مصطفى البلكي يكتب جبرتي من طينتنا…حمَّلته الأيام سر الحب
يظل بداخلنا الخوف من عالم نجيب محفوظ المحكم, ما لم نختبر بداخله, لذلك يكون السؤال المؤسس لتلك الرحلة لكسر الرهبة: ماذا بداخلنا له …؟وكيف سنتعامل مع ما نجده؟ وبأي شيء سوف نخرج منه؟
كل تلك الأسئلة ستكون معنا حينما ندخل عالم عميد الرواية العربية.
ستكون الحكاية أول تلك الأِشياء, ندخلها ونحن في معية الحب, والحب يحمل الجزء الكبير من عبء الاستمرار, والحب من وجهة نظري قيمته في أثره, يكون دائما في مداره يعمل طبقا لقاعدة أننا نعيش به, وقتها يصبح ما يضاف هو زيادة تمدنا بما يجعلنا أكثر قدرة على مواصلة رحلة الحب للحكاية, واليد التي أخذت بلهفتي لتدلني على كنز الحكايات في رف يحمل معظم ما أنتجه العميد, كانت توقن بأنها ستدخلني لمغارة الكنز, وهي تعرف أن الحياة بكل معانيها مستقرة وراسخة هناك, ومن المؤكد أن عيني وقتها حينما عانقت الأغلفة التي أبدعها الفنان جمال قطب في طبعات مكتبة مصر, كانت تفتح لي بوابة لا يمكن تجاوزها بسهولة لصبي قادم من قريته لعالم المدينة في مرحلة التعليم الثانوي, كانت لحظة تسجيل الوجوه التي يشاركها العنوان والاسم لحظة ما زالت تأخذني لما خلف ملامحها التي تطل والمتناثرة بأحجام تتفاوت حسب الحضور داخل النص, ومع كل عمل كنت أعيش معه, كنت أظل لأيام أشيد معها صلة, ووقتها كان يعنيني بدرجة أكبر معالجته للجوانب الاجتماعية وأثرها على الشخصيات, وكأني أقف أمام خبرتي من نوع مختلف, نوع منحاز لكل من نبت من تراب تلك الأرض وعاش في حواريها وأزقتها, وقصورها, وأدرك كيف يكون الوجع, جبرتي غادر فكرة أن المصريين هم أبناء الناس, لفكرة أن المصري هو من رضع الحياة بكل ما فيها من متناقضات عصر خبر هو كل ما فيه, فكان تعبيره أصدق, ومنا ولدت فكرة الكتابة بصدق هي بمثابة فعل حب, لذلك تكون الصورة حاضرة بتفاصيلها المغرقة في مصريتها وفي صدقها, وفي وضوحها, ورمزيتها المقبولة, ورغم درجة الوضوح التي تصل لحد المكاشفة فأنها تكون في نسق الترابط مع ما يجاورها لتكون كجزء من لوحة تحمل بصمة من خط تفاصيلها بعناية, فتنقل أثرها وتطلق تصريحها الأقوى وهو أن من أوجدها أخلص لمفرداتها, وتعامل معها معاملة الناسك الذي لا يفرط في ورده مهما حدث, ولا في يقظة عينه التي تتحول لكاميرا, ترصد وتحفظ, ولا في انتباه عقله الذي يتأمل بروح الفيلسوف, ليُخبر من يدخل عالم الحكاية أن الأمر لا يعتبر بابا للتسلية, ولا لنقل الحكمة, بل هو يتجاوز الحياة ذاتها, ليطلب ما فوق الحياة بقليل, فيرسخ الحقيقة التي لمسها داخلي أني كلما جلست مع منتج له, أكون في صلاة, وكان من المهم أن أعرف هذا مبكرا, وكان من المهم أيضا أن أنصت لغواية الحكاية, والتأمل, ولأن أكون قريبا من الشخصيات ولأن تكون اليوميات العادية مدخلا لبناء العالم المستمد مفرداته من الوجوه التي تعبرنا والتي ندرك ما تحمله من صفات, لتمتزج مع عالم آخر هو عالم الخيال المتسع, ليكون في النهاية منتجنا هو عالم ثالث له ما يخبر بأنه هو جزء من الواقع لكنه ليس هو تماما.