هل حقًا كنت ضحيتك؟! .. نهي مختار سليم
كنت ضحية أبي قبل أن أكون ضحية آخر, ضحية الخوف الذى لم تتشكل ملامح شخصيتي إلا به, ضحية المجتمع الذى لم يسمح لي ولو بنصف فرصة لأن أكون أنا.
لم أتعثر في حياتي كما تعثرت وأنا أحاول فقط فهم أبي, رغم موقعه المرموق في مجال عمله, إلا أنني لم أجده إلا جبانًا, وكنت أتعجب وأسأل نفسي دائمًا كيف لقوة كهذي أن تكون بكل هذا الضعف والجبن؟!
وككل ما يحدث في حياتنا ونكونه رغمًا عنا وجدتني في النهاية هو في كل شيء, ثم وبمرور الأيام اكتشفت أنه كان يفهم الدنيا أكثر مما كنت أتصور, كان يفهم جيدًا معنى “إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي” وأننا جميعنا كلاب بشكل ما أو بآخر, تدعي انسانيتها طوال الوقت.
وكنت ضحية أمي أيضًا, المرأة التى لا تختلف كثيرًا عن أبي, كانت هى أول من أرعبني من الرجال والحب, “لا يصح” الجملة التى كانت تغذيني عليها مذ الصغر, وكبرت وأنا أعتبر الحب خطيئة لا تصح لنا.
لم أسمح لنفسي يومًا أن تحب أو تُحب, كلمة أنتِ جميلة أو أية محاولة للتغزل بي كانت جريمة لا تغتفر, وجلد لذاتي لا نهاية له.
لم أشعر حتى بمراهقتي وشبابي, لم أغرم بمدرسي في الفصل, لم أعلق صورة أي فنان على حائط غرفتي, لم أتعمد الوقوف خلسة وبملابس شفافة في شرفتي في محاولة للفت انتباه ابن الجيران الثلاثيني الحلو.
لم أسمع في حياتي كلمة عذبة ترتجف لها كل أوصالي ولا لمسة تشقيني فيما بعد, لم أنطق بكلمة بذيئة واحدة فقط لأنني بنت ولا يحق لي الصراخ أو التأفف والغضب.
لم أواعد أي شاب سرًا, لم أكن أخرج من بيتي أصلًا إلا للدراسة والعمل, ارتديت الحجاب فقط لأنه لا يصح العيش دونه حتى في بيتي ووسط إخوتي.
“القناعات الشخصية” لم يكن لها وجود في حياتي, كنت محاكاة لأهلي ونسخة أخرى من الآخرين, نسخة رقيقة, جميلة وطيبة ولكن مشوهة وخائفة من كل شيء.
تخيل أنني لم أعش كل ما مضى إلا خشية كلام الناس فقط, ورغم ذلك لم يمنعني أي ترهيب من الرقص عارية في غرفتي وأنا أتخيل أن رجال العالم كلهم يتعبدون بنظراتهم في جسدي, ولم يكن يحلو لي الرقص غير هكذا.