا الكم(الكوانتم) أو في أفلام الخيال العلمي… كل ما قمت به هو نقل صورة ساخرة لأوضاع عشتها أو تعايشت معها أو سمعت عنها…جمعتها معا ربما حتى لا تضيع في دفاتر النسيان وربما على سبيل التسلية..وربما لكشف هشاشة الأوضاع الاجتماعية والسياسية كما تقولون… وربما كل ما قيل صحيح.
٣.شخصيات مثل “كاترينا” و”زريفة” والخال المناضل والقس تبدو حية جدًا، هل هي مستوحاة مباشرة من أشخاص حقيقيين في حياتك، وكيف ساهمت في بناء الإيقاع الدرامي بين الضحك والبكاء؟
-جميع شخصيات الرواية هي كائنات حقيقية عرفتها وتعايشت معها، وبعضهم شخصيات سمعت عنها لكنها كانت موجودة فعلا. أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فأنا فعليا لا آخذ الحياة بجدية وأمسخر كل ما أتعامل معه وأحول الحزن والكوارث الى ضحك أو أمر من فوقه بلا مبالاة على الأقل…هكذا أنا والرواية كانت انعكاسا طبيعيا وصادقا لحطام شخصيتي غير الفذّة.
٤.كيف ترى دور الأدب الساخر في نقد الواقع العربي، خاصة في سياق روايتك التي تحول “الهامش” إلى مركز للسرد؟
الواقع العربي ممسخر أصلا ولا يحتاج للساخرين…راجع وسائل التواصل الاجتماعي تجد أن الناس في أغلبهم- أو أغلبها- تسخر من قادتها وحكامها ومعارضتها وتاريخها ومستقبلها..هؤلاء هم الهامش الذي يسخر من المتن ومن السردية التبريرية التي تعتمدها الدول – دولنا الفاشلة- في تبرير سياساتها.
هذه هي التراجيديا العربية الأصيلة … لأننا لم نلقي بالا لما تعلمنا إياه الكوميديا.
٥.الرواية تنتقل بسرعة بين المشاهد الحذقة، هل كنت تفكر في إمكانية تحويلها إلى عمل درامي سينمائي أو تلفزيوني أثناء الكتابة؟
أثنا الكتابة لم أفكر سوى في النص ..أما حاليا فأتمنى ذلك ، لكن هذا ليس دوري بل دور مبدعين آخرين أو جهات مهتمة في نقل أمين وصادق نسبيا لطريقة حياة الناس وتعاملاتهم وعيشهم وأحلامهم وآمالهم وأحزانهم وأفراحهم وسخرياتهم ونهزاماتهم وردود أفعالهم على كل ما ذكر وما لم يذكر. بالمجمل أرحب، لا بل أتمنى أن يجد هذه العمل طريقه للشاشات.
٦.ما هي الرسالة الرئيسية التي أردت إيصالها في الصفحات الأخيرة، حيث تكثف الحكمة العميقة حول البقاء والقناعة في عالم الفناء؟
ليس لدي رسائل ولا وصايا، أنا مجرد تلميذ في عالم الكتابة أتعلم كل يوم من القارئ أكثر مما يتعلم مني…. لكن الرسالة التي وضعتها في النهاية هي (…. وكل نهاية هي بداية جديدة) هل هي بداية جديدة أكثر وعيا أو أنها مجرد تكرار أحمق لما سبق وعشناه….. هذا ما يحدده الناس ، وليس جناب حضرتي.
٧.ككاتب ساخر منذ الثمانينيات، كيف ترى تطور الكتابة الساخرة في الأردن، وهل تواجه تحديات في مواجهة “الخطوط الحمراء”؟
الكتابة الساخرة الأردنية تطورت بشكل مذهل، وحصلت فيها قفزة نوعية مع محمد طملية في الثمانينيات وفي التسعينيات بعد التحول النسبي نحو الديمقراطية – التي تم الانقلاب عليها لاحقا-تمكن الكثير من الساخرين في التناسل من رحم الصحف اليومية والأسبوعية خلال التسعينيات.. صار للكتابة الساخرة الأردنية اسم يحترم وصدرت الكثير من الكتب الساخرة- وقد قمت بدوري في هذا الموضوع- لكن القرن الجديد شهد تراجعا سريعا عن هذه المنجزات، حتى انكمشت الكتابة الساخرة تماما ولم تعد قادرة على التعايش مع قوانين المطبوعات والجرائم الأليكترونية والتهديدات غير المبطنة..لا بل أن الصحف والمطبوعات والمواقع الأليكترونية استبعدت الساخرين ربما بأوامر عليا….. الكتابة الساخرة حاليا قابعة في
الممرالواصل بين غرفة الإنعاش وثلاجة الموتى.
8.كيف ساهمت السخرية في روايتك في تعزيز التناص مع جلجامش، خاصة في تحويل النصيحة الفلسفية العميقة إلى نقد اجتماعي للواقع الأردني آنذاك؟
هذا ما يحدده القاري أو الناقد وليس أنا…… أنا قمت بما علي وأصدرت الرواية بما فيها من نقائص ومن إيجابيات…ولا أستطيع التنظير لمدى نجاحها في تحويل هذا النص إلى رسالة نقدية اجتماعية للواقع الأردني…هذا ليس دوري.
٩.السرد يعتمد على انتقال سريع جدًا بين المشاهد القصيرة، كأنها لقطات سينمائية متتابعة. هل كنت تستهدف إيقاعًا دراميًا معينًا بهذا الأسلوب، أم أنه انعكاس طبيعي لطريقة استرجاع الذاكرة الشخصية؟
حاولت في روايتي هذه أن لا أقلد أحدا وأنا لا أعتمد أسلوبا معروفا، لذلك ابتكرت طريقتي الخاصة من خلال استغلال أحداث حصلت في مدينتي مادبا ، التي لم أذكر اسمها في الرواية ،في محاولة للقول بأن هذا الأمور تحصل في كل مكان في القرى العربية- وليس الأردنية فحسب- الحدث الأول كان عزومة الأمير إلى مادبا وما حصل خلالها من مفارقات. كنت موجودا كطفل، لكني اعتمدت على الذاكرة وعلى ما سمعت من احداث، لأحرّك المشهد السينمائي واتحدث عن عشرات الشخصيات والأحداث الطريفة أو المأساوية التي حصلت معهم كما عرفتها بالمشاهدة أو بالذاكرة (مع إضافات قليلة للقصص الحقيقية لغايات البناء الدرامي الساخر).
هذا ما فعلته أيضا في جنازة الشهيد نورس اليعقوب –وهو شهيد حقيقي وجنازة حقيقية – اذا رغم التحليل الساخر والفلسفي أحيانا للشخصيات المشاركة في الجنازة المقامة على الطريقة المسيحية ، ألا أنها تنتهي بمظاهرة ضد الصهيونية والاستعمار ….تنتهي بالاصرار على الأمل بالتحرير والتحرر.
١٠.هناك تناوب مستمر بين الضحك والدموع في السرد؛ مشهد كوميدي يتبعه مشهد مؤثر أو قاسٍ. هل كان هذا التناوب مدروسًا ليحاكي إيقاع الحياة اليومية في مادبا آنذاك، أم ليمنع القارئ من الوقوع في فخ التعاطف المباشر؟
لم أفكر في هذا التناوب ولم أقصده ولم أعرف عنه إلا من هذا السؤال، لكن من ذات الناحية هذه هي طبيعة الحياة العادية فلولا الحزن لن نعرف قيمة الفرح ولولا الشقاء لما عرفنا الراحة ولا الماكنتوش.
أما محاولة منع القارئ من الوقوع في فخ ما ، كما في السؤال، أنا لا استطيع منع نفسي من الوقع في عشرات الأفخاخ بشكل دائم ، فكيف أمنع الآخرين.,هذا حق طبيعي للمواطن العربي ..لا تحرمونا منه.
الكاتب الساخر:يوسف غيشان
الأسم: يوسف ميخائيل غيشان
تاريخ الولادة: 18/1/1956
مكان الولادة : الأردن – مادبا
المؤهلات العلمية : ليسانس فلسفة وعلم نفس \ جامعة بيروت العربية – بيروت
دبلوم دراسات عليا \ فلسفة\ الجامعة اليسوعية – بيروت
-عضو رابطة الكتاب الأردنيين من عام 1982
-عضو نقابة الصحفيين الأردنيين من عام 1994
المؤلفات:
يوميات زنبقة البدايات – شعر 1983
مرثية الفارس المتناثر – شعر 1987
شغب – كتابات ساخرة1994
يا مدارس يا مدارس- كتابات ساخرة1996
برج التيس – كتابات ساخرة 1999
مؤخرة ابن خلدون – كتابات ساخرة
أولاد جارتنا – الأعمال الهاملة – كتابات ساخرة—2007
لماذا تركت الحمار وحيدا ———— 2008
هكذا تكلم هردبشت – كتابات ساخرة2010
-مواسم التزلج على الجميد 2012
-اطلق قمرنا يا حوت 2013
-البالون رقم 10-2020
-ملحمة علهامش- رواية 2025
كاتب عمود ساخر في صحيفة شيحان
رئيس قسم المحليات في مجلة الأفق- الاردن
رئيس تحرير صحيفة البلاد الأسبوعية
كاتب صفحة ساخرة اسبوعية في البلاد
رئيس هيئة تحرير صحيفة (عبد ربه) الساخرة .
مؤسس صفحات( ساخرون بلا حدود ) على موقع البوابة الاليكتروني
كاتب عامود يومي ساخر في الصحف اليومية الأردنية : الشعب – العرب اليوم ..
=كاتب عامود يومي ساخر في صحيفة الدستور الأردنية .حتى نهاية 2022





